الحروب القتالية المتعارف عليها بين الدول تكون لها بداية وتنتهي بانتهاء أسبابها وتداعياتها، أو تخمد باتفاق الأطراف المتحاربة على صيغ ونظام واتفاقيات تحفظ حقوق الأطراف المتخاصمة، كما أن لها حدوداً ومعروفة الجهات المتقاتلة، بمعنى أن الأطراف المتنازعة تكون معروفة الأسباب، الحروب تكون معلومة لدى المجتمعات.
بالمقابل نرى أن المدافع وفارس البيئة لا يعرف خصمه الحقيقي بشكل دقيق، ما يجعله دائماً في حرب مستعرة وملتهبة لا تنتهي ولا تنطفئ، وعلى عكس الحروب القتالية أيضاً، تكون الأعداء غير معروفة ولا تستطيع قياس وتحليل الدمار الذي سببه هذا الغول المفسد «عدو البيئة» من دمار وفساد.
منذ زمان والإنسان يحاول بشتى الطرق أن يحسّن من حياته باحثاً عن أسباب آلامه وآهاته وأمراضه... ليضع حلاً لقرون طويلة من القضايا التي تحل على البيئة من دون أن يصل إلى الحلول المنشودة والمرضية بسبب عدم معرفة الأسباب المؤدية إلى هموم البيئة وكيفية الحد من هذه التفاعلات البيئية المؤدية إلى الخلل في النظام الأيكولوجي.
فعلى سبيل المثال في بلدنا، هل تستطيع معرفة كمية التلوث الناتج عن المصانع في المعامير؟ وهل بمقدورنا أن نحدد المتسبب الرئيسي في هذا الكم الهائل من التلوث؟
ممكن أن نحدد المصدر الرئيسي والأكثر كماً ونوعاً من بين متسببي التلوث، ولكننا لا نستطيع أن نحلل الكميات الحقيقية أو أنواعها والتركيزات عن كل مصدر بسبب تكدس كثير من المصانع المختلفة بين جزيرة سترة؛ لذا لا نستطيع أن نحدد من هو عدو البيئة الحقيقي في هذه البقعة من الأرض.
لهذه الأسباب سوف نبقى في حرب ضروس بالقلم لحين تجف الأحبار أو تفقد الصحافة دورها - وهو المستحيل طبعاً - مع هذه المصانع حتى نصل إلى حقائق دامغة.
ومثال آخر صارخ على ما نشاهده في بلدنا بعد تساقط الأمطار الموسمية، فهل باستطاعة حامي البيئة أن يغمض عينيه عمَّا تؤول إليه شوارعنا وقرانا من دمار بعد سقوط هذه النعمة المحببة لدى معظم البلدان، وهي غير محببة لدينا بسبب ضعف البنية التحتية؟ وهذه الأمطار لا يستطيع أي مخلوق أن يوقفها نتيجة دورة طبيعية للماء وهناك حكمة للخالق في وجودها وإدارتها، لا نعرف سوى قشور منها، تنظيف الهواء وترسيب المعلقات (الغبار) وتنقية الجو وترطيب التربة ونمو النبات، ولكننا بالمقابل نستطيع أن نحدد من آثارها على البيئة.
لذلك يتوجب علينا كمحاربين ضد أعداء البيئة أن نبين أماكن الخلل في البيئة والضعف الظاهر في البنية التحتية من شوارع ومجارٍ وشبكة مياه، بالإضافة إلى آثار هذه الأمطار على البيوت الآيلة للسقوط ووضع الحلول التي تطرقنا إليها في مقال سابق وغيرها من القضايا الملحة.
وقضية أخرى تتعلق بالظواهر والكوارث الطبيعية - الزلازل والأعاصير والبراكين - الذي يحتم علينا أن نتطرق إلى ما تلعبه من دمار للبيئة ونحذر الحكومة بين فينة وأخرى من هذا الكابوس الذي بدأ يزلزل كثير من البلدان (سيول جدة وفيضانات باكستان وأستراليا)، وارتفاع منسوب مياه البحار (البحرين من البلدان المهددة) وهناك الكثير الكثير.
كما قلنا في مقدمة هذا المقال بأن خصمك غير معروف بسبب أن حروب البيئة لا تنتج بين دول متناحرة تعرف أسبابها وحدودها، ويمكن السيطرة عليها إذا اتفق الأطراف المتنازعة على حل القضايا العالقة، فهذا النوع من الحروب لا تعرف فيه عدوك كونها تتعدى الحدود بين الدول بسبب التغير المناخي، فلذلك يصعب عليك الدفاع عن حقوقك، ما يجعل المقاتل من أجل البيئة في حروب مستعرة ودائمة للدفاع عن هذا الكوكب بتوضيح الأسباب والتأثيرات من غير الوصول إلى العدو الحقيقي.
هذا فيض من غيض، ناهيك عن دفان البحار وتدمير البيئة البحرية ما يجعلنا مضطرين أن نشهر سيوفنا لهؤلاء الأعداء المتمردين، لنقاتلهم بما لدينا من قوة كي ندافع عن حقوق البيئة والناس، وسيظل سلاحنا على أهبة الاستعداد على مدى السنين، لندافع ونحارب ونشهر أقلامنا لتقديم النصائح والتحذيرات، وإذ إننا نعترف بأننا أحياناً نصبح أشداء أشاوس على بعض الوزارات والمرافق العامة ذات الصلة، وذلك من منطلق حرصنا على وطننا ومواطنينا من الكوارث التي سوف تضربنا حتماً، وإن لم نستعد إلى عواقبها بالطرق المطلوبة للسيطرة على آثارها سوف تكون الخسائر كبيرة وجسيمة، وليس الهدف من نقدنا التشهير أو التسقيط بالآخرين.
أعتقد في النهاية أن علينا أن نستخلص من الخبرة المتراكمة دروساً وعبراً، بأن حروب البيئة ليس لها بداية ولا نهاية ولا نستطيع التعرف على أعدائها كما ذكرنا سلفاً، ولكننا بالتكاتف والتعاضد نقلل من آثارها وتأثيرات أعداء الكون، الذين يتسببون في تدمير حياتنا وهلاك جميع الكائنات الأخرى الحية وغير الحية.
وسنبقى دوماً رافعين السلاح ولن نغمده أبداً في وجه كل من تسوّل له نفسه في تدمير بيئتنا أو العبث بترابها وبحارها.
إقرأ أيضا لـ " أحمد العنيسي"العدد 3088 - الجمعة 18 فبراير 2011م الموافق 15 ربيع الاول 1432هـ