ركز أئمة وخطباء الجمعة في خطبهم أمس، على الأحداث التي تمر بها البحرين منذ يوم الإثنين الماضي (14 فبراير/ شباط 2011)، والتي سقط ضحيتها قتلى ومئات الجرحى.
وأكد الأئمة والخطباء على أن الإصلاح مطلب أساسي، وأن أمن البحرين وأمانها مسئولية الجميع.
ومن جانبه، ندّد إمام وخطيب جامع الجفير الكبير الشيخ محمد جعفر الجفيري بما عبّر عنه بـ«الهجمة الشرسة التي تندى لها الجبين»، وقال إنّ «استخدام أساليب القمع قد تسكت الناس فترة محدّدة، ولكن لا تحلّ المشكلة بل تعقّدها».
وأكد أنه «يستوجب على القيادة دراسة مطالب الناس، وكان أمامهم عدّة خيارات، أمّا اللجوء إلى القوّة فهذا خيار غير منطقيّ وغير عقلائيّ، مهما أرادوا أن يبرّروا ذلك بسيوف تمّ شراؤها من البرادات أو سكاكين لا تصلح حتى لقطع البصل».
واعتبر أن «من تجمّع للمقاومة لا يأخذ أطفاله ونساءه للاعتصام، وإنّما كان الاعتصام سلمياً شرعيّاً ودستوريّاً، ومن الغريب معالجة المشكلة بهذه الوحشيّة».
وقال الجفيري في خطبته إنّه «قبل حدوث الاقتحام طالعتنا وسائل الإعلام بتعزية واعتذار وزير الداخلية، ونحن اليوم نسأل ما الذي حدا ممّا بدا، أم أنّ كلام الليل يمحوه النهار؟».
وفي حديثه عن الأوضاع في البحرين أيضاً، قال إمام وخطيب جامع مركز أحمد الفاتح الإسلامي الشيخ عدنان القطان إن «الأمن مطلب عزيز وكنز ثمين، وهو قوام الإنسانية كلها، وأساس الحياة المدنية كلها، تتطلع له المجتمعات وتسارع لتحقيقه السلطات وتتنافس في تأمينه الحكومات».
وأفاد القطان بأن «مطلب الأمن يسبق مطلب الغذاء، فبغير الأمن لا يستساغ طعام ولا يهنأ عيش، ويُنعم براحة».
وأكد القطان «في ظل الأمن تحفظ النفوس وتصان الأعراض والأمان، ويسود العمران وتتوافر الخيرات، ينجح اقتصاد البلاد، وتتلاشى البطالة، وتنتعش التنمية، وينتشر العلم»، وأضاف «في ظل الأمن تقوم الدعوة إلى الله، وتعمر المساجد وتقام الجمع والجماعات، ويسود الشرع، ويقل المنكر».
ولفت إلى أن «الأمن حاجة فطرية للناس جميعاً، مسلمهم وعير مسلمهم، صغيرهم وكبيرهم، الناس جميعاً يحتاجون إلى الاطمئنان والأمن والراحة النفسية، ولهذا جاءت الشريعة الإسلامية، جاءت بتحصيل كل سبب يتحقق الأمن، وحذرت من كل وسيلة تثير الخوف في نفوس الناس».
وبيّن أنه «لا يجوز للمسلم أن يروع أخاه، ولا أن يحمل السلاح في أسواق المسلمين».
وواصل القطان في قوله «إذا اضطرب الأمن ظهرت الفتن وتزلزل الوطن وتخلخلت أركانه، والتبس الحق بالباطل، وحكم اللصوص وقطاع الطريق، وسادت شريعة الغاب، وهلك الناس».
وذكر أن «التفريق في أمن المجتمع تدمير له ولمكتسباته ودعائمه، ولذا علينا جميعاً أن نسعى للحفاظ على هذا الأمن بسد الثغرات التي يمكن أن تحدث شرخاً في المجتمع، أو تجعل جسده مثقلاً بالجراح».
ووصف البحرين بأنها «تعيش مرحلة خطيرة، ومنعطفاً صعباً، فلابد من تماسك الصف بين جميع المواطنين، مع بذل النصيحة عن طريق المجالس الصحيحة، في مجلسي الشورى والنواب».
واعتبر أن «أمن الفرد جزء من أمن مجتمعه، وتوطيد الأمن يستلزم أن يؤدي كل فرد مسئوليته في الأمن».
وأكد أن «كلنا يريد الإصلاح وحرية التعبير عن الرأي حق كفله الميثاق والدستور».
وأردف القطان قائلاً «إن الوطن أمانة في أعناق الجميع، حاكماً كان أو محكوماً، وأن خيره للجميع، والمساس به ليس من صالح أحد، فعلينا جميعاً أن نتكاتف ونتعاون من أجل دعم مسيرة الإصلاح، التي وعد الملك باستمراريتها، من أجل تحقيق مستقبل واعد، وأيام أجمل»، مؤكداً على أن «نحن في البحرين إخوة لا فرق بيننا، وإن تعددت مذاهبنا».
وأكد إمام وخطيب جامع قلالي الشيخ صلاح الجودر أن «تأزيم الأوضاع والدفع بها إلى الهاوية لأمر لا يرضاه دين ولا عقل ولا عُرف، وإما تبريره والبحث له عن مسوغات يعتبر لوناً من خيانة الأمانة»، مبيناً أنه « ليس هناك مجال للمجاملة السياسية، والمراوغة الدينية، اليوم يوم المسئولية الوطنية التي تجب على كل فرد في هذا الوطن، سنة وشيعة، بأن يتحملوا مسئولياتهم تحت قيادة عاهل البلاد المفدى».
ودعا الجودر الجميع إلى «نبذ أسباب الفرقة والخلاف، ووحدة الصف، والتصدي للنعرات الطائفية، إننا ندعو إلى الحوار الهادئ الرزين، وأن نوقف دعوات العنف والكراهية التي يبثها البعض»، مؤكداً أنه «يجب أن نستمع إلى صوت العقل، فهناك التاريخ المشترك بين أبناء هذا الوطن، بمختلف مكوناته الدينية والفكرية والسياسية».
وأضاف «البحرين كانت ولا تزال واحة أمن واستقرار، ومن هنا فإنا نطلق الدعوة إلى التهدئة والحوار، وتدخل العقلاء والحكماء، إياكم والانزلاق إلى مهاوي الطائفية، فالكثير من الدول عانت من هذا الصراع وإلى اليوم هي تدفع الأثمان الباهظة».
وذكر القطان أن «الأمن والاستقرار، وهو مطلب إنساني يسبق مطلب الغذاء والشراب، إذ كيف يستساغ طعام؟!، أو يستلذ شراب؟!، أو يهنأ عيش؟!، في ظل غياب هذا المطلب؟!، ففي ظل الأمن والاستقرار تصان الأعراض والأموال والأنفس، ويعلو العمران والبناء والإصلاح، وتعمر المساجد والجوامع ودور العبادة (...)».
وفي موضوع الأحداث التي تشهدها البحرين، قال إمام وخطيب جامع كرزكان الشيخ عيسى عيد إنه «إذا غاب منطق العقل، وعطل العقل عن العمل، حل محله منطق الغاب، وتغلبت الشهوات والأهواء، ونطقت المصالح الشخصية. واستفحل الدمار والخراب وارتكب الحرام وسفك الدم الحرام، وهتكت الحرمات، واسترخصت قيمة الإنسان، وضيعت حقوقه وديست كرامته».
وأضاف «بدلاً من أن يعالجوا الموضوع بحكمة وروية، ويدرسوا المطالب الشعبية، ويضعوا الحلول المناسبة لها، ويقدموا الإصلاحات العملية الحقيقية لتسيير عجلة البلد إلى الاستقرار والتقدم والرقي، عمدوا إلى قمع تلك التظاهرات السلمية بأقصى وحشية»ً.
وتابع «ثم قامت قوات الأمن والجيش باقتحام المعتصمين في دوار اللؤلؤة بعد منتصف الليل ما أدى إلى استشهاد جماعة من المعتصمين، وجرح المئات، وترويع النساء والأطفال وكبار السن في صورة وحشية بشعة لم يسبق لها مثيل في تاريخ البحرين المعاصر. حتى استنكرت هذا العمل الوحشي جميع المحافل في الداخل والخارج والمنظمات الحقوقية الدولية».
وفي الموضوع نفسه، أسف إمام وخطيب جامع أبي بكر الصديق الشيخ علي مطر لـ «وقوع ضحايا من قتلى وجرحى في هذه الأزمة، سواء أكانوا من المتظاهرين أو رجال الأمن».
وأكد مطر أن «هذا وقت العقلاء والحكماء، وهنا يأتي دور العلماء في التهدئة، ووأد الشر، والمساهمة في منع العنف، والحد من التأزيم والتصعيد».
وقال إنه «يجب على الجميع، السلطة والشعب والمحتجين والمتظاهرين، الالتزام ببنود الميثاق الذي تم التوافق عليه من عشر سنوات، فهذا عهد وجب الوفاء به».
وأضاف «يجب على كل مواطن وسياسي أو معارض سلك الطرق القانونية السلمية عند المطالبة والاحتجاج، والمحافظة على أمن الوطن وأرواح الناس والممتلكات، والحرص على الوحدة الوطنية، والحذر من المساهمة في إحداث الفوضى والانشقاق الطائفي ما يؤدي إلى حصول صدام بين الأهالي».
وحذر من «كل فعل أو قول وتصرف وموقف يؤدي إلى الفتنة، على جميع الأطراف الابتعاد عن التهويل والمبالغة في ردود الأفعال لأن عواقبها وخيمة».
كما دعا خطيب جامع عجلان بعراد الشيخ ناجي العربي «جميع المواطنين بجميع طوائفهم وأطيافهم إلى التكاتف والتآزر من أجل درء الفتنة وصدها عن أن تلعب بمقدرات المملكة وشعبها»، مؤكداً على «ضرورة الاستماع إلى نداء الحكمة وصوت العقل بالاحتكام إلى القانون والمنطق الصحيح، بحيث يعود هذا البلد كما كان يعز فيه المواطن وتصان فيه الحقوق ويعم الأمن والسلام، وتسود الألفة جميع أفراده».
وقال العربي: «كلنا صغار وتبقى البحرين كبيرة أكبر منا جميعاً شعباً وقيادة ولن تبقى إلا إذا اتحدت إرادة مع الشعب وامتزجت إرادة القيادة مع الشعب».
وأضاف «إن التلاحم الوطني يوجب أن يترفع الجميع عن مستوى الانتماء عن كل شيء ويبقى الانتماء إلى البحرين كي تبقى عزيزة مرفوعة الرأس بشعبها وقيادتها».
وأوضح أن البحرين هي «الكيان الذي يجتمع فيه ويذوب فيه كل انتماء إلا الانتماء إليها ولا يفوقه إلا الانتماء إلى الإسلام».
وأكد العربي على حق المواطن مهما كان انتماؤه ودينه المطالبة بما شاء شريطة أن يكون في إطار القانون ووفق النظام كما أكد على أن الأمن مسئولية الدولة.
وفي سياق الأحداث الأخيرة أيضاً، أفصح إمام وخطيب جامع عالي الكبير الشيخ ناصر العصفور عن «عقد اجتماع مرتقب (اليوم أو غداً) لكبار العلماء في ظل هذه الأجواء المتوترة، موضحاً نعم هناك بعض الشعارات الجدية وهي قد تكون مضرة ولكن الأمل ما زال موجوداً لإحلال الإشكال ومعالجة القضايا بالحكمة والروية فلا يريد أحد الانزلاق بهذا البلد إلى ما لا تحمد عقباه مع الناس. واستنكر العصفور أحداث الاقتحام على ميدان اللؤلؤة بقوله: «ما حدث فجر يوم الخميس الماضي في أوج الظلام مأساة إنسانية بكل معنى الكلمة». وتساءل العصفور في خطبته «هل عدمت كل الوسائل والطرق لمعالجة المسألة والإشكال؟، لماذا تعمد استعمال القوة المفرطة الهمجية والسلاح المحرم دولياً بهذه الطريقة الخاطئة؟ هذا السلاح المسمى بالشوزن وغيره من الأسلحة القاتلة وفي عتم الليل وسواده». وأكد العصفور أن «اقتحام التجمع في ميدان اللؤلؤة وما حصل وجرى ورأيناه في مجمع السلمانية الطبي من تطورات وأحداث أليمة، يجعلنا نؤكد بأن المعالجة الأمنية بهذه الطريقة لا تجدي نفعاً ولا تحل الأوضاع العصيبة، بل تفاقم الأمور وتصعبها للأسوأ، ولهذا يجب علينا أن ننادي بعدم الهجوم على مواكب التشييع للشهداء».
واقترح العصفور لحل الأزمة أننا «نحتاج إلى خطوات فعلية ورجالات البلد من أصحاب الحكمة ومن علماء وشخصيات تتواجه مع القيادة للوقوف على الأحداث وتصحيح الأوضاع».
العدد 3088 - الجمعة 18 فبراير 2011م الموافق 15 ربيع الاول 1432هـ
العصفور
وقد نادى الشيخ ناصر العصفور سابقا إلى إيجاد حلول عملية للمشاكل الاقتصادية والاجتماعية التي تعاني منها البلاد....ولكن النظام يقول ما لا يفعل..وكفاية حوار...لا للحوار مع من يستبيح دم الشعب البحريني