لم يكن الخميس يوماً عادياً في البحرين، فقد انبلج فجره عن مشاهد مروّعة لاقتحام دوار اللؤلؤة وسقوط عشرات الجرحى والقتلى، حيث ظلّت الصور تتتالى على الفضائيات طوال اليوم.

الهجوم بدأ من عدة جهات بحسب شهود عيان، بإطلاق كمياتٍ هائلةٍ من مسيلات الدموع والرصاص المطاطي والانشطاري. وإحدى السيدات اللتي أفلتت من الحصار نقلها بعض المعتصمين إلى منزلها من الجهة الوحيدة المفتوحة ناحية القفول.

كانت الرسائل الهاتفية التي وصلت من الساعة الأولى للهجوم تشير إلى وقوع جرحى بين الـ 70 والـ100، وهو الرقم الذي ظلّ ثابتاً حتى نهاية اليوم، بينما أعلن التلفزيون إخلاء دوار اللؤلؤة من المتجمهرين حوالي السادسة والثلث.

عند الساعة السادسة والنصف تلقينا اتصالاً عن إصابة الدكتور صادق العكري، فأسرعت زوجتي بالذهاب مع أبيها للمستشفى للاطمئنان على أخيها، بينما بقيتُ أتنقل بين الفضائيات أحاول استيعاب الحدث في ذهول.

عند الثامنة وصل خبرٌ عن منع سيارات الإسعاف من الوصول لمنطقة الحدث، وتعرّض سائقٌ بحريني ومسعفٌ فلبيني للضرب، وتبعته أخبار أخرى مماثلة. السفارة الأميركية تحذّر رعاياها وتغلق أبوابها. وفي الثامنة والنصف أعلن بنك الدم المركزي عن الحاجة الماسّة للتبرع بالدم لإنقاذ الجرحى (تجاوز عددهم في المساء خمسمئة متبرع).

عند التاسعة صباحاً يعلن الطاقم الطبي في مجمع السلمانية الطبي عن عجزه عن فعل شيء أمام كثرة الإصابات، وعند الحادية عشرة انفجر غضب الأطباء والممرّضين ضد وزير الصحة فيصل الحمر لمنعه توجه السيارات للميدان وطالبوه بالاستقالة، فيما أعلن مستشفيان خاصان عن فتح أبوابهما لاستقبال الجرحى.

قبيل العاشرة أعلن عن سقوط الضحية الثالثة (60 عاماً) من كرزكان، (الأولى والثانية من سترة، 53 و23 عاماً). صورة الضحية الثالثة فظيعة جداً، حيث تهشّم رأسه جرّاء الطلق الناري، بينما أصيب الأول في صدره أثناء مساعدته المصلين على الوضوء لصلاة الفجر. وعند العاشرة والنصف احتُجز مراسلون أجانب في المطار ولم يمنحوا تأشيرة الدخول. وعند الثانية عشرة سُمح للإسعاف بالوصول، وجهّز الأهالي أسِرّة الطوارئ خارج القسم، لكن الأطباء وجدوا الميدان خالياً من المعتصمين تماماً. كان قد مضى تسع ساعات على الاقتحام.

عضو المؤسسة الوطنية لحقوق الإنسان عبدالله الدرازي يعلن استقالته احتجاجاً على الوضع الكارثي، فيما تناقلت مواقع «الفيسبوك» استقالة عددٍ من الوزراء تم نفيها لاحقاً، وفسّرها البعض بوجود حالات تردد. وأعلن التلفزيون عن غلق ستة شوارع رئيسية تؤدي إلى ميدان اللؤلؤة.

عند الواحدة ظهراً زرت الطبيب الاستشاري (العكري) الذي أصيب أثناء تأدية واجبه في إنقاذ الجرحى فجراً، وكان يسأل بصوتٍ خفيضٍ عن مصير الأطفال في الاعتصام. كان أغلب زواره أطباء وممرضات بحرينيات من مناطق مختلفة اللهجات، وكانوا يتبادلون الأحضان مع أهله في أروع صور التلاحم البحريني الأصيل. ولاحظت العائلة وجود شخصٍ مريبٍ يريد تصويره وتسجيل صوته، فلما سألوه عن هويته ادعى أنه صحافي، سألوني فنفيت ذلك حيث سبق لي تولي لجنة العضوية بجمعية الصحافيين البحرينية. ولما طلبوا منه إبراز هويته، أجاب متلعثماً أنه سيحضرها من السيارة، لكنه خرج هارباً ولم يعد.

قرابة الواحدة ظهراً بثّ التلفزيون صورةً حيةً ليقدم الرواية الرسمية لعملية الاقتحام، بينما أصدرت جمعية الأطباء بياناً للمطالبة بإنقاذ الجرحى، والدعوة لوقف دعوة الفتنة والفرقة في البحرين، ويعلن مجمع السلمانية عن قائمة مفقودين تضم 60 شخصاً. و «الوفاق» تعلن عن انسحابها النهائي من البرلمان، وعقد اجتماع مع القوى السياسية. ووفدٌ من علماء الدين يصل السلمانية، ويزور الشيخ عيسى قاسم المشرحة. ويعترف وزير الصحة رسمياً بسقوط 3 قتلى و195 جريحاً، وهي أرقامٌ مهولةٌ بالنسبة إلى تعداد السكان.

بعد الظهر، أصدر مثقفون وكتّاب بحرينيون بياناً استنكروا فيه الهجوم الشرس وغير المبرّر على المدنيين في ميدان اللؤلؤة، ويدعون الجهات المعنية لسحب كافة عناصر الجيش وقوى الأمن وفتح باب التحقيق العلني من جهات محايدة. وبعثت شخصياتٌ حقوقيةٌ بياناً للأمين العام للأمم المتحدة والدول ذات التأثير، لوقف ما جرى من مخالفات للمواثيق الدولية التي وقّعت عليها البحرين، بما فيها حق التعبير والتجمع السلمي وتقديم العون الطبي للمصابين.

عند الخامسة وأثناء زيارتي للطبيب المصاب، علمت أن صحافيين ومندوبي وكالات أنباء أجانب زاروه ليسمعوا تفاصيل القصة، وتزامن وجود وكالة «رويترز» مع زيارة الوزير له. وفي طريقي كان هناك المئات رجالاً ونساءً وشباباً أمام قسم الطوارئ، بينما تجمهر العشرات أمام المشرحة، حيث تحلق بعضهم حول شخص في حدود الخمسين من عمره أو يزيد قليلاً, أخبرني أحدهم أنه أبٌ لأحد الشهداء. كان يتحدّث برباطة جأش، ويخاطب سيدةً قائلاً: «نحن لا نبيع الوطن، وهذه ليست أول مرة... لقد حدث مثل ذلك في التسعينيات وقبل ذلك».

دخلت المشرحة، كان هناك تابوتٌ خشبي مبطنٌ بالصفيح، وبعض الشباب يفتحون ثلاجات الموتى. تم فتح إحداها وسُحبت للخارج. لم أتحمل منظر الرجل الخمسيني المسجّى فخرجت، فنحن شعبٌ مسالمٌ لم نعتد على مناظر الدماء.

يومٌ طويلٌ حزينٌ سيبقى عالقاً بالذاكرة البحرينية طويلاً، أسجل تفاصيله الشخصية للتاريخ، لأننا جميعاً راحلون وسيبقى الوطن... ظلت الفضائيات العربية والأجنبية تتابع تداعياته في نشراتها الأخبارية. وفي المساء، يعقد وزير الخارجية مؤتمراً صحافياً الساعة السادسة، ليقدّم رؤيته عن الواقعة الدامية، وذلك بعد مرور 14 ساعة. وفي العاشرة، وفي أول ملامح التغيّر في المواقف الدولية، انتقد الرئيس الأميركي بشدة استخدام القوة والعنف ضد المتظاهرين. ثم تعلن وزيرة خارجيته عن تأييدها لإحداث «تغييرات حقيقية» والاستجابة للمطالب الشعبية، وتطالب بحماية أرواح المواطنين. الأمين العام للأمم المتحدة أعلن عن صدمته من تعامل السلطات مع المتظاهرين. وزير الخارجية الألماني يعبر عن رفضه للعنف الذي مارسته السلطات، فيما أعربت الخارجية الفرنسية عن أسفها العميق لمهاجمة السلطات البحرينية للمحتجين، والاتحاد الأوروبي يعلن عن دعمه لحق المواطنين البحرينيين الطبيعي في التظاهر. وكان آخر المنتفضين على ما جرى «منظمة العفو الدولية» التي أدانت بشدة سقوط قتلى وجرحى نظموا اعتصاماً سلمياً في أكبر ميادين عاصمتنا «اللؤلؤة».