العدد 3086 - الأربعاء 16 فبراير 2011م الموافق 13 ربيع الاول 1432هـ

عروبة الثورة

من الأشياء اللافتة للنظر في ثورة 25 يناير، التي تعم أنحاء البلاد، أنه كما انضمت جميع فئات الشعب إلى جموع الشباب الذين فجروها في ميدان التحرير، فقد انضمت إليها أيضاً جميع الشعوب العربية باعتبارها ثورتها هي وليست مجرد ثورة محلية في دولة مجاورة.

إن حجم الاهتمام الشعبي في الوطن العربي بثورة 25 يناير فاق كل الحدود، ولا أقصد هنا الاهتمام الإعلامي الذي جعل جميع القنوات العربية لا تقدم على مدار اليوم إلا تطورات الثورة المصرية على حساب كل برامجها الاعتيادية، وإن كان هذا الاهتمام يعكس بالطبع الاهتمام الشعبي في الدول العربية كافة، وإنما أقصد اهتمام الناس الذين يعبرون عن موقفهم وإحساسهم بما يجري في مصر، كلما ظهروا على شاشات هذه القنوات بطريقة تختلف كثيراً عن الاهتمام الذي يبديه بقية العالم، وهو اهتمام كبير لاشك فيه، إن اهتمام المواطن العربي بثورة 25 يناير هو اهتمام بحدث كبير يمسه مباشرة، لأنه يحدث في مصر التي لها مكانة خاصة في قلوب العرب تظهر بوضوح في مثل هذه المواقف التاريخية الفاصلة.

لقد تلقى اتحاد كتاب مصر على سبيل المثال فيضا من البرقيات الإلكترونية كانت محتجزة وقت إيقاف خدمة الإنترنت من الكثير من أدباء وكتاب الوطن العربي، يعربون فيها عن أقوى مشاعر الحب والتأييد لشعب مصر الباسل الذي يعمل الآن- على حد قول الشاعر الفلسطيني الكبير سميح القاسم- على تحرير الأمة العربية كلها من الفساد السياسي والاقتصادي والاجتماعي الذي عاشت فيه طويلاً، ويضعها لأول مرة على طريق الديمقراطية الحقيقية.

ولقد أصدرت اتحادات الكتاب في كل من سورية واليمن والمغرب وفلسطين والأردن بيانات تعرب فيها عن دعمها لمطالب الشعب المصري المشروعة التي تنادي بها الثورة، والتي وصفها أحد تلك البيانات بأنها «تفتح الباب واسعاً أمام عصر التحولات التاريخية الكبرى في العالم العربي بكامله»، وقال بيان آخر: «إن الوطن العربي بعد ثورة الشعب المصري الشقيق لن يكون ذلك العالم البائس الكئيب نفسه الذي كان قبلها».

في الوقت نفسه خرجت الجموع العربية في معظم عواصم العالم من كوريا إلى الولايات المتحدة تعلن تضامنها مع الشعب المصري في مطالبته بالحرية والديمقراطية، وخرجت الجموع داخل الدول العربية نفسها كلما استطاعت إلى ذلك سبيلاً، ولقد اغرورقت عيناي وأنا أرى وأسمع الحشود التي تجمعت أمام السفارة المصرية في العاصمة الأردنية، وقد كانوا من جنسيات عربية مختلفة ومنهم الفلسطينيون والأردنيون والعراقيون، لكنهم جميعاً كانوا ينشدون سوياً النشيد الوطني المصري: «بلادي بلادي بلادي.. لك حبى وفؤادي.. مصر يا أم البلاد.. أنت غايتي والمراد».

لقد رأيت عروبة مصر ماثلة أمامي طوال الأسبوعين الماضيين كما تجلت في كل اللحظات التاريخية الحاسمة التي مرت على هذه الأمة من عصر صلاح الدين عبر قيام ثورة يوليو إلى عبور الجيش المصري لقناة السويس في حرب أكتوبر المجيدة، ففي تلك الأوقات التحمت المصائر العربية في لحظة توحد وجداني كامل للعرب جميعاً.

إن ثورة 25 يناير خرجت لأهداف مصرية خالصة، لكن لأنها خرجت من مصر فإن تأثيرها امتد إلى الدول العربية جميعاً فوجدنا جموعاً تخرج في إثرها في دول أخرى، بينما قام بعض الحكام العرب بالاستجابة في دولهم للمطالب الجماهيرية التي طالبت بها، والتي تماثل ما تتطلع إليه جماهير تلك الدول.

إن خروج تلك الثورة من مصر يجعلها بحكم التعريف ثورة عربية لا جدال فيها والعرب يعرفون أن ثورة الشعب المصري التي فجرها الشباب يوم 25 يناير هي ثورتهم جميعاً، وأن تأثيرها سيمتد إلى داخل حدودهم، فكما صدّرت مصر يوليو 1952 الثورة إلى سائر أقطار الوطن العربي، فإنها الآن بثورة يناير 2011 تصدّر الديمقراطية إلى سائر الأقطار العربية.

* أمين عام اتحاد الكتاب العرب

العدد 3086 - الأربعاء 16 فبراير 2011م الموافق 13 ربيع الاول 1432هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً