قد لا نبالغ إذا قلنا إن البحرين على وشك أن تطوي صفحة قديمة وتفتح صفحة جديدة أكثر أملاً وأقل ألماً، مما عاشته خلال السنوات الأخيرة.

فلأول مرةٍ منذ الاستقلال يخرج وزير داخلية بحريني ليعتذر عن مقتل مواطنين برصاص قوات الأمن. ولأول مرةٍ منذ سنوات تشهد العاصمة اعتصاماً جماهيرياً كبيراً دون أن يتعرضوا لمسيلات الدموع والرصاص المطاطي والانشطاري (الشوزن). ولأول مرةٍ تحضر أعدادٌ كبيرةٌ من النساء والرجال وكبار السن والعوائل بأطفالها، ويبيت المئات في ميدان عام وتختفي مظاهر الحرق وروائح الإطارات المشتعلة.

إن شيئاً كبيراً قد حدث، وهو ما يستدعي ضرورة تغيير قواعد الاشتباك إن أردنا أن تصل السفينة في هذا البحر الهائج إلى بر أمان، دون مكابرةٍ أو مماطلةٍ أو تضييع مزيدٍ من الوقت.

لأول مرة أمس، شهد ميدان اللؤلؤة أداء صلاة الفجر جماعةًً، والصور التي شاهدها العالم من هناك تقدّم أجمل ما يختزنه شعب البحرين من طيبةٍ وإنسانيةٍ وألفةٍ وحب للخير. آلاف الصور تدفقت على الأرشيف، ومن أجملها صورة سيدة تحمل شعاراً من كلمتين: «إصلاحية سلمية»، وأخرى لرجلٍ كهلٍ ينظّف الميدان، وهي مهمةٌ لن يستنكف عن القيام بها أي شابٍ أو شابةٍ جامعية من أبناء هذا الوطن الجميل.

المرحلة الجديدة تفرض على الأطراف كافةً أن تغيّر قواعد الاشتباك القديمة، فلم يعد مقبولاً أن يستمر استهداف المواطنين العزّل بالسلاح المطاطي أو الانشطاري، فكم كان مخجلاً أن نعرف أمس من بعض الفضائيات أن سلاح «الشوزن» يستخدم لصيد الحيوانات الضالة، بينما تستخدمه وزارة داخليتنا ضد المواطنين من مسافاتٍ قريبةٍ لإيقاع أكبر عدد من الإصابات. ورغم إدانة المنظمات الحقوقية الدولية لاستخدام هذا السلاح المحرم دولياً في السنوات السابقة، إلا أن الداخلية أصرت على تبرير أعمالها، فأول ما يحتاج إلى تغيير في قواعد الاشتباك هو إيقاف هذا السلاح القاتل، وهو أبسط ما يستحقه شعب البحرين.

التلفزيون الرسمي يحتاج إلى تغيير قواعد الاتصال الجماهيري، فليس كافياً أن تنقل صورة لميدان اللؤلؤة لتشغل الناس عن متابعة الفضائيات الخارجية، بينما تحتفظ بلغة خطاب عدواني قديم. معظم أبناء الشعب قاطع قناة البث الحكومي بعدما فقدت مصداقيتها، واضطر لمتابعة القنوات الخارجية بحثاً عن الصدق واحترام الذات.

إن التلفزيون الذي يعتبر واجهة البلد، يفترض أن يكون أميناً في رسالته، لا أن يكون أداةً لشق الصف الوطني وتعميق الخلافات بين فئات المجتمع. وما جرى في أماكن أخرى كشف ما يقوم به الإعلام المجيّر من دور سلبي، وشاهدنا ما انتهى إليه «نجوم» الفن والتلفزيون الذين تحوّلوا إلى أقزامٍ يستقبلهم الجمهور بالأحذية واللعنات.

إذا أردنا الخير لهذه البلاد، فمن المهم إطلاق الحوار، فقد بقينا في الصحافة المستقلة نشارك القوى الوطنية الأخرى، في التذكير بضرورة الحوار. كل هذه الدعوات الصادقة قوبلت بالتجاهل والصمم، وكثيراً ما حُرّكت أقلام للسخرية منها والطعن بأصحابها والتشكيك بنواياهم... حتى انتهينا إلى هذا الطريق المسدود.

بالمقابل، وفي ميدان اللؤلؤة، انطلقت شعاراتٌ غير متوافق عليها، وإذا كان ذلك متوقعاً في اليوم الأول، إلا أن المسئولية الوطنية تقتضي من الجميع الالتزام بالأهداف الوطنية الجامعة، وعدم الدخول في اشتباكات جانبية، في وقتٍ تحتاج البحرين إلى أقصى درجات التوافق والوحدة والانسجام. فهذا الشعب المنظّم الذي يطمح للحصول على حقوقه المدنية منذ هبّة الغواصين قبل سبعين عاماً، لا يجوز تضييع حقوقه ومستقبل أجياله، على مذبح الاستقطابات الطائفية أو الفئوية الصغيرة. ومن يطالب بالإصلاح فعليه أولاً أن يبدأ بضبط وإصلاح الشعارات.