رحم الله أبا بكر الصديق – رضي الله عنه – الذي كانت أول كلمة ألقاها للشعب بعد انتخابه: «ألا إني وليت عليكم ولست بخيركم، فإن أحسنت فأعينوني وان أسأت فقوموني» فكانت هذه الكلمات مفتاح العلاقة الرائعة بينه وبين المسلمين جميعاً، وأيضا بينه وبين غير المسلمين من مواطني الدولة. هذه الشفافية الرائعة هي التي جعلت قبطياً يتجشم عناء السفر من مصر إلى المدينة ليشتكي ابن أمير مصر عمرو بن العاص، ولولا ثقته بعدالة الحاكم لما فعل، وكان له ما أراد، وأخذ حقه حتى رضي عن قناعة تامة.
كم كنت أتمنى ان يقتدي كثير من حكام العرب بأسلافهم العظام، ولو أنهم فعلوا ذلك لأراحوا واستراحوا، ولكنهم لم يفعلوا فكانت الاضطرابات والقلاقل والقتل والتدمير والفساد، كل ذلك أدى إلى تخلف البلاد والعباد.
ان الشواهد الحية التي نراها هذه الأيام تؤكد عمق الهوة بين بعض الحكام وشعوبهم، كما تؤكد أن كل التدمير والمآلات المؤلمة لبعضهم كانت بسبب استغفال هؤلاء لشعوبهم وكأن هذه الشعوب مصابة بإعاقات دائمة في الفهم والسلوك فلا تعرف حقيقة ما يفعله حكامها ولا حجم الفساد في البلاد.
كيف يمكن ان يصدق شعب ان حاكمه لم يستطع فهمه الا بعد أكثر من قرنين من الزمن؟! ثم ألم يفكر هذا الحاكم انه ان كان صادقاً فيما يقول فهو لا يصلح للبقاء مطلقاً وان كان غير ذلك فهو أيضاً لا يصلح لحكم شعب لم يفهمه ولا يعرف مطالبه الا بعد عقود!! هل كان هذا الحاكم يظن ان الشعب سيصدقه؟! الرئيس المصري السابق قال في إحدى خطبه لشعبه وفي عمق الأزمة انه يترحم على أرواح الشهداء، ويعد بمحاكمة قاتليهم!! ولو كان عاقلاً لأدرك أن كل فرد من شعبه يعرف ان قتل هؤلاء تم بمعرفته ورضاه!! ثم يتحدث عن تدخلات خارجية في تلك المظاهرات، ومؤامرات داخلية وغير ذلك، يقول ذلك وهو يدرك انه يقول كلاماً لا صحة له، وأرجح انه كان يدرك ان شعبه لن يصدقه!!
الشيء المحير لهذا النوع من الحكام انهم يرددون دائماً ان شعوبهم متعلقة بهم، بل انهم هم الشعب والشعب هم ولا شيء آخر!! ويقولون هذا الكلام عندما تفوز أحزابهم في الانتخابات، مع انهم يعرفون ان هذه الانتخابات مزيفة، ومع انهم يعرفون أن الغالبية العظمى من شعوبهم لا تريدهم، ومع هذا كله يكابرون ويؤكدون عشق الشعوب لهم!! هل هذه مكابرة أم جهل أم سوء ظن بعقول الشعوب؟!! ويقول هؤلاء إنهم لا يقبلون بأي املاءات خارجية!! ويعجب المواطن من هذا القول، كما استغربه من كان يملي عليهم إرادته عشرات السنين وتساءل: لماذا إذن كنا ندفع لهم المليارات؟! أقول: هل هذا القول يعد استخفافاً بعقول الشعب أم ان هذا النوع من الحكام غبي إلى درجة انه يصدق ما يقول؟!
كلمات غريبة سمعناها في تلك الفترة وكلها تعطي مؤشرات سلبية عن هذا النوع من الحكام، بل وكلها كانت تثير الشعب أكثر مما كانوا عليه... وكان مما قيل: ان الشعب المصري غير مهيأ للديمقراطية!! وهذا يعني ببساطه ان الدكتاتورية هي الأفضل لهذا الشعب!! هذا القول ذكرني بقول بعض قادة إسرائيل: ان الدكتاتورية في مصر افضل من الديمقراطية لأن الديمقراطية قد تأتي بمتطرفين!! ولكن ان يقول قائد كبير هذا القول لشعب مثل شعب مصر ففيه حط كبير من شأنهم، واستهانة بهم، فكيف يستسيغ هذا القول، بل وكيف يريد من الشعب أن يصدقه؟!!
على كل الأحوال فالتاريخ البشري يؤكد أن الشعوب هي التي تصنع تاريخها، وانه ما من قوة تستطيع إيقافها إذا رغبت في أي تغيير نريده... كما أثبت هذا التاريخ ان الذي يطيل عمر الدولة هو حسن العلاقة بين الحكام والمحكوم، كما أثبت كذلك ان العدل في المعاملة هي أهم طرق الالتقاء بين الطرفين.إن جميع الثوراث كانت نتيجة غباء الحكام واستهتارهم وسوء تقديرهم للأمور.
إقرأ أيضا لـ "محمد علي الهرفي"العدد 3084 - الإثنين 14 فبراير 2011م الموافق 11 ربيع الاول 1432هـ