عندما كنا صغارا علمتنا كتب الجغرافيا أن البحرين أرخبيل يتكون من 33 جزيرة، يقطنها شعب البحرين، وأكبرها جزيرة المنامة، تليها المحرق.
الكل منا كان يتباهى بجزيرته، باستنثناء جزيرة «جده»، التي اكتسبت شهرتها من كونها المنفى السياسي المحلي للمعتقلين من صفوف المعارضة حتى العام 1986.
أيام الصبا كانت ممتعة وجميلة في آن، حيث كان التباهي يقف عند حدود «الفريج» بالمعنى السكاني، ولا يتجاوز إطار «الفريق» بالمدلول الرياضي. كان يحلو لنا ونحن صغارا أن يسخر كل منا، وفي وسادة تسودها كل اواصر المحبة، من لهجة الآخر، ويتندر بطريقة نطق بعض الكلمات، لكن... كانت جميع أشكال التباهي تلك، تتراجع أمام جدران القلعة الأكبر والتي هي «أمنا» البحرين، وتتكسر نصال رماحها أمام متاريس دفاعاتنا عن البحرين. فالكل، دون أي استثناء، يحمل على كتفيه ولاءه البحريني، بغض النظر عن الانتماء الطائفي، أو المرجعية المذهبية، أو حتى الجذور الدينية أو العرقية.
على هذه الأرضية الطيبة المتآخية إنتعشت الحركة السياسية البحرينية، وتحت هذه المظلة، نمت شجرة الأحزاب المعارضة الوارفة، حيث كان مصدر الخلافات، بغض النظر عن تقويمنا لها، الانتماء الإيدلوجي، أو الانتساب التنظيمي.
تختلف الصورة اليوم، فرغم اننا لانزال نعيش فوق الأرخبيل الجغرافي ذاته، لكننا أقمنا فوقه، بوعي او بدون وعي، أرخبيلاً عفنا من نمط آخر. أرخبيل تمزق جزره النعرات الطائفية، وتفرق بينها الصراعات المذهبية. وبدلاً من ان يكون هذا التنوع الطائفي او الديني عنصراً من عناصر التآزر الحضاري الذي يوحد بين سكان هذا الأرخبيل، وينظم العلاقات السلمية فيما بينهم، انطلاقا من شروط المواطنة وعناصر قوتها، وجدناه يتحول إلى عامل يمزق صفوفهم، ويشظي انتماءاتهم.
تقف هاتان الصورتان المتناقضتان: القديمة المقسمة جغرافياً والمتوحدة اجتماعياً، والمعاصرة، الممزقة جغرافياً والمنشطرة اجتماعياً، أمام ناظري كل من يتابع المشهد السياسي البحريني.
وإذا ما تجاوزنا عنصر الاختلاف الكبير والمبرر، والمنطقي والذي تعرفه المجتمعات المتحضرة كافة، والذي هو بين المعارضة بكل أطيافها السياسية من طرف والسلطة التنفيذية من طرف آخر، وهو اختلاف صحي ومطلوب طالما أن آلياته تجري وفقاً لقوانين المجتمع المدني المتقيد بمواد الدستور والقوانين والأنظمة المنبثقة منه، سنجد أنفسنا نتوه وسط جزر أرخبيل الخلافات السياسية التي تمزق كلا الطرفين على حدة.
لن نتوه في دهاليز السلطة التنفيذية، وسنكتفي، لأن ذلك هو الأهم، بالتجول في أزقة المعارضة كي نجد الصورة التي تسودها على النحو التالي:
اخدود عميق، تفوح منه رائحة الطائفية النتنة التي تزكم الأنوف بجراثيمها الوبائية، يشطر الشارع السياسي البحريني المعارض إلى نصفين متواجهين، يتربص أحدهما بالآخر، ويصفه بأقذع النعوت وأسوأ الصفات.
فسواء شئنا ام أبينا أصبحت البحرين اليوم بحرينين. علينا أن ننزع من فوق أكتافنا عباءة المكابرة، ونخرج رؤسنا من طاقة الحجر المظلمة، ونعترف بأننا نعيش على جزر أرخبيل تمزقه النعرات .
أسوأ ما في الأمر، هو ذلك التقسم السياسي المسطح الساذج الذي يحلو إلحاق صفة «الموالاة» بفئة، ويعلق يافطة المعارضة فوق ظهر فئة أخرى.
أناشد من يكرر هذه التصنيفات بشكل «ببغاوي» أن يعطينا حالة واحدة تثبت هذا التصنيف في صفته المطلقة.
ليس من العدالة في شيء اقتطاع أمثلة استثنائية، أو حالات جزئية نادرة، كي يبني عليها نظرية، من يتوهم صحتها، ويحولها من الحالة الصنمية إلى مستوى التأليه.
تاريخ البحرين يقول إن «الموالاة»، و»المعارضة»، لا تخضع بأي شكل من الأشكال إلى مثل هذا التصنيف المبتسر الذي يناقض أحداث تاريخ البحرين المعاصر، والذي يدحض وبكل قوة مثل تلك الادعاءات.
لقد قدمت الطائفتان، وعلى مر العصور، قوافل، ممن لم يتوانوا عن تقديم أي شكل من أشكال التضحيات، من أجل بناء وطني ديمقراطي، فكان من بين صفوفهم الشهداء، والمعتقلون والمبعدون، الذين، لولا تضحياتهم تلك، لم يكن لنا أن ننعم ببعض من نفحات هذا المجتمع الذي نعيش اليوم على استنشاق رياحه النقية التي تهب علينا، رغم وجود من لا يكف عن نشر أوبئته فيها.
ولو تعمقنا قليلاً، وولجنا بيوت حارات تلك الأزقة، سنكتشف، وهو امر يؤسف له، أن داخل كل طائفة على حدة، هناك أيضاً المزيد من أمثال تلك التمزقات التي تنهش جسد كل واحدة منها على حدة. فتتوزع الطائفة الشيعية على أكثر من فئة، وتتناثر الطائفة السنية فوق أكثر من جسد.
لقد آن الأوان كي يعيد الجميع النظر فيما يقومون به، ويراجع كل منهم ما يمارسونه في خلوة صادقة مع الذات. وإن كان لنا ان نستلهم، دون ان نستنسخ، من ثورة يناير المصرية من شيء، فليس هناك أفضل من الاعتراف أن في وحدة كلمتها، كان يكمن عنصر قوتها، وعلى أرضية صفوفها المتراصة، انتعشت جذور الصلابة التي تحتاج لها كي تواجه التحديات.
إقرأ أيضا لـ "عبيدلي العبيدلي"العدد 3084 - الإثنين 14 فبراير 2011م الموافق 11 ربيع الاول 1432هـ
الله يحفظ البحرين
أن ما تقوله استاذ عبيدلي صحيح ، ويدل على عقلانية ودراسة ، ولعل ما حدث يوم أمس يثبت ما تقوله ، كان الأفن اعتصمام شباب من الطائفتين ، ضل ان يقف في الاعتصمات شباب من الطائفتين ، خاصة وأن المطالب التي يرفعونها تعني أبناء الوطن جميعا، أعتصام شباب من الطائفتين يعطي الحركة قوة ومصداقية أكبر. والمؤسف ان قوات الشغب استخدمت القوة لتجرنا الى منزلق خطير الله يحفظ البحرين
اين عقلاء الأمة
لقد اصبت الحقيقة ياعبيدلي والتعامي عما قلت يعتبر جريمة لحق الوطن، انه يوم حزين ، ويتوارى العقلاء عن الساحة واستمعنا الى خطابات غير متعقلة من لندن وردات فعل بوليسية متطرفة ، اننا في التسعينات
انني غير متفائل بمستقبل البلد والآتي أعظم