قدر إصلاح بخات، في تقرير له نشره موقع «سويس إنفو» أن سبع سنوات هي «متوسط حياة الهواتف المحمولة»، لكنه عاد وأشار إلى أنه في بلد مثل سويسرا «لاينتظر المواطن أكثر من عام أو 18 شهرا قبل اقتناء آخر صيحات هذه الأجهزة التي تزداد تطورا وتتقلص حجما ووزنا». ثم عاد محذرا من نتيجة ذلك والتي هي 8 ملايين هاتف مستعمل تقبع في أدراج المواطن السويسري، وفقا لدراسة قامت بها لجنة مستقلة ليست لها أهداف ربحية، وهي تابعة للجمعية الاقتصادية السويسرية للبيروقراطية والحوسبة والاتصالات المعلوماتية والتنظيم (SWICO)، تعرف باسم «سويكو ريسايكلينغ»، منوها إلى «خطورة المواد السامة والملوثات التي تحتوي عليها هذه الأجهزة إذا ما لم يتم التخلص منها بطريقة سليمة». وما يضاعف من خطورة الهواتف النقالة غير المدورة، أنه بينما، وكما يقول مدير الشركة بول براندلي، اصل نسبة التدوير إلى 85 في المئة بالنسبة إلى الحواسيب، فهي لا تتعدى «15 المئة فقط من أصل 2.8 مليون من الهواتف المحمولة التي تباع سنويا في سويسرا».
لكن الهواتف المحمولة التي لم يُعد تدويرها، ليست هي المصدر الوحيد للنفايات الإلكترونية، فهناك الحواسيب، والثلاجات، والمكيفات الهوائية وسائر الأدوات الأخرى، منزلية كانت أم مكتبية، بل وحتى صناعية. ولكي نقدر حجم هذه النفايات، يكفي أن نعرف أن دولة مثل الولايات المتحدة، تنتج ما يربو على ثلاثة ملايين طن من القمامة الإلكترونية كل سنة. وهي ليست الدولة الوحيدة، إذ تقذف أستراليا نحو 60،000 طن من النفايات الإلكترنية سنويا، وهي كما يقول عنها مركز البيئة الكلية الأسترالي مهيأة للنمو، حيث «سجل العام 2008 زيادة إضافية قدرها 168 مليون من الأجهزة الإلكترونية». وفي الصين، وحسب الدراسات الصادرة عن مراكز رسمية فيها، «يبلغ عدد الأجهزة التي تخرج من الخدمة سنويا 5 ملايين تلفزيون، 4 ملايين ثلاجة، 5 ملايين غسالة، 30 مليون هاتف محمول، ويصل حجم القمامة الإلكترونية في الصين ثلاثة آلاف طن كل يوم».
الملفت للنظر حين ننظر إلى موضوع القمامة الإلكترونية، أننا نجد أنفسنا أمام صورة تكاد أن تكون طبق الأصل مما شاهدناه في السبعينيات من القرن الماضي، عندما تنامى الوعي البيئي في الدول المتقدمة، وتشكلت أحزاب سياسية قائمة على برامج بيئية مثل حزب الخضر في أوروبا، راحت تضع مقاييس بيئية صارمة على البيوت الصناعية الأوروبية، التي كان البعض منها، وخصوصا في دولة مثل بريطانيا، لم يتخلص، لأسباب اقتصادية، من بعض مصانعه التي تدار بالفحم. حينها وجدنا الصناعة الأوروبية تقذف بقماماتها الصناعية التقليدية في بلدان العالم الثالث، سواء في شكل مصانع، أو من المواد التي تلفظها تلك المصانع، ومحرم تكديسها لأنها تحتل مساحات واسعة، ولا يسمح بطمرها لأنها مضرة بالتربة، ولاحتى حرقها لما تنفثه من سموم وأبخرة أثناء عملية الحرق. باختصار كان التخلص من تلك الزبالة بشكل صحي غير مضر بالبيئة، يضيف أعباء مالية على تلك المصانع تقلص من نسب أرباحها العالية، وهو أمر لم تكن لتقبل به. تؤكد هذه الحقيقة، كبيرة باحثين بمصلحة الدولة العامة لحماية البيئة في الصين وو يوي بينغ، حيث تقول «إن الأميركيين يبيعون المخلفات الإلكترونية للتجار الصينيين، لأنّ تكلفة تهريبها إلى الصين أقلّ من تكلفة معالجتها هناك».
اليوم، الصورة ذاتها تتكرر، ولكنها أصبحت في هيئة إلكترونية، وهو أمر عقدت له منظمات دولية مثل الأمم المتحدة العديد من المؤتمرات منذ العام 2006، كشفت فيها النقاب عن جرائم البيئة التي ترتكبها الدول الغنية بحق الدول الفقيرة. وفي هذا الصدد يقول مدير «برنامج البيئة التابع للأمم المتحدة» أخيم شتاينر: «إن أغنى الدول في العالم تتخلص من قمامتها الإليكترونية الخطيرة في دول إفريقيا الفقيرة، وإن هناك «ما يربو على 50 مليون طن من القمامة الناتجة عن بضائع إلكترونية مهملة يتم التخلص منها في إفريقيا سنويا». ويعتقد شتاينر «أن القمامة الإلكترونية أكثر أنواع القمامة الحضرية نموا في دول العالم النامية». والسبب، لايعود بالطبع، إلى الإنتاج الداخلي لتلك القمامة، بقدر ما هو تلك المئات من الأطنان منها التي ترسلها عواصم الدول الغنية إلى مرافئ الدول الفقيرة، كي نجد أن ميناء مثل لاغوس في نيجيريا، وكما تقول «شبكة بازل للعمل» يستقبل «ما لا يقل عن 100 ألف كمبيوتر، منها 75في المئة تقريبا أجهزة تلفزيون ومعالجات كمبيوتر وهواتف لا تعمل- بمعنى آخر قمامة إلكترونية».
بالطبع، وكما هو الحال مع القمامة التقليدية، هناك أشكال صحية ملائمة للبيئة يمكن التخلص من القمامة الإلكترونية من خلالها، وهي مختلفة عما تقوم به شركات الدول الغنية المصدرة للقمامة الإلكترونية اليوم، التي همها الوحيد تخفيض الكلفة ورفع نسبة الأرباح. فقد طورت بعض الدول طرقا يمكن بواسطتها «تفسيخ» تلك المكونات الإلكترونية، قبل تحليلها وإعادة تدويرها، دون الإضرار بالبيئة.
لكن طالما أن تلك الشركات ماتزال تحظى بدعم مباشر من دولها، وبما أن أشكال الرقابة في دول العالم الثالث هي دون المستوى المطلوب، وحيث أن الفساد يستشري في الكثير من مؤسسات وإدارات دول العالم الثالث، فمن غير المتوقع أن تتغير الصورة القاتمة التي جعلت من دول العالم الثالث مركز قمامة لمخلفات دول العالم الغني الإلكترونية.
إقرأ أيضا لـ "عبيدلي العبيدلي"العدد 2444 - الجمعة 15 مايو 2009م الموافق 20 جمادى الأولى 1430هـ