في الأول من مايو/ أيار الجاري أعلن رئيس الحكومة التركية رجب طيب أردوغان تعديلا وزاريا كبيرا أبرز ما فيه تعيين مستشاره المقرب للسياسة الخارجية أحمد داوود أوغلو وزيرا للخارجية. ويشكل تعيين أوغلو حدثا نادرا في الحياة السياسية التركية نظرا إلى أنه ليس نائبا، وهو لا ينتمي إلى حزب العدالة والتنمية، وهو أيضا أستاذ العلاقات الدولية (بمرتبة بروفيسور)، ويعود له الفضل في عودة تركيا بقوة إلى الساحة الدبلوماسية، وتحويلها «وسيطا للسلام» في الشرق الأوسط.
أوغلو وضع رؤية جديدة واستراتيجية طموحة لمسار السياسة الخارجية والعلاقات الدولية التركية منذ وصول حزب العدالة والتنمية إلى سدة الحكم في 2002. وبحسب التقارير الإخبارية، فإن ملامح رؤيته تبدو واضحة في كتابه الذي يحمل عنوان «العمق الاستراتيجي: موقع تركيا الدولي» والذي صدر قبل سنوات عديدة، ويرى المحللون أن سياسات حزب العدالة والتنمية (الذي يطلق عليه الأكاديميون حاليا مسمى «العثمانيون الجدد») إنما هي تطبيق عملي للنظريات التي وردت في كتاب أغلو... الذي قال فيه إن السياسة التي يجب أن تعتمدها تركيا في القرن الواحد والعشرين هدفها مد النفوذ التركي من البلقان إلى آسيا الوسطى ومرورا بالشرق الأوسط. ويؤكد أوغلو في نظريته «أن تركيا نجحت في استيعاب عقبات سياسية مهمة برزت مع أحداث 11 سبتمبر/ أيلول 2001» وهي متمثلة في مكافحة أعمال الإرهاب، وتحقيق الاستقرار السياسي، ومعالجة الأزمات الاقتصادية، واتبعت في سبيل ذلك سياسة خارجية مؤثرة وديناميكية ومتعددة الأبعاد، أرست لها موقعا مركزيا في الساحة الدولية.
استحدث أغلو مصطلح «العمق الاستراتيجي» للربط بين البعد الجغرافي الذي يؤكد فيه أن تركيا «تحتفظ بموقع جغرافي متميز فهي مندمجة في الهوية الأوروبية والآسيوية في الوقت ذاته، وتؤهلها جغرافيتها لأن تكون في قلب الأحداث في الغرب والشرق»، والثاني هو «البعد التاريخي، والمقصود هنا أن الإرث العثماني انعكس على واقع الجمهورية التركية كون سكانها خليطا من قوميات وأعراق متنوعة وهي عناصر تلتقي تحت مظلة الدولة التركية».
نظرية «العمق الاستراتيجي» تطلبت تحسين العلاقات مع الجوار وإنهاء الخلافات وطرح تركيا لنفسها كوسيط و «فاعل خير» غير منافس للقوى الحالية المتمثلة في مصر والسعودية وإيران، وهي حريصة على مد نفوذها تاريخيا إلى الدول التي كانت لها علاقة مباشرة أو غير مباشرة بالدولة العثمانية... وبالتالي فإن العالم العربي سيكون محورا استراتيجيا ضمن هذه السياسة... وحاليا هناك أنباء خاصة من تركيا تقول إن الدولة التركية تعمل حاليا على إطلاق فضائية تركية ناطقة باللغة العربية.
يوجد في الوقت الحاضر فراغ كبير في الساحة الشرق الأوسطية ينتظر الدور التركي، وهناك إقبال على الثقافة التركية الحالية التي استعادت تراثها الإسلامي (العثماني)... ولعل أغلو سينتقل بنظريته إلى بعد آخر يتمثل في لعب دور كبير وملموس في صوغ «نظام إقليمي جديد».
إقرأ أيضا لـ "منصور الجمري"العدد 2444 - الجمعة 15 مايو 2009م الموافق 20 جمادى الأولى 1430هـ