العدد 3083 - الأحد 13 فبراير 2011م الموافق 10 ربيع الاول 1432هـ

الخروج من التيه

قاسم حسين Kassim.Hussain [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

احتاج بنو إسرائيل إلى أربعين سنة من التيه والضياع، حتى دخلوا الأرض المقدسة التي كتب الله لهم، واحتاج أهل مصر إلى أربعين سنة من التيه السياسي حتى يستعيدوا حريتهم وهويتهم وكرامتهم... ومكانة بلادهم واحترامها بين أمم الأرض.

كان تيه بني إسرائيل في شبه جزيرة سيناء، يخرجون بنسائهم ومتاعهم من الصباح، وفي المساء يكتشفون انهم مازالوا في مكانهم الأول. كانوا بحاجةٍ إلى استبدال جيلٍ بجيل، فلا يقدر على دخول الأرض المقدسة إلا جيلٌ شابٌ معافى، قد تخلّص من أغلال وعقد وأخطاء الجيل القديم. أما في العصر الحديث، فإن مصر التي استلبها العسكر منذ ستين عاماً، كانت بحاجةٍ إلى جيل شاب معافى من العقد القديمة، ليخلصها من الأغلال الثقال.

لقد تسامح الشعب مع العسكري الأول، وغضّ طرفه عن خطاياه لأنه كان يحمل هماً وطنياً، ولأنه جاء من أوساط الشعب. أما وقد تحوّل الحكم إلى طبقةٍ مستبدةٍ جديدةٍ ذات مصالح وامتيازات، فهذا ما لم يكن قابلاً للاستمرار.

أنور السادات، حكم عشر سنوات، اعتمد في نصفها الأول على الأحزاب الضعيفة، والديمقراطية المموّهة، وسطوة الإعلام، مع الثقة المطلقة بكل ما يقوله ويفعله الأميركان. وكان عندما يلتقي نيكسون أو كارتر، كان يردّد في سره: ما شئت لا ما شاءت الأقدار... فاحكم فأنت الواحد القهار. أما في النصف الثاني فقد ضاق ذرعاً بكل الأحزاب التي تعارضه والأصوات التي تنتقده، فأمر في ليلةٍ واحدةٍ، قبل شهرٍ واحدٍ من مقتله، باعتقال عشرة آلاف. حتى حين قرّر رفع سعر الرغيف وخرج آلاف الجياع للشوارع احتجاجاً على سياسة التجويع، لم يتورّع عن وصفهم بالحرامية والبلطجية، وسوّق الإعلام الرسمي الأجير الوصف البذيئ حتى استقر في الأذهان.

بعد ثلاثين سنة، يُبعث المصطلح من جديد، إذ كانت مصر على موعدٍ مع البلطجية الحقيقيين، حيث صُدم العالم لمشاهدة عصاباتٍ تقتحم ميدان التحرير على ظهور الحمير والبغال والجمال، لتعتدي على المتظاهرين بالهراوات والسكاكين. وانجلت هذه الغزوة التي صدمت الضمير العالمي، عن مقتل العشرات وإصابة الآلاف، وكانت إيذاناً بنهاية حقبةٍ استنفدت أيامها ولم تعد قابلةً للحياة. لم تكن غزوة فاشلة فحسب، بل كشفت أولئك المستشارين العباقرة الذين يضعون الخطط الاستراتيجية المحكمة لقمع أحلام الشعوب.

الحاكم الثالث الذي أنجبته المؤسسة العسكرية، بقي يحكم أكثر مما حكم من سبقاه، استتب له فيها الأمر وأحكم قبضته على الرقاب، حتى سدّ كل منافذ التعبير. لقد حكم فترة تتيح له تحويل البلد إلى جمهورية مستقلة ناهضة في حجم كوريا أو ماليزيا أو تايوان، لكنه استمر في ربط مصيرها برأس المال الأجنبي ووضعها على قائمة البلدان التي تتلقى الصدقات الأميركية الباهظة التكاليف.

في الداخل، لم يقبل في الانتخابات الأخيرة بغير السيطرة الكاملة لأتباعه على مجلس الشعب، وطرد ما تبقى من المعارضة، ففي الأنظمة الجمهورية الديمقراطية لا مكان للمعارضين!

كان الاحتقان قد بلغ الذروة بعدما أغلقت كل نوافذ الأمل، والجيل الذي تربّى في حضن النظام، يتلقى التعليم في مدارسه، والترفيه في تلفزيونه، والتوجيه من إعلامه، كان مقدّراً له في لحظةٍ تاريخيةٍ حرجةٍ أن يحمل مشعل التغيير للخروج من زمن التيه.

إقرأ أيضا لـ "قاسم حسين"

العدد 3083 - الأحد 13 فبراير 2011م الموافق 10 ربيع الاول 1432هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 17 | 9:29 ص

      الجيش المصري كان له دور مشـــــــــــــرف جدا .. أخلاقياته متحضرة........... ام محمود

      مواقفه كانت مشرفه أيام وأسابيع الثورة المصريه فهو لم يطلق ولا رصاصة واحدة ضد الشعب وكانت العلاقة أخويه ليس بها عداء وكان هناك عناق بين الجنود والشباب وتأييد للانتفاضة السلمية الراقية والحضارية وهذا ما ساهم في نجاحها وتقليل عدد الشهداء
      ____
      يا سيد قاسم هناك الكثير من الدول العربية التائه أدعوا لها بان تجد طريقها
      مسكينة فهي عايشة في جو ضبابي مظلم من زمان

    • زائر 16 | 6:18 ص

      البلطجية أنواع

      كان النظام المصري السابق يعتمد على بلطجية انتاج محلي ، لكن هناك دول وأنظمة أخرى تصرف الملايين لتستورد البلطجية من الخارج للتنكيل بشعوبها وقمع مطالبها المشروعة.

    • زائر 15 | 5:47 ص

      الحــــــــــال ... والمــــــــآل (2 : 2 )

      دُحِر أساليب الاضطهاد العضال،هناك هواجس واستغراب عربي وعالمي وأسئلة تحوم في كل مجال،هل الشعوب العربية تتقن صياغة المعجزات؟!ولا زال كل متشدق يتفنن لإعطاء الجواب للسؤال،المناورات فشلت دون أن يتجاوب معها حتى أصيبت بالهزال،فليتوجّه الشعب المصري إلى طريق الخير والبناء والإثمار لتجني منها الإنسانية الرفاه واطمئنان البال،عندها تزدهر القيم المعنوية على أسس العدل والحق والخير والجمال،وفطير مشلتت بالسمن البلدي لمن يقرأ التعليق بعد المقال.كل الشكر للكاتب وللوسط ... نهوض

    • زائر 14 | 5:43 ص

      الحــــــــــال ... والمــــــــآل (1 : 2 )

      سبحان محوّل الحول والأحوال،وذاكرة التاريخ موزعة بين الواقع والمثال،تصوّر الحال وتنحت المآل،وتكشف للشعوب أن الأنظمة العربية لا تدرك بالمحتوى الاصطلاحي لمفهومات الحكم الحديث الصحيح،وقد استحال،واعتبار الحكم تحكّماً واستغلال،السلطة والأموال،أوليس(ومن نُعمّره نُنكسه في الخلق)أصدق الأقوال،وعلى سعير صخّاب يجيش بالبطالة ويكظم الأهوال،ويؤمن بالفكر والحيوية والإرادة وانه في الإمكان صنع المستقبل بالنضال،بتسخير التكنولوجيا وأدوات الاتصال،وبركات التضرّع والابتهال،

    • زائر 13 | 3:46 ص

      لا تنسون

      لا تنسون البحرين يا كتابنا الكرام

    • زائر 11 | 2:25 ص

      البلطجية والمرتزقة

      البلطجية والمرتزقة وجهان لعملة واحدة كفانا الله شرهم

    • زائر 10 | 2:15 ص

      عجني تعبير احد الاخوة المصريين بقوله موقعة الجمل والبغال

      عجني تعبير احد الاخوة المصريين بقوله موقعة الجمل والبغال ما فادش شىء والبلطجية ذابوا مثل الملح هل بغى شىء يا مبارك .

    • زائر 9 | 2:07 ص

      الملك لله الواحد القهار

      ان فرعون على فى الارض وجعل اهلها شيعا يستضعف طائفة منهم يذبح ابنائهم ويستحيى
      نسائهم وانا فوقه قاهرون .
      واستفتحوا وخاب كل جبار عنيد .
      كل ديكورات واكسسوارات العدالة والحرية والديموقرطية تنكشف بمجرد تعرضها للهواء والشمس ويزول اثرها بسقوط اولى قطرات المطر

    • زائر 8 | 1:43 ص

      أخيرا تنفس شعب مصر الحرية

      بعد اللتّيا واللتي هب نسيم الحرية على شعب مصر الذي صبر كثيرا وعانى كثيرا في ظل حكم الجور الذي لم يرى الخير إلا في وجوده قابضا على أنفاس شعبه ولكن الحمد لله انبثق نور فجر مصر الجديد بدون جلّاد يسومهم سوء العذاب ويوهمهم أن لا حياة لشعب مصر إلا بوجوده قابعا على صدورهم وقابضا على أنفاسهم
      الحمد لله الذي وفق شعب مصر لنيل حريته وأضاف إلى عبرنا عبرة جديدة لنعتبر ونرى أن الله وحده مالك الملك ولا أحد غيره يضمن بقاءه في كرسي
      الحمد لله قاصم الجبّارين

    • زائر 4 | 10:54 م

      حرية التعبير و "النباح"!

      للإنصاف، فإن سقف حرية التعبير كانت مرتفع في مصر، ولا بد انك كنت تقرأ لابراهيم عيسى في (الدستور) حتى انه قبل الثورة دعا المصريين الى التوجه الى القصر ومهاجمته بصورة تحريضية، و تقرأ قنديل والأسواني وفهمي هويدي في الشروق وتصريحات البرادعي وغيرهم كثير، غير ان حرية التعبير مالم تكن مقرونة بأثر وفعل فإنها تكون حرية "نباح" كما يرى هويدي، ما الجدوى إذا قلنا ما نشاء وهم يفعلون ما يشاؤون! عندما تشير الى فساد ما في مقالك .. ويكون عمك اصمخ ..وما من شيء يتغيّر فإن كلماتك تذهب ادراج الرياح!

    • زائر 3 | 10:28 م

      • بهلول •

      أعجبني عنوان المقال . سلمت يداك

    • زائر 2 | 10:27 م

      يا مصر مبارك عليك بالأمس واليوم يا مصر مبارك لك

      يا مصر مبارك عليك بالأمس
      واليوم يا مصر مبارك لك ..
      هذه العبارة اعجبتني في برمامج الأسرة في قناة الكوثر صباح السبت ..
      نمتنى ان نحصد هذا العام الكثير من الطغاة ونرجو أن يكون هذا العام شبيها بالعام 1979 م الذي حصد الشاه وسيموزا و عيدي أمين و بوكاسا

    • زائر 1 | 9:30 م

      مصر أم الدنيا

      مبارك: أنا ربكم الأعلى فإذا برياح الله تعصف به من كل حدب وصوب وتسقط كرسيه ومكانه ليستقر على التراب من هول فعل جنود الله.
      هنيئاً لمصر شعبها المناضل الأبي الذي انتصر مصداقاً لقوله تعالى
      وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنين
      وأيده بنصر منه.

اقرأ ايضاً