«من شهر لو كان حد قال لي هنعمل ثورة ونمشي جمال وعز ونحاكم العادلي ونسقط مبارك، والإخوان يحضروا قداس والشباب يضربوا تمورة كنت افتكرته اتجنن».

كان ذلك أحد أجمل التغريدات التي وصلتني عبر موقع «تويتر» يوم الجمعة (11 فبراير / شباط 2011) تعليقاً على نجاح ثورة «شباب 25 يناير» في إسقاط النظام المصري الذي طال انتظار سقوطه.

بالفعل، من كان يصدق أن يحدث كل ذلك ولو في أكثر الأحلام تفاؤلاً؟ من كان يتوقع أن يصدق أبوالقاسم الشابي للمرة الثانية ويستجيب القدر للشعوب التي أرادت الحياة؟

إنه عصر جديد، شبابي، متحضر، ثوري، فائر الدماء والأمل، وقادر على الصمود حتى النهاية.

عصر انتظره المصريون طويلاً، مثلما انتظرته الشعوب العربية. فرمزيته أجمل من أن توصف، ومعناه أكبر من أن يقال.

أجمل ما في ثورة الشعب المصري التي أسقطت النظام المصري أخيراً هو أنها لم تكن محسوبة على أحد، لم تتبناها أو تقف وراءها أية جهة سياسية، لم تتدخل فيها أيادي خارجية، لم تقم على أساس تفرقة، لكنها قامت لتوحد الشعب بكل أطيافه، المسيحي والمسلم، المثقف ورجل الشارع، الأستاذة الجامعية بجانب ربة المنزل، في حراك شعبي عفوي جداً. صورة ولا أجمل شهدنها منذ وقت قريب جداً في تونس الخضراء التي أشعلت بثورتها البيضاء التي تألقت على حين غرة فتألقت بعدها النفوس العربية الشابة بالأمل وإرادة التغيير. فكانت الجارة المصرية القريبة الأولى في الاستجابة، في ثورة استمرت ثمانية عشر يوماً عاشها المصريون في ميدان التحرير، مثلما عاشها الشعب العربي من المحيط إلى الخليج في ترقب واستنفار، حتى جاءت النهاية لصالح انتصار الشعب، والشعوب دائماً هي الأبقى.

أجمل وأبلغ درس يمكن أن نتعلمه من الثورة المصرية، وقبلها التونسية، هو أن أي تغيير حقيقي في المجتمع لا يمكن بأي حال من الأحوال أن يحصل إن لم تتوافر قاعدة الوحدة الوطنية من أجله.

لا يمكن أن تجد ثورة شرعيتها الوطنية إن قامت على أساس فئوي أو طائفي، لا يمكن أن تصل الثورة إلى أهدافها إذا لم تنبع من وجدان الناس، كل الناس بكل أطيافهم، فتوحدهم ولا تفرقهم، تجعلهم يقفون يداً واحدة، وصفاً واحداً حباً لوطنهم وإعزازاً لشأنه.

بعفوية بالغة وبوعي كبير انطلقت ثورة مصر وقبلها تونس، نبعت من وجدان الناس ومطالبهم، لم يكن لمحركيها أي غرض سياسي، لم يعرفهم أحد أصلاً، كانوا نبضاً لكل فرد من أفراد الشعب. وتلك عبرة ودرس سيدوم في ضمير العالم إلى الأبد. ومهما كانت الدعوات لثورات عربية مشابهة واسعة، فإن نتائجها لن تكون على شاكلة النتائج المصرية والتونسية ما لم تنجح أولاً في توحيد الصف الشعبي الداخلي والخروج من مآزق الطائفية والفئوية أو الحزبية السياسية.

لقد أثبتت هاتان الثورتان الشعبيتان، بأن الأحزاب والجمعيات السياسية في الدول العربية تحولت إلى أدوات قديمة لا طائل من ورائها، ولا خير يرتجى منها، وأن المكاسب السياسية (الفئوية غالباً) التي تسعى هذه الأحزاب والجمعيات إلى تحقيقها لا تحمل بالضرورة عمقاً وطنياً، إن لم تساهم وتعزز التفرقة في المجتمع وتشطيره إلى فئات ومصالح متجزئة.

لقد أصبحت الأحزاب «موضة قديمة»، فموسم الشباب الحر المستقل قد حل وطغت شعبيته على كل ما سبقه.

درس عملي بالغ الأثر ذلك الدرس الذي سطره لنا شباب تونس ومصر، وإن كان للنظام المصري السابق من محاسن، فيكفيه بأن ما ارتكبه زاد من وحدتهم وصمودهم.

درس عملي سطروه بدمائهم وصمودهم وصبرهم، بوحدتهم الوطنية ووقوفهم صفاً واحداً تحت شعار واحد وكلمة واحدة، فجزاهم الله تعالى على ذلك خير الجزاء