أزيح حسني مبارك عن كرسي الحكم، بعد أن فشل في التمسك به، وأرغمته جماهير ميدان التحرير، إن جاز لنا وضع عنوان للثورة المصرية الحالية، على أن يرضخ لإرادتها، بعد أن خذلته سياساته القمعية، وأعيته حيله عن حرفها عن طريق أهدافها.
وكلل الشباب المصري نضالاته بتحقيق أول أهدافه وأهمها، وهو إزاحة مبارك من طريقهم، بعد أن اكتشف مبارك شخصيا، لكن في مرحلة متأخرة، أن عامل الوقت الذي راهن عليه بدأ ينقلب ضده، بدلا من ان يعمل لصالحه.
ومن الطبيعي، والمتوقع أيضا، أن يكتب الكثير عن الانتفاضة المصرية من حيث تحديها لمفاهيم تعريف الثورات، وفي سياق تحديد الأسباب الكامنة وراءها، وعند محاولة رسم دوائر تداعياتها المحلية والإقليمية، وفي نطاق استقراء الدروس المستقاة منها والعبر المستخلصة من أحداثها. لكن من المهم أيضا محاولة الإجابة السريعة على أحد أبرز الأسئلة التي تثيرها ثورة 25 يناير/ كانون الثاني 2011 المصرية، وهو: هل يمكن استنساخ هذه الثورة، بحيث تكون كالشرارة المصرية التي تشعل حريق الثورة التي يمكن أن تعم المنطقة العربية؟
من يريد أن ينبري للإجابة على هذا السؤال، ينبغي أن يستذكر تاريخ منطقة الشرق الأوسط المعاصر، ويتصفح اوراقه بعناية، ويعيد قراءته من زوايا مختلفة، كي يستخلص منه العبر ويتوصل من خلال تلك القراءة إلى الاستنتاجات التي تنير له الطريق، وتزيل من فوق عينيه غشاوة الاندفاع والاستعجال، وتزيح من أمامه العقبات، التي ربما يحاول القفز فوقها دون تحديد علمي للحيز الذي تحتله، فيتعثر بها، وربما يلاقي حتفه جراء سوء تقديره للأضرار التي تسببها.
وكما قلنا ليست هناك حاجة للغوص في أعماق التاريخ، فأمامنا في منطقة الشرق الأوسط، تجربتان جذريتان معاصرتان تدعواننا لقراءتهما بشيء من التمعن، كي نستطيع فهم ثورة 25 يناير المصرية بعلمية تعيننا على تقدير احتمالات انتشارها عربيا.
الأولى، هي الأخرى مصرية، وطابعها قومي، وهي ثورة الضباط الأحرار التي انطلقت في يوليو/ تموز 1952، وتسلم قيادتها، في مرحلة لاحقة، الرئيس الراحل جمال عبدالناصر.
توهم الكثيرون منا، احتمال، هبوب رياح تلك الثورة على المؤسسات العسكرية العربية، وراودت البعض منا احلام يقظة رأى فيها الجيوش في دول عربية أخرى تطيح بالعروش، وتعلن النظام الجمهوري على الطريقة الناصرية جوهرا وليس شكلا.
لسنا هنا بصدد تقويم الثورة الناصرية، وجرد سلبياتها مقابل إيجابياتها، بقدر ما نحاول ان نشخص الحيز الذي احتلته تلك الثورة في الفضاء السياسي العربي. فعلى امتداد العشرين سنة التي تلتها، شاهدنا قيام الضباط في الجيوش العربية في دمشق وبغداد، ولاحقا في طرابلس الغرب، بانقلاباتهم العسكرية، عندما أطاحوا بالسلطات «الملكية» هناك. لكنها جميعا كانت صورا كارتونية هزيلة لثورة الضباط الأحرار في مصر.
مسخ أولئك الضباط، الناقلين بشكل اعمى، الثورة المصرية، فجاءت نتائج ما قاموا به مخيبة للآمال، بل وانعكست سلبيا على الثورة الناصرية ذاتها، التي شوهت تلك الانقلابات المتلاحقة صورتها الحقيقية التي رسمتها في أذهان الشعوب العربية.
مرة أخرى، لابد من التأكيد، تحاشيا لأي سوء فهم، ليس القصد هنا القيام بتقويم علمي لتلك الثورة، بقدر ما أردنا التأكيد على أن «استنساخ» الثورة، جوهرا وليس شكلا، يكاد ان يكون ضربا من المستحيل، وحلما خياليا، عندما نحصره في الإطار العسكري الضيق، وأن الصفة العسكرية للقوى المتحركة ليست كافية لإحداث التغيير الذي أنجزته الثورة الناصرية، على الصعيدين الفكري والسياسي.
وإذا كانت الثورة الناصرية قومية الجذور، فقد كانت العقيدة الدينية هي المحرك الرئيسي للثورة الإسلامية التي انطلقت في نهاية السبعينيات من القرن الماضي من طهران، والتي تشكل التجربة الثانية التي نحاول ان نستلهم منها الإجابة على السؤال المثار من التطورات التي مرت بها.
لقد نجحت ثورة الإمام الخميني، والتي لم تكن انقلابا عسكريا بل انتفاضة شعبية، في الإطاحة، بأعتى الأنظمة الاستبدادية في منطقة الشرق الأوسط، وهو نظام الشاه، وتمكنت من إرباك مشروعات الدول العظمى تجاه المنطقة، صديقة كانت تلك القوى أم معادية لنظام الشاه.
ووضعت الثورة الإسلامية في إيران حينها، بفضل البركان الذي فجرته في وجه حكم الشاه، والآليات التي أدارت بها الصراع من لحظة رفضها لاستمراره إلى الساعة التي أطاحت فيها به، وأرغمته على مغادرة البلاد، مرة اخرى، القوى السياسية أمام امتحانات نظرية وسياسية قاسية، عندما طالبتها بالإجابة على الكثير من التساؤلات التي تمس انتماءاتها الفكرية، وأساليبها التنظيمية. تماما كما توهم ضباط المؤسسة العسكرية العربية أن ارتداء الزي العسكري كان كافيا للقيام بثورة من مستوى ثورة يوليو المصرية، كذلك الأمر عندما اعتقد البعض الآخر أن اعتمار العمة «الإمامية»، ودعوة الجماهير للانتفاض عنصر كافٍ لأن يفجر ثورة خمينية، قادرة على الإطاحة بأنظمة شبه «شاهنشاهية» في المنطقة. ولذلك شهدنا مرة أخرى إخفاقات عانت منها الثورات الإسلامية التي حاولت استنساخ «الخمينية»، عوضا عن فهمها وتطبيق قوانينها بشكل خلاق.
من جديد، لسنا هنا بصدد القيام بدراسة علمية لتقويم الثورة الإسلامية في إيران، بقدر ما نريد ان نشير إلى «زلازلها» السياسية والعقيدية، ومعها الاجتماعية التي هزت بها منطقة الشرق الأوسط، ولفت النظر إلى الأسئلة التي أثارتها، ولاتزال ترفعها، منذ انطلاقتها وحتى يومنا هذا.
يرجع البعض فشل النموذجين «الناصري»، و»الخميني» في مناطق شرق أوسطية اخرى، بعد نجاحهما في القاهرة وطهران على التوالي، إلى افتقاد العواصم الأخرى التي حاولت «استنساخ» واحدة من التجربتين إلى «الكاريزما» القيادية التي تمتع بهما «الخميني» و»عبدالناصر»، رغم وجود الجماهير المتعطشة للتغيير، والمستعدة للتضحية والعطاء. في حقيقة الأمر ما انجح التجربتين، وأفشل ما هو سواهما، إنما يكمن، بالإضافة إلى غياب القيادة الكاريزمية، في اختلاف الأوضاع التي لم تكن لتسمح بالتكرار الأعمى لأي من ذينك التجربتين.
نخاطب من خلال هذا التذكير السريع والمكثف بالثورتين، الناصرية والخمينية، كل اولئك الذين يحاولون استيراد تجربة 25 يناير بشكل عفوي، ويحلمون بإمكانية تكرارها على نحو تلقائي، دون بذل أي جهد يعينهم على قراءة فصولها بشكل واع، ومراجعة احداثها على نحو صحيح
إقرأ أيضا لـ "عبيدلي العبيدلي"العدد 3082 - السبت 12 فبراير 2011م الموافق 09 ربيع الاول 1432هـ
لكل شعب حي ثورة وليس لكل شعب طريقته
وللحرية الحمراء بابا بكل يد مضرجة يدق
خل عنك هذا الخوار و الذل
!!!
احسنت اخوى. حسنى صار شريف لوغيره 1000 شهيد بس الحمد الله الجت على كذا