نحتفل هذه الأيام بذكرى عزيزة على قلوبنا جميعاً وعلى وطننا تتمثل في بداية تدشين المشروع الإصلاحي الكبير لجلالة الملك والتي كانت أولى مكوناته الأساسية إطلاق ميثاق العمل الوطني والذي يصادف هذا العام ذكراه السنوية العاشرة والذي صوت عليه الشعب بغالبيته مجسداً كل معاني الولاء والوفاء لقائد المسيرة ومشروعه الطموح... وجاءت هذه الإصلاحات بمبادرة ذاتية ورؤية ثاقبة لجلالة الملك قبل عشر سنوات مستبقة كل التطورات والأحداث التي حدثت منذ ذلك الوقت.

ومن خلال المراجعة السريعة لما تحقق في ظل المشروع الإصلاحي وما ترجم من معانٍ من خلال ميثاق العمل الوطني... فإن لنا أن نفخر بالإنجازات الكبيرة التي تحققت على الصعيد السياسي والاجتماعي والاقتصادي والثقافي والأهلي في البلاد...

ونود بهذه المناسبة أن نرفع باسمنا أسمى آيات التهاني والتبريكات إلى المقام السامي لجلالة الملك وإلى سمو رئيس الوزراء وإلى ولي العهد نائب القائد الأعلى وإلى شعب مملكة البحرين... مؤكدين أن ما تحقق لمملكة البحرين وطناً وشعباً إنما هو مفخرة لنا جميعاً وذلك عندما أعلن الشعب يوم الرابع عشر من شهر فبراير/ شباط من العام 2001 التصويت بنعم للميثاق لتدشن البحرين حقبة تاريخية مهمة... لقد حدد ميثاق العمل الوطني ملامح العمل الاقتصادي والمتمثل في الانفتاح الاقتصادي وتعزيز قيم الإنتاجية والأداء والشفافية وذلك من خلال إقامة مؤسسات تعزز من هذه القيم ومنها مجلس المناقصات وديوان الرقابة المالية وكذلك ديوان الرقابة الإدارية.

وقد شهد القطاع الاقتصادي والتنموي تحولات كبيرة كان أهمها إطلاق الخطة الاستراتيجية والمتمثلة في رؤية البحرين للعام 2030. كما شهد المشروع الإصلاحي إعادة تحديث وهيكلة العديد من المؤسسات الاقتصادية من خلال إنشاء هيئات نوعية متخصصة تتناسب أعمالها وطبيعة التحولات الاقتصادية في المجتمع.

لقد استطاع اقتصادنا الوطني وخاصة في السنتين الأخيرتين من تحقيق تقدم ملحوظ على مستوى مقاييس المؤشرات الاقتصادية العالمية وذلك على الرغم من التداعيات الكبيرة للأزمة الاقتصادية العالمية... وهذا يعود إلى المقومات الاقتصادية المتزنة والمشرفة التي يمتاز بها اقتصادنا الوطني... فقد استطاعت بلادنا أن تحتل المركز 23 عالمياً والثانية إقليمياً وفق تقرير التنمية المالية بالمنتدى الاقتصادي العالمي للعام الماضي 2010.. وهذا يعود بالمقام الأول إلى الرؤية الحكيمة والتي أسهمت في صمود المؤسسات المالية الوطنية رغم ظروف الأزمة بل ونموها وهو ما أسهم في الحفاظ على مستوى التقييم الائتماني عند درجة A في العام 2010 وهي ذات الدرجة التي حصلت عليها للعام السابق له.

ولقد استطاع جلالة القائد بما تأسس لديه من قيادة وحكمة وقدرة متواصلة على العمل أن يرعى مسيرة تأسيس اقتصاد وطني متنوع قادر على مواجهة كافة التحديات الاقليمية والعالمية وذلك من خلال تعزيز دور القطاع الخاص والانفتاح على الاقتصاد العالمي والنهوض بمقدرات المواطن البحريني وتحسين مستوى معيشته.

وحيث إن قطاع النفط والغاز في البلاد يشكل النسبة الأكبر من الموازنة العامة فقد كان له نصيباً مهماً من التحديث والتطوير... حيث حقق هذا القطاع إنجازات سريعة في فترة قياسية قصيرة بكل المقاييس وذلك برعاية ودعم ومتابعة من جلالة القائد... ونسرد هنا لبعض هذه التحولات والإنجازات في هذا القطاع:

1 - إعطاء القطاع النفطي أهمية نسبية كبيرة تمثل في دمج كافة الجهات المعنية بهذا القطاع في جهة مركزية واحدة وذلك من خلال إنشاء الهيئة الوطنية للنفط والغاز كهيئة مستقلة تناط بها المسئولية الكاملة عن كافة الأنشطة المتعلقة بهذا القطاع وتم دمج كافة الهيئات والمجالس والجهات المختصة بقطاع النفط في جهة مركزية واحدة.

2 - التركيز على إدارة هذا القطاع من خلال جهاز متخصص وذو خبرة وكفاءة، وتم ترجمة ذلك من خلال تركيبة مجلس إدارة الهيئة والذي يضم متخصصين في هذا القطاع. وقد صدر أول مرسوم ملكي بتعيين مجلس إدارة الهيئة في ديسمبر من العام 2005م برئاسة سعادة الدكتور عبدالحسين بن علي ميرزا وقد باشر المجلس عمله حينها في بلورة استراتيجية عمل الهيئة وتحديد رؤية الهيئة المنسجمة مع التوجهات العليا للقيادة السياسية في البلاد كما صدر في العام 2009 مرسوماً ملكياً بإعادة تشكيل مجلس الإدارة.

3 - التركيز على البعد الاستثماري والتطويري وذلك من خلال خلق مؤسسات رديفة للهيئة وذلك بإنشاء الشركة القابضة للنفط والغاز كذراع استثماري في مجال الصناعة النفطية وتكون رديفة لشركات ممتلكات البحرين القابضة والمعنية بإدارة الاستثمارات الحكومية في مختلف القطاعات الاقتصادية باستثناء القطاع النفطي. ويبلغ رأسمال الشركة القابضة 1.619 مليار دينار بحريني يمثل القيمة الدفترية لحصة الحكومة في الشركات التي تم تحويلها إلى الشركة القابضة وهي شركة نفط البحرين «بابكو» وشركة الخليج لصناعة البتروكيماويات «جيبك» وشركة غاز البحرين الوطنية «بناغاز» وشركة البحرين لتزويد وقود الطائرات «بافكو».

وقد قامت الشركة القابضة للنفط والغاز منذ إنشائها بتأسيس أربع شركات أخرى جديدة وبمعدل شركة جديدة لكل عام وهي شركة توسعة غاز البحرين الوطنية وشركة البحرين لزيوت الأساس للتشحيم وشركة تطوير البترولية وشركة سكوجن البحرين وهي شركة متخصصة في نقل المواد البترولية والكيميائية والبتروكيماوية.

4 - إبراز اسم مملكة البحرين في التجمعات والمحافل الاقليمية والعالمية واستغلال هذه المنابر العالمية لعرض الإنجازات الحضارية للمملكة... وقد شرعت الهيئة بالمشاركة الفعالة في مختلف المنظمات والمنتديات العالمية ذات العلاقة مثل منظمة الأوابك والأوبك ومنتدى الطاقة ومنتدى البترول العالمي. كما أصبحت مملكة البحرين نقطة للعديد من كبريات التجمعات والمؤتمرات الاقليمية والعالمية والمختصة بقضايا النفط والغاز والبتروكيماويات والطاقة عموماً.

5- التركيز على تطوير العنصر البشري من خلال التخطيط لإيجاد خطط للإحلال الوظيفي وتطوير وتنمية القدرات الوطنية العاملة في هذا القطاع.

وقد استتبع هذه التغيرات الهيكلية قيام الهيئة الوطنية للنفط والغاز بسلسلة مشاريع وإنجازات في مجال النفط والغاز والصناعة النفطية تمثلت في التالي:

أولاً: التنقيب عن النفط والغاز في القواطع البحرية (القواطع رقم 4,3,2,1):

تم إسناد هذه القواطع إلى شركتين نفطيتين عالميتين من خلال إجراءات اتسمت بالشفافية وتكافؤ الفرص وهما شركة أوكسيدنتال الأميركية وشركة PTTEP التايلندية... وقد قامت الشركتان بإجراء المسوحات اللازمة تمهيداً للبدء في حفر آبار استكشافية.

ثانياً: مشروع تطوير حقل البحرين:

ويهدف المشروع إلى المحافظة على مستويات إنتاج حقل البحرين والعمل قدر الإمكان على رفع مستويات الإنتاج من خلال إعادة تأهيل هذا الحقل وزيادة كفاءته.

وتم تأسيس شركة مشتركة لهذا الغرض بين كل من الشركة القابضة للنفط والغاز وشركة أوكسيدنتال وشركة مبادلة من دولة الإمارات العربية المتحدة... وقد تفضل صاحب السمو الملكي ولي العهد بتدشين هذه الشركة العام الماضي.

ثالثاً: مشروع التنقيب عن الغاز في الطبقات العميقة:

وقد تم التوقيع على الاتفاقية الإطارية لهذا المشروع في شهر نوفمبر/ تشرين الثاني من العام الماضي بين كل من الهيئة الوطنية للنفط والغاز وشركة أوكسيدنتال... حيث يتوقع أن يسهم هذا المشروع في توفير كميات إضافية من الغاز الطبيعي...

وفي حال ما تأكد ذلك فإنه قد يجعل من مملكة البحرين دولة تملك من مصادر الطاقة التي تكفي احتياجاتها وتسمح بزيادة النمو في قطاع الصناعات الثقيلة والمتوسطة. الاستثمارات المبدئية المتوقعة والتقديرية لهذا المشروع تبلغ نحو (200) مليون دولار تتحملها الشركة المتأهلة، وتستغرق فترة المرحلة الاستكشافية لهذا المشروع قرابة (7) سنوات من تاريخ توقيع اتفاقية المشروع.

وحيث إن هذا المشروع يهدف إلى توفير كميات إضافية من الغاز الطبيعي للاستخدامات الصناعية وتوليد الطاقة، فإنه يتكامل مع جهود أخرى للهيئة في هذا مجال النفط والغاز نذكر منها:

• التفاوض مع الدول المجاورة لتأمين استيراد الغاز الطبيعي، وكذلك التفاوض مع العديد من الشركات العالمية العاملة في مجال الغاز للغرض ذاته ومنها على سبيل المثال شركة غاز بروم الروسية العملاقة.

• دراسة إمكانية وطرح مناقصة استيراد الغاز المسال، وتهيئة البنية التحتية لذلك من خلال إنشاء تسهيلات لاستقبال الغاز المسال.

• إعادة تقييم آلية، تخصيص الغاز للمشاريع الصناعية لضمان الاستخدام الأمثل للغاز.

• المراجعة الدورية لأسعار الغاز لتكون هذه الأسعار مقاربة للقيمة الفعلية للغاز.

• حفر (8) آبار للغاز في طبقة الخف ابتداء من العام 2006م بكلفة إجمالية بلغت (200) مليون دولار.

• إنشاء لجنة للمحافظة على الطاقة تختص بترشيد استخدامات الغاز الطبيعي.

• دراسة إمكانية استيراد الكهرباء من الدول المجاورة للإقلال من استخدام الغاز الطبيعي.

رابعاً: المخطط الاستراتيجي لتطوير وتحديث مصفاة البحرين:

يهدف هذا المشروع والذي تبلغ جملة استثماراته قرابة 5 مليارات دولار أميركي وينفذ على مدى عشر سنوات إلى تحديث وحدات مصفاة البحرين وزيادة قدرتها التنافسية وتقديم منتجات عالية الجودة وتحسين ظروف البيئة.

إن هذه المشروعات والبرامج مجتمعة سوف تحرك استثمارات مالية ضخمة تضخها الشركات النفطية في البحرين على مدى العشرين سنة القادمة، ما سيترك آثاراً إيجابية مباشرة وغير مباشرة على مجمل الحياة الاقتصادية والإنتاجية في البلاد.

كان هذا استعراض على عجلة لأهم التطورات في واحد من أهم قطاعات الاقتصاد الوطني، ويلاحظ الجميع وبكل التقدير الخطوات الكبيرة والمشاريع التطويرية التي يشهدها القطاع النفطي والتي ما كانت لتتواصل وبهذه الوتيرة لولا الدعم الأكيد من القيادة الرشيدة والسلطة التنفيذية والسلطة التشريعية وجهود كافة العاملين في هذا القطاع ودعم ومساندة كافة الأجهزة الوطنية والحكومية والأهلية بما فيها الصحافة المحلية لمسيرة هذا القطاع إيماناً من الجميع بالدور المحوري للنفط في تاريخ وحاضر ومستقبل هذه الأمة...

وإنني من هذا الموقع وفي هذه المناسبة المباركة أود أن أجدد رفع الشكر والتقدير إلى المقام السامي على تجديد الثقة بإعادة تعييننا وزيراً لشئون النفط والغاز في الحكومة الجديدة... معاهدين جلالته على الإخلاص في حمل هذه المسئولية تحت قيادة سمو رئيس الوزراء وسمو ولي العهد... ونحن نتشرف دائماً بما يحظى به قطاع النفط والغاز من جلالته من اهتمام وخاصة عند النطق السامي في مناسبات الأعياد الوطنية المجيدة أو مناسبات افتتاح الأدوار التشريعية لمجلسي الشورى والنواب... حيث يخصنا جلالته دائماً بالإشادة بما نقوم به من عمل... وهذا ما يحفزنا دائماً على بذل المزيد والمزيد لصالح هذا الوطن وشعبه.

داعين المولى أن يمنَّ على قيادتنا الرشيدة ووطننا العزيز وشعب البحرين الوفي بالأمن والأمان والاستقرار... وأن يجعل بلدنا حائزاً على كل خير وسالماً من كل مكروه