العدد 3080 - الخميس 10 فبراير 2011م الموافق 07 ربيع الاول 1432هـ

لبنان: العدالة على حساب السلام؟

ماريا- ريتا قسيس- محللة سياسية تركّز على الشرق الأوسط ومحاربة الإرهاب، والمقال ينشر بالتعاون مع «كوم 

10 فبراير 2011

تبقى عملية اغتيال رئيس الوزراء السابق رفيق الحريري يوم 14 فبراير/ شباط 2005 في لبنان لغزاً محيّراً. يتوقع الكثيرون أن يُّحلّ هذا اللغز من قبل محكمة الأمم المتحدة الخاصة بلبنان خلال الأسابيع القليلة المقبلة.

كان ترقب الأمة حول لائحة الاتهام أمراً كاسحاً خلال الشهور القليلة الماضية، بينما واجهت الدولة «استقراراً» سياسياً هشّاً يعتقد الكثيرون أنه فُرِض من قبل سلطات خارجية.

ورغم أن البعض أملوا أن يحافظ التحالف السعودي السوري على ما يسمى بالاستقرار السياسي، إلا أن استقالة أحد عشر وزيراً من تحالف حزب الله السياسي - حلف الثامن من آذار/ مارس – أسقط الحكومة.

جاءت الاستقالة بعد فشل تسوية لتجنب قرار اتهام محكمة الأمم المتحدة الخاصة بلبنان. وقد فشلت التسوية وسقطت الحكومة.

هل يستطيع لبنان الآن تجنب الاقتتال الداخلي؟

لقد تلطخ تاريخ لبنان باغتيال شخصيات سياسية وحكم على شعبه باضطرابات سياسية مستمرة. أصبحت عمليات الاغتيال التي لم تُحَلّ ظاهرة منتظمة، وأصبح المسئولون أصحاب السطوة والسياسيون البارعون أو الاقتصاديون أصحاب التأثير ضحايا الجرائم السياسية. وبغض النظر عن الدين أو الخلفية أو الانتماء السياسي، يشترك هؤلاء الأفراد ذوي النفوذ بنفس المصير: الموت على يد قاتل مسلّح أو «حادث» مروري أو انفجار هائل.

يشكّل لبنان فسيفساء من المجتمعات المحلية ذات الطوائف المختلفة ويربط الناس أنفسهم بقوة بالقادة الدينيين. ورغم أن التعاون هو الهدف النظري المعاصر، إلا أن القادة مازالوا على المستوى العلمي يتجنبون ويرفضون أي عمل تعاوني. ويبقى الدين أهم هوية عند معظم اللبنانيين، وتدعي كل طائفة أن ما تراه هو المناسب للبنان.

لقد نتج عن اغتيال الحريري والمحكمة الدولية تقسيم لبنان، وجعل احتمال تورط أعضاء من حزب الله في جريمة الاغتيال، جعل السياسيين من معسكري «14 آذار» التابع لرئيس الوزراء سعد الحريري و8 آذار التابع لحزب الله حذرين في تصريحاتهم فيما يتعلق بالاتهام. واتخذ حتى أشد منتقدي سورية وأعداء حزب الله تحولاً سياسياً كاملاً، ملمحين إلى إلغاء المحكمة الدولية واستبدالها بتسوية تتجنب أية اتهامات علنية.

أصبح اللجوء إلى القوى الأجنبية ميزة تقليدية للسياسة اللبنانية كوسيلة لإعادة التوازن في الاختلافات الداخلية للقوة. فمنذ العام 2009، توجهت المملكة العربية السعودية وفرنسا والولايات المتحدة، اللواتي يدعمن معسكر 14 آذار، على طريق التقارب مع سورية، التي تدعم معسكر الثامن من آذار، بينما تحاول إيران استعادة الانخراط الدبلوماسي مع لبنان.

تدعي سورية أنها بريئة، ويلقي حزب الله وحلفاؤه باللائمة على إسرائيل لموت الحريري ويطالبون بحل وسط. ويريد تحالف 14 آذار والولايات المتحدة أن تستمر المحكمة الدولية قدماً. وقد حاولت المملكة العربية السعودية وسورية الحفاظ على اتفاقية الدوحة، التي تنادي بالاستقرار الداخلي. وفي هذه الأثناء ينتظر لبنان من الساحة الدولية أن تقرر مصيره.

نشط سعد الحريري في دعم المحكمة الدولية، وتبرز سياسة عدم الوصول إلى صفقة أو إلى حل وسط تفانيه في التوصل إلى الحقيقة القضائية. وعند كشف الاتهام، إن تم ذلك، ومن المتوقع أنه سوف يسمي أعضاء من حزب الله كمتهمين، فسوف يواجه الحريري ثلاثة اختيارات:

يرتكز الخيار الأول على قبول لائحة الاتهام، وهو بذلك يخاطر بإغراق لبنان في دوامة كبيرة.

وخياره الثاني هو دعم انسحاب لبنان من المحكمة الدولية، وهو على علم تام بأن انسحابه لن يوقف تقدم المحكمة الدولية، ومن ثم الانسحاب من السياسة.

أما الخيار الثالث، وهو الهدف السعودي السوري، فهو مساءلة الإثباتات والبراهين التي تملكها المحكمة الدولية.

ليس هناك من سبيل قانوني لإيقاف اتهام المحكمة الدولية، والتي ستكشف دونما شك أكثر من لاعب واحد. لذا فإن الحل القابل على البقاء يرتكز على فك الارتباط والصبر والتعاون.

لا يمكن التوصل إلى حل وسط إلا بعد نشر نتائج المحكمة الدولية علناً. سوف يمهد هذا الصبر الطريق للتعاون.

وإذا كانت البراهين والإثباتات غير حاسمة فإنها سوف توحّد الأطراف اللبنانية المختلفة في المطالبة بمزيد من الإثباتات. إذا جرى اتهام أناس دون وجه حق فإن المحكمة سوف تعطيهم الفرصة لإثبات براءتهم. يجب أن يأتي الحل من الداخل. وكلما ازداد إشراك الأحزاب الوطنية للقوى الأجنبية، كلما ازداد حجمها كدمى في الأجندات الخارجية، مما يحوّل جريمة اغتيال الحريري إلى مجرد جريمة أخرى لم تُحلّ في تاريخ لبنان. السلام ثمن للعدالة.

تكمن الأرضية المشتركة بين الأطراف في اعتمادهم المتبادل المشترك من أجل البقاء.

يتوجب على القادة التركيز على استهداف السلام والعدالة عبر الحوار والحلول الوسطى. إنها الحل الوحيد لضمان بقاء الجميع.

العدد 3080 - الخميس 10 فبراير 2011م الموافق 07 ربيع الاول 1432هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 1 | 2:19 ص

      الرمضاني

      وقتل ويش صار ؟
      بس الحريري الي قتل ؟؟
      هناك من المقومين الكثيرين الذين قتلوا في لبنان أين المحاكمات التي أنشأت لهم ولطلب بثأرهم والاقتصاص ممن قتلهم أين المحكمة التي تطالب بدم عماد مغنية والشهداء الاخرين
      أقول أغلقوا هذا الموضوع نهائياً واستريحوا وأريحوا العالم
      لان القاتل معروف ولكن أعينكم عمياء عن الحقيقة وأذانكم صماء ، فلا حياة لمن تنادي

اقرأ ايضاً