مَلكَ الغربُ العالَم بِتَعَبٍ وعَرَق. بَذلَ من أجل ذلك طاقة قد لا يحتملها أحد. سَيَّر البواخر التجارية والحربية وأرسل المُبشّرين، وشجّع المستشرقين، وأقام العلاقات العامة والشخصية، وتغلغل بين الحُكَّام والناس معاً، ومن أجل ذلك أيضاً قام بِدَسِّ العُيون المتلصّصة التي انتحلت نعوتاً وهوياتٍ مُختلفة. فكان أحدهم يمتلك أحد عشر جواز سفر وأحد عشر زوجة، ويُتقن سبع لغات كما في حالة سيدني ريلي وأترابه.
بالتأكيد، لم يكن هدف الجاسوسية هو استحصال الأسرار الحربية أو السياسية أو الاقتصادية أو العلمية فقط، بل امتدت إلى ما هو أبعد من ذلك، وهو فهم الشعوب وأديانها وطباعها وأذواقها وسلوكها وميولها. لقد كان الغرب يُدرك بأن تلك الأمور (حتى في شكلها البسيط) هي الإطار الحقيقي لشخصية شعبٍ ما وموقفه من الأحداث والآخر وإبداء المواقف. وحسبنا في ذلك توماس ادوارد لورانس الذي خالَط العرب إلى الحد الذي كان يلبس لباسهم ويتحدث بلغتهم ويبكي لبكائهم، ويعيش معهم كأحدهم.
بل وفي أحيان كثيرة تطوّع أؤلئك الجواسيس فكانوا سبيلاً يُرضِي ضحاياهم بالمستوى الذي يجعلهم فعلاً ضحايا يُقدّمون ما لديهم من معلومات وانطباعات وميول وهم يبتسمون. بعضٌ من أؤلئك الجواسيس رَكِب الصحراء اللاهِبة، وبعضهم قدَّم شرفه وأصبح لُوطِيَّاً لإشباع نوازع الهدف بغرض استحلابه وأخذ ما يُرِيدون منه. وقد نجحوا في ذلك نجاحاً باهراً، بل إن بلداناً كثيرة انهزمت في معارك حربية أو في معارك استخباراتية بسبب تلك الحِيَل.
لقد أقيمت مراكز دراسات وبحوث لفهم الشِّيعة (بعد نجاح الثورة في إيران) والسُّنّة (بعد تشكيل تنظيم القاعدة) والقاديانية والصابئة والدروز وغيرهم. وليس غريباً أن تأتي مواطنة غربية تنتحل صفة الباحثة لتسأل عن الفرق بين الأصوليين والإخباريين داخل المدرسة الفقهية الشيعية، وهو تقسيم لا يفقهه قطاع كبير حتى من منتسبي الشيعة أنفسهم، بسبب خصوصية الموضوع ومحدودية تداوله بين أهل العِلم ولعلاقته بشئون دينية تخصصية تفصيلية دقيقة.
قبل أيام شارَك غربيون من كندا والولايات المتحدة الأميركية ودول أخرى الرَّاجِليين من الزوّار الشِّيعة ممن شَدُّوا رحالهم إلى مدينة كربلاء خلال مناسبة الأربعين. وبدأوا في الاندماج والسؤال والحَمْلَقَة في كلّ شيء يرونه هناك. تكرّر هذا المشهد هنا في البحرين أيضاً ولكن بطريقة أخرى. عديدٌ من الغربيين (وبحجّة الاستكشاف والإعجاب المُصطَنع بالتجربة) بدأوا في التوافد على أماكن العزاء الحسيني والمكوث والتردّد بشكل مُلفِت على تلك الأماكن، والاستفسار عن أمور قد لا تعني لهم شيئاً.
بالتأكيد ليس الخوف من أن يُدرَك أؤلئك سِرَّاً من أسرار هذه المناسبة الدينية (البحتة) سواء عن شخوصها أو تاريخها أو فِعلها (الفولوكلوري بالنسبة لهم)، لكن الإشكال هو أن يُصبح هذا التردّد والسؤال المُسترسَل والحوار والنقاش مدخلاً لفهم ومعرفة وربط العديد من الأمور الداخلة ضمن الاهتمامات الشخصية والمواقف تجاه واقع الحال للمنتسبين لهذا المذهب أو ذاك بغرض تكوين انطباعات عن أشخاص وطوائف كي يُبنَى عليها. وهنا تكمُن الخطورة.
نعم على الجميع أن يُدرك أن القول بذلك لا يعني هَوَسَاً لدينا من التآمر، وإنما القدرة على فهم التجارب كما يجب. لا ينخدعن أحد من شبابنا إن أبدى هؤلاء مزيداً من الإعجاب بالطقوس الدينية، بل حتى إن أظهروا ميلاً للاقتناع بأفكارنا ومعتقداتنا وطقوسنا، فما هذا إلاّ تماهِي منهم في الشكل لإعطاء رسائل تطمين للآخر. لا نريد أن نكون أسرى للتوجُّس المُزمِن، لكننا أيضاً لا نريد أن نكون صيداً سهلاً لمثل هؤلاء. يكفي أن يكونوا زوَّاراً طارئين ثم يرحلون، أما حين يُصبحون زوَّاراً مستوطنين في مؤسساتنا فهذا أمر غير مقبول.
إقرأ أيضا لـ "محمد عبدالله محمد"العدد 3079 - الأربعاء 09 فبراير 2011م الموافق 06 ربيع الاول 1432هـ
سؤال
عزيزي ما فهمنا,,, انت خايف من شنو بالضبط
اكتب من باب الرأي وليس من باب المقام والمستوى
أخي الكريم اعلق بقصة قصيرة. دأئب احد المخالفين بتعليم مجموعة من ابنائنا الصغار على ما يراه حقا وهو بعيدا عن الحق والحقيقة واستمر شهور عديدة يدرسهم ويلقنهم ما يبعدهم عن مدرسة أهل البيت في يوم من الأيام حصل انقطاع في الكهرباء لفترة وجيزة ثم عادت فما كان من الطلبة وعلى حسب سجية وطيب طينته المعجونة بحب محمد وآله وولايتهم إلا أن رفعوا اصواتهم ورنة حناجرهم بالصلاة على محمد وآله فما كان من الشخص المذكور الذي اصيب بالدهشة والذهول بأن يجر اذيال الخيبة ورائه فهذه الثورة خالدة على مر العصور ولأزما...
غصن زيتون السلام
يا اخ محمد اراك هذه المرة اخطات في حق الحب والعقل ، قد يكون جانبك الصواب لو كان هذا العصر عصر الة البخار وطاقة الفحم الحجري ولكن هذا العصرسرعة المعلومات يامحمد لايمكن لاحد ان يخفي الحقيقة ولذلك تلاحظ انهم اي المستعمرين متورطين في احداث مصر ولا يتمنون نجاح الثورة هم من اكتشفوا الانترنت وهم من فتح اعطى المعلومات زخما عظيما حين وضعو هذه المواقع مثل الفيسبوك وغيرها وحينها وقع الفاس فيرؤسهم فهل هم متفرغين للتجسس على طقوس حسينية فيها الحب و العقل متزامنان ، فاهلا وسهلا بهم بين احباء الحسين
امــــ ح سن
ليش ما نقول انهم يريدون ان ينهلوا من نبع لا ينبض الامام الحسين ليس حكرا على الشيعة او المسلمين بل الحسين وجد واوجد معادله صعبه تحتاج لتمعن ودراسه من هدا نرى المستشرقين يهتمون بهده الشخصية الفذة وعلينا كشيعة ان نفتخر بان الاحسين منسوب لنا نحن الشيعة فهم يدرسون الحسين من خلال حبنا له الا تعلم ما قله غاندي وهو بودي تعلمت من الامام الحسين كيف اكون مظلوما فأنتصر والنصر اتا اتا اتا قريب بأذن الله
اضافة
القضية ليست أن يفهموا الحسين أو ثورته أو يطلعون على المراسم والطقوس العزائية فهذه قد لا تجذبهم ولا تعني لهم شيئا بل قد يسخرون منها القضية هي انهم عندما يأتون بين ظهرانينا يقومون بالسئوال عن كل شيء وعن امور خارج نطاق الحسين والعزاء
ويلاه
طبيعي لانهم عرفو شنو لي يمد هذي الامة
ويقويها يظنون انهم اذا فهمو راح يقدرون علينا
لم يعرفو ان
دم الحسين كان حافظ لدين والاسلام المحمدي الاصيل
عاشق نور
جانبك الصواب هذه المره يا استاذ محمد و يبدو لي من خلال مقالك هذا بأنك لم تفهم الواقع و المزاج الغربي و شغف الغربيين بالإطلاع و الإستكشاف و البحث عن الحقائق . الشيىء الآخر ليس لدينا ما نخفيه أو نخجل منه في مؤسساتنا التي تطالب بأن يكون الغربيون زوار مؤقتين بها و ليسوا دائمين ، من أنت كي تحدد هذا و هل الحسين ع مخصص لك أو لطائفتنا فقط أم هو نبراس للحرية يقتدي به كل الأحرار في العالم و يستلهمون منه ثوراتهم ، ثورة الحسين من أجل البشرية جمعاء وليس من العدل إختزالها في طائفتنا فقط .
اختلف معك
هناك الكثير من الأدباء والشعراء الذين كتبوا عن الأمام الحسين عليه السلام من غير المسلمين عرب وغير عرب فكيف تنظر اليهم استاد محمد
مثال:
لقد قدم الحسين بن علي أبلغ شهادة في تاريخ الإنسانية، وارتفع بمأساته إلى مستوى البطولة الفذة.
الآثاري الإنكليزي/ وليم لوفتس
الحق أن ميتة الشهداء التي ماتها الحسين بن علي قد عجلت في التطور الديني لحزب علي، وجعلت من ضريح الحسين في كربلاء أقدس محجة..
المستشرق الألماني/ كارل بروكلمان
والكثير الكثير
التجسس بوابه الاستعمار
عندما ينخدع الناس من تجمهر أقوام اخرون ليتسالوا عن قرب ويتأثروا بما نفعلوا ويحاول فهم الموضوع ليتمكن من كسب الثقة ويأخذ الشيء الذي يبحث عنه فيطمئن اسياد والمراكز الاستخبارية ن هذا العمل خطير او لا
فسؤال يطرح نفسه: هل من حقهم ان يعرفوا انهم بمأمن عما نقوم به او لا؟
من حق اي انسان ان يعيش بأمان او يعرف الثقافات عن قرب وإسلامنا وعقيدتنا تجمع الناس وهذه فرص للإثبات لهم بسلمية الاسلام واننا اصحاب مبدأ واخلاق
..
اسمح لي يا كاتبنا المحترم أن أخالفك الرأي ولسبب اعتقادي بمظلومية الامام الحسين عليه السلام ..
فقد يكون كلامك صحيحاً الا انه وكما علمنا أهل البيت عليهم السلام تختلف القواعد دائماً عند وصولها لهم فأمرهم صعب مستصعب لا يتحمله إلا نبي مرسل أو ملك مقرب .. هكذا قال أئمتنا .. فمن جهتنا يجب علينا أن ننشر مظلومية الإمام الحسين عليه السلام بغض النظر عن نوايا الغير و إلا لما سمعنا عن من ينظم الى مذهبنا .. تقبل فائق احترامي
نداء الحسين
حتى لو اعتقدوا بأنهم حضروا لمهمة البحث و التقصي اعلم بانهم هنا فقط لانه لسبب ما و بطريقة ما سمعوا نداء حبيبنا الحسين الذي لولاه لما استطاعوا حتى التفكير بما يعنيه الشيعة حين ينادوون يـــــــــاااااااا حـــــــــسين عن نفسي اعتقد بانهم محضوضون لكونهم يبحثون و يتعلمون و يستكشفون أموراً حتى الشيعة أنفسهم لم يتوصلوا اليها بعد ياليت حب إستكشاف الحسين يكون دافعاً لنا لنتبع نهج الحرية التي استشهد لأجلها الحسين و و أسبى أهل بيته لغاية هدف رضا رب العرش العظيم
طرح جيّد .. رغم سخافة العنوان
الجاسوسية قامت على اكتافها دول و خربت اخرى.
خلاصة القول
الهدف هو فهم الشعوب وأديانها وطباعها وأذواقها وسلوكها وميولها
وما العمل إذن !
الأستاد محمد ، قد أختلف معك قليلا في ما طرحته لكني لا أخالفك الرأي في أن المسشرقين الأوائل قد فعلوا ما فعلوا ، لكن لنطرح هنا سؤال ، وهو هل لا تزال الدنيا كما كانت ؟ هل نجعلها بعبعاً يقودنا إلى الإنغلاق على أنفسنا كطائفة ، لا أعتقد أن هذه المراسيم خافية على أي أحد الآن وهي متاحة إلى حد الإشباع في شبكة الإنترنت ، ولكن ألا توافقني الرأي أن هناك الكثير من الشعوب الإوربية التي تذأب على فهم الحقائق كما هي والدليل على ذلك دخول الكثير منهم في الإسلام ، ليس لدينا ما نخفيه .
طبيعي ينبحرون ويتعجبون
تره مو من اليوم فهم يدرسون شخصيات اهل البيت والتاريخ على حقيقته لاستلهام كثير من الحقائق العلميه واستنباط كثير من الحلول للمشاكل الاجتماعيه ولكن لن ولم يفهموا سر حب الحسين الذي ملا قلوبنا ورخصت له ارواحنا