في أرجاء منطقة الصخير وعند الساعة الواحدة والنصف بعد منتصف الليل بينما توزعت وتناثرت مجموعات الخيام التي سمحت بها البلدية كحبات الفقع البارزة من رحم الأرض فاتحة أفواهها للسماء ويتسلل من بينها الضباب الساري على الأرض يحك الصخور فلا يلمسها ويتهادى كالمراقب المأمور. فلا يرى فيه إلا نصف الماشي الأعلى وبصعوبة وتطل عليها النجوم ويتراءى للناظر النيران المشتعلة عند بعض الخيام كشرارة صغيرة أو مجموعة منها.
هناك في منطقة جنوب خيام الحرس الوطني المنصوبة كانت خيمة متربعة يسمع من داخلها صوت شاب يهاتف آخر، وينتظر قدوم أصداقائه حيث يقضي الوقت لوحده فيها. في وسط الضباب كانت أقدام تشق طريقها الى باب الخيمة وهي لفتاة مزقت ثيابها وجرح وجهها وفقدت حذاءها هائمة على هذه الأرض التي التحفت بضباب السماء ونصبت عليها خيام الأرض المظلمة، ولما وصلت الى باب الخيمة كان الشاب سلمان قد أنهى مكالمته مع صديقه لؤي الذي قال له سنصل الى الخيمة ربما بعد نصف ساعة أو ساعة، رفع سلمان رأسه ورأى الفتاة واقفة عند الباب تنظر إليه وهي كما لو أن أحداً صب عليها ماء بارداً فجعل حركتها بطيئة وعينيها اغرورقتا بوجه محزون مهموم، نهض على عجل واتجه إليها عند باب الخيمة.
ومن جانب آخر في مدينة عيسى كان مجموعة من الشباب أصحاب الخيمة قد نزلوا من سيارتهم ودخلو أسواق المنتزه يتبضعون لرحلتهم، وكان حوارهم الرئيسي يدور حول وجود الجن والأشباح والأرواح في منطقة الصخير وخصوصا أن هناك حكايا عن عجائز ونساء يخرجن ليلاً على هيئة بشر ويخيفون رواد المنطقة، حيث قال الشاب لؤي للبقية سمعت من أحد الأصدقاء عن مثل هذه الحكايات. أما عادل الذي غالباً ما يهزأ منه أصحابه لشدة خوفه بسبب قصص الجن والأرواح التي يسمعها من الغير فقد أطلق عليه الجميع لقب الجبان وهو في هذه اللحظة يلطم لؤي على فمه بينما يحاورهم عن الجن وصاح فيه طالباً منه الصمت والكف عن سرد مثل هذه الأقاويل التي تخيفه وإلا سيلغي رحلته معهم ويرجع إلى بيته.
في منطقة الصخير كان سلمان بعد أن سمع قصة الفتاة الغريبة التي ادعت أن شابين حاولا اغتصابها وقاومتهما بشراسة وتركاها وهربا قد فرش لها بطانية ووضع لها وسادة بعد أن قدم لها بعضاً من الأكل وشربت عصيراً واستلقت منهكة، نظرت إليه للحظات وسألته لماذا لا تملك سيارة ولماذا أنت موجود هنا لوحدك؟ لم يكن جوابه صعباً فقال لها إنه ينتظر أصدقاءه وهم في الطريق إليه. وطلب منها أن ترتاح قليلاً ريثما يصلون وبعدها سيسهل أمر توصيلها الى بيتها.
لم يبقَ على حضور شلة الشباب القادمة إلا خمس دقائق فقط، ولؤي مازال يطلق الجمل والكلمات التي تهز قلب عادل فيضحك البقية ويذعر عادل والسيارة منطلقة نحو الخيمة. داخل الخيمة لاحظ سلمان أن الفتاة مازالت تشعر بالبرد فخلع الجاكته الحمراء التي كان يرتديها ووضعها على كتفها إضافة إلى اللحاف ثم نهض وخرج ليقضي حاجة بعيداً عن الخيمة.
بعد دقيقتين كان صوت عجلات سيارة الشباب يصدر بالقرب من باب الخيمة ونزل لؤي يداعب عادل بحديثه المعتاد عن الأشباح والجن فتوقف أمام الباب قبل أن يدخل التفت إلى عادل موجهاً اليه كلامه ويحثه على الدخول أولاً. رفض عادل ورفض بقية الشباب الدخول، تراقص لؤي وفرح لأنه استطاع أن يؤثر على الجميع بخيالاته، وهو يحمل مصباحاً يدوياً كان يوجهه إلى وجوه أصدقائه وهو يلقي التعليقة بعد الأخرى، أسرع الخطى إلى الداخل ليشعل النور وما هي إلا عشر ثوان حتى خرج لؤي وقد غص بريقه وبلع كلماته ولم يعد يستطيع أو يقوى على مخاطبتهم سوى أنه أشار الى السيارة وهو يصرخ فيهم:
- شبح فتاة داخل الخيمة... أقسم بالله... يجب أن نرحل من هنا حالاً.
ثم صعد السيارة قبلهم، لم يصدق أحد الشباب وهو بشار ما قاله لؤي فقد ظن الجميع أنه يهذي كعادته وسحب المصباح من يد عادل الذي جمد جسده وشلت حركته وتفتقت عيناه وكادتا أن تخرجا من رأسه بسبب شدة خوفه وفزعه مما قاله لؤي. قال بشار:
- هذه نهاية حبكة القصة التي كان لؤي يختلقها لنا أثناء قدومنا الى هنا وهو الآن يريد أن يرى الفزع يسيطر على قلوبنا ووجوهنا فلماذا الخوف من هذه النهاية.
دخل بشار الخيمة والبقية تترقب واللحظات تمر ولؤي قد استلقى على كرسي السيارة الخلفي وهو يكاد يتقيأ من الرعب الذي أصابه، قال عادل للبقية:
- أكاد أتبول في بنطالي بسبب خوفي الآن.
وماهي إلا لحظات حتى خرج بشار راكضاً يسحب عادل من كوعه ويدفعه بقوة إلى السيارة وهو يهمس لهم وكأن الكلمات التي تصدر من فمه قد اعترضها عارض وسدت حنجرته وبسرعة البرق صعد الجميع الى السيارة وانطلقوا بها الى خيمة أصدقاء آخرين لهم. وباتوا تلك الليلة عند أصحابهم الذين نصحوهم بالذهاب الى خيمتهم صبيحة اليوم التالي. ولم تمر تلك ليلة عادية على هذه الشلة من الشباب.
عندما أشرقت الشمس في الصباح التالي كان عدد كبير من الشباب قد شارك في الانتقال من هذه الخيمة الى خيمة الشباب المسكونة، لم ينم لؤي ولم يتحدث مع أحد في تلك الليلة.
توقفت ثلاث سيارات أمام الخيمة المقصودة ونزل منها تسعة من الشباب الذين تحدوا الوضع الذي أصاب أصدقاءهم. دخلوا الخيمة وكانت المفاجأة لهم أن الفتاة موجودة، صحت على صوتهم وهم يوقظونها. رأوها جميعاً وتراجعوا خطوات متكاتفين، رفعت رأسها من تحت اللحاف وهي تتثاءب وتنظر إليهم مستغربة مما يجري أمامها، تقدم لؤي خطوتين وطل في وجهها سألها:
- هل أنت حقيقية أم شبح أم روح؟
- أنا حقيقية قالت لهم فلماذا كل هذا الهرج والمرج، جئت الى هنا في حوالي الساعة الواحدة والنصف بعد منتصف الليل بعد قصة طويلة حدثت لي وساعدني سلمان..
ولما ذكرت لهم اسم سلمان، توزعت النظرات من الجميع الى الجميع، رفع لؤي يديه واقترح عليهم أن يسكتوا جميعاً، أعاد سؤالاً آخر عليها:
- هل قلت سلمان؟
- نعم قالت لهم سلمان هو الذي آواني هنا وساعدني ثم رفعت الجاكيت الأحمر مواصلة وقد أعطاني هذا الجاكيت واللحاف لأن البرد أصاب جسدي بقسوته. وقد دخلت عليه وهو يخاطب صديقاً له اسمه لؤي!
- جحظت عينا لؤي وكاد أن يسقط على الأرض مغشياً عليه لأن سلمان هو في واقع الأمر كان صديقهم الذي توفي العام الماضي في خيمة لهم نصبت في موقع خلف هذه الخيمة واحترق داخلها وكانت آخر مكالمة له عبر الهاتف في الساعة الواحدة والنصف بعد منتصف الليل مع لؤي!
العدد 3079 - الأربعاء 09 فبراير 2011م الموافق 06 ربيع الاول 1432هـ