رية اسم يطلق على بقعة من الأرض الواقعة في الشمال لجزيرة سماهيج التاريخية المحرق الحالية، وكانت منذ القدم تعتبر إحدى القرى المعروفة والتابعة لسماهيج كما هي قرى (الدير والجنمة والحلة وغزارا وقلالي)، وللذاكرة التاريخية لأرخبيل البحرين كانت هناك قرى عامرة بأهلها إلا أن بعضها اندثر وبعضها تعرض للتخريب والتدمير كما تذكر ذلك المصادر المحلية من قبيل قرى (الفارسية، قزقز، بربورة، بربغي) وغيرها من القرى التاريخية القديمة، وقرية رية بلدة صغيرة المساحة ومحدودة الاتساع شاءت الظروف أن يتغير وضعها من ماهو عليه، إلا أنها لاقت شهرة واسعة في أحداث تاريخها الطبيعي وبقي اسمها مخلداً في ذاكرة الناس إلى يومنا هذا.
تلفظ ريَة بتشديده الياء أو ريا كما هي في اللهجة البحرانية الدارجة لأهل المنطقة، أما المعنى المتعارف عليه للكلمة فإنه يفيد بوجود الماء أو كثرته لما تتمتع به المنطقة من الموارد الطبيعية (العيون والكواكب) وهو ما يستنتج من بعض المصادر اللغوية في مادتي روى وروي (ريا بفتح أوله وتشديد ثانيه وأصله من رويت من الماء أروى ريا وروى) أما تشديد ريًا أو الرَّيَّا فقد جاءت بمعنى الريحُ الطَّيِّبَةُ وكلا اللفظين يفيد المعنى لوجود الماء وحسن الهواء في المنطقة، وكذلك جاء في القاموس المحيط (ورَيَّا ورَيَّةُ: مَوْضِعانِ) إلا أن صاحب القاموس لم يحدد مكان الموضعين فاكتفى بذلك.
تقع رية على الساحل الشمالي لجزيرة المحرق وبالتحديد بين قريتي سماهيج والدير، وهي بلدة صغيرة اختزلت المصادر والمراجع في الكتابة عن بستانها الشهير المسمى باسمها وذلك نسبة للعين المشهورة بها، ويقع في أقصى شمالها رأس يسمى (رأس ريا) فقد ذكر ذلك لوريمر في كتابه دليل الخليج (على أقصى نقطة شمالي الجزيرة وعلى بعد نصف ميل شرق الدير).
ويصف المرحوم الشيخ التاجر من الشرق لرية، اسم العين التي فيها وهي على الطرف الساحل الشمالي شرقاً (وهي ذات بساتين غناء ورياض فيحاء ومياه غزيرة، وأكثر أهلها يحترفون الفلاحة والغوص وصيد الحوت)، وفي بعض الكتابات المحلية المعاصرة توصف بأنها أجمة وضاحية.
لمعرفة هذا المطلب لابد أن تسأل هل القرية إن كان لها وجود منذ القدم أم لا؟ وإذا كان لها وجود ما هي مصادر معرفتها وما هي الأصول لتسميتها؟ هناك عدة آراء يمكن الاستنتاج منها للخروج بنتيجة تاريخية تؤدي إلى الإجابة على ما طرح من تساؤل.
للذاكرة الشعبية عند بعض كبار السن والمهتمين بالتراث والتاريخ بالمنطقة توضح على أن المنطقة المذكورة كانت منذ قديم الزمان قرية صغيرة يوجد بها سكان إلى أن اضمحلت بيوتاتها وتكاثرت فيها البساتين والحدائق فيما بعد.
هناك من النصوص الأجنبية والمصادر المحلية ما يفيد على أنها قرية وفيها مجموعة من البساتين وبعض المنازل والأكواخ كما يذكر ذلك بعض الكتاب الإنجليز عن قرية تعرف بهذا الاسم وكذلك ما ذكره صاحب كتاب عقد اللآل في تاريخ أوال.
بعض النصوص التي في المصادر تفيد على أن سبب تسمية القرية جاء من كثرة ما بها من مياه جارية وبالأخص بماء عينها المشهورة التي كانت تسقي القرى المجاورة.
ما تقدم من آراء يمكن الاستنتاج منه على أن القرية كانت موجودة منذ زمان بعيد وبعد فترات زمنية لاحقة اندثرت المنازل والأكواخ التي فيها ولم تعد إلا القليل منها بمحاذات البساتين والعيون، وعلى هذا الأساس يمكن معرفتها بمفهوم القرية في ذلك الزمان وليس بمفهومها في الزمن الحاضر، وحقيقة موضوع الاسم يتبين أنه قد أخذ شهرة واسعة بما تشتهر به القرية بكثرة مواردها الطبيعية للمياه ولذلك أخذ اسم رية يطغى بالإشارة إلى المعلَمين الطبيعييَن في المنطقة ذاتها (العين والبستان) أما ساكنيها فهم من منطقة سماهيج ذاتها الذين فيما بعد بسبب توسع مهنتهم في اصطياد الأسماك وبُعد المسافة للمصائد البحرية عن مساكنهم نزلوا في موقع قرية الدير الحالي.
هي بلدة وادعة كما هو اسمها الجميل، وتمتاز بهوائها العليل المنعش لأنها تلامس الساحل وحينما تهب الرياح الشمالية تنعش القلب وتطيب مزاج ساكنيها، وتعرف رية بتربتها الصالحة للزراعة والتي تنتج العديد من المحاصيل الزراعية من الفواكه والخضروات لما عرف عن أهلها بزراعة البصل والنعناع والرمان وعدت أصناف من الفواكه، وتتميز القرية بكثرة الماء الغزير وبعينها الشهيرة التي تسقي القرى المجاورة لها، وبرمال ساحلها الناعمة الذهبية، وكذلك اشتهرت بطينها ولقد جاء في المثل الشعبي (الهير هير شتية والطينة طينة رية)، كما توجد بالقرب من ساحلها العيون البحرية (الكواكب) المسمى برية والهيور وتعتبر القرية الصغيرة منذ القدم على أنها روضة من البساتين والحدائق الغناء التي تسحر المرء بجمالها وقد كانت هذه المنطقة محلة للتنزه والاسترخاء وتعد إحدى أهم المتنزهات الطبيعية والسياحية في الجزيرة خاصة وأرخبيل البحرين عامة إذ كانت مقصد المصطافين والسياح خصوصاً عند ارتفاع درجات الحرارة في فصل الصيف.
مع مهنة ركوب البحر واصطياد الأسماك والغوص في أعماق البحار لاستخراج اللؤلؤ كان أهالي هذه القرية الصغيرة مشهورون بالزراعة وفلاحة الأرض ولذلك يروى عن ذاكرة الأجداد كيف أنهم عمرَوا هذه القرية الصغيرة وجعلوها جنة مليئة بالبساتين والحدائق المثمرة إذ كانت لهم مصدر حياة وكفاح في حياتهم مع بساطة حياتهم وخشونة العيش وأن هذه المنطقة كانت بالنسبة لهم مثل الرئة التي يتنفس منها وتعتبر إحدى المتنزهات قديماً لأهالي المنطقة ولذلك لا تجد من يتحدث عن القرية من الكتاب والمصادر إلا ويذوب في وصف البساتين والمياه الجارية بها، بالإضافة لما يعرف عن موقعيتها أنها كانت على طوال تاريخها مقيضاً ومصيفاً لرجالات السلطة الزمنية الحاكمة على البحرين ولكبار الشخصيات من تجار ووجهاء وأعيان بالسلطة يأتونها للاسترخاء والاستجمام وهو ما جعل بستانها ذات الموقع الإستراتيجي ذات شهرة واسعة على مدى تاريخها.
مع تغير الحكم في البحرين ومجيء أسرة آل خليفة لأرخبيل البحرين اتخذوا جزيرة المحرق عاصمة للحكم وبذلك أصبحت المقر الرئيسي والعاصمة السياسية والإدارية للإمارة كما يذكر لوريمر في «دليل الخليج»، ويمكن القول إن الهواء العليل والتربة والماء وطبيعة الموقع هي إحدى الأسباب التي جعلت الحكام والطبقة الاستقراطية من الأغنياء والوجهاء وأعيان الدولة أن يأتوا ويتخذوا هذه البقعة من الجزيرة سكناً لهم ومحلاً لراحتهم واستجمامهم (وعلى الساحل الشمالي للمحرق كانت تقع القصور السابقة للشيخ عيسى بن علي في ريا وسماهيج) وبجنب العين المشهورة باسم القرية أمر الحاكم ببناء قصر له كما يذكر ذلك صاحب التحفة النبهانية بعد أن يذكر قرية سماهيج (وغربها بستان يسمى (رية) باسم العين التي فيه وهو على الساحل. وقد أمر الحاكم سمو الشيخ عيسى بن علي آل خليفة سنة (1330) ببناء قصر فيه مشرف على البحر جعله متنزهاً له يسير إليه في كل يومين مرة واحدة حينما يكون مقيماً في العاصمة وهو يعد من منتزهات البحرين) كما يذكر المرحوم الشيخ التاجر أحد رجالات الطبقة الميسورة من الأغنياء في بنائه القصور الشامخة بعد أن يصف عينها الشهيرة (قرية رية اسم العين التي فيها وهي على الطرف الساحل الشمالي شرقاً وهي ذات بساتين غناء ورياض فيحاء ومياه غزيرة وقد اتسع عمرانها أخيراً وقد بنى فيها الشيخ عيسى بن علي سنة 1230هـ قصراً فخماً قريباً من البستان الشهير المعروف ببستان رية مطلاً على البحر وهو دائماً يتردد عليه صيفاً وشتاء ويعد من متنزهات البحرين وبنى فيها أيضاً الثري الكبير سلمان بن مطر القصور الشامخة الفخمة فكثر عمرانها وزاد سكانها، وأكثر أهلها يحترفون الفلاحة والغوص وصيد الحوت). وتذكر صاحبة كتاب «جزر البحرين» عن القصر والمصيف في منطقة رية (وتدل الوثائق التاريخية على أن قصر ريا لم يعد له وجود بعد أن جرى هدمه وقد سمي باسم هذه العين الواقعة في الساحل الشمالي لجزيرة المحرق. وقد اتخذ هذا القصر فيما بعد كمصيف لعائلة الشيخ عيسى بن علي خلال أشهر الصيف من كل عام. أما قصر سماهيج ويقع بالقرب من بساتين ريا وقد جرى هدمه هو الآخر فقد بني العام 1912 لاستعمال الشيخ عيسى الخاص ويوجد بيت معاصر لهذا القصر ويستخدم الآن كمزرعة أبحاث تم بناؤه بالقرب من عين أم نخيلة) ويشير لوريمر إلى خزانات المياه وإلى قضاء حاكم البحرين للاسترخاء فيها (يوجد بالحديقة نافورات وخزانات للمياه يمتلكها شيخ البحرين، وعندما يشعر بالتعب يرحل ثلاث أو أربع مرات أسبوعياً ليقضي بضع ساعات في حالة استرخاء).
يذكر مبارك الخاطر في المقدمة لإحدى إصدارات نادي المحرق تحت عنوان «جزيرة المحرق بين 1810-1932» صورة حية على أرضية رية لما كانت عليه من قبل في سباقات الخيل والأتن (كانت سباقات الأتن تجري بمواقع من أسرحة المحرق يدعى الواحد فيها (مسطاح) وكان أشهر هذه المساطيح المسطاح الكبير الذي يقع طولاً ما بين مدينة المحرق وضاحية (ريا) بسماهيج).
ولعقود قليلة مضت كانت هناك أطلال لبرستجات وأكواخ في المنطقة وأروقة للخيول والجمال لبعض التجار والوجهاء إلى أن أزيلت بالكامل من محلها وهي المشاهد التي كانت مألوفة لأهالي المنطقة إلا أن الذكريات تمتد لأكثر من ذلك في ذاكرة الكبار والشباب بالمنطقة من ساكني قريتي سماهيج والدير فهم من تربوا وعاشوا في هذه المنطقة (فأهل مكة أدرى بشعابها) وأصبحت لديهم الكثير من الذكريات الجميلة والرائعة التي عاشوها وسط رمال رية وقطفوا من بساتينها وشربوا من عيونها العذبة، كانت الألعاب الشعبية وممارسة صيد الطيور البرية والبحرية وهواية الحداق بارزة بكل وضوح على ساحلها البديع والمعروف بنعومة رماله، ولاتزال ذاكرة الكبار مليئةً بأحداث الماضي على ربوع هذه البقعة من الأرض الجميلة بالإضافة الى ذكريات المصطافين والسياح من أهالي المحرق والجاليات الذين يأتون إلى بساتينها من أجل الاستجمام والراحة أيام العطل والمناسبات، فكانت هذه البقعة لا تنقطع من المصطافين طوال أشهر الصيف لقضاء أجمل الأوقات في حياتهم خصوصاً في بستانها المعروف والبستان القريب منه بستان التينة (نصر) الواقع على جهة الشمال الشرقي من ساحل سماهيج.
موقع ريا القديم ما بين قريتي سماهيج والدير مطلاً على الساحل الشمالي للجزيرة فهي قليلة المنازل كثيرة الأشجار والنخيل إلا أنه في الآونة الأخيرة مع الزحف العمراني ذابت البلدة بين القريتين لتكون أكثر ميولاً في الامتداد بداخل قرية الدير المجاورة، وإن الاسم التاريخي لايزال يتداوله الأهالي تحديداً لها كما هي قرية الجنمة الملاصقة لها والتي أصبحت فيما بعد حياً من أحياء سماهيج، أما ساحلها الشهير فقد جرى عليه عمليات الردم والدفان وبذلك امتد إلى الشمال وأصبح بستانها المعلم الوحيد بها حالياً وبعيداً عنه بعد ما كان ملاصقاً لها.
المصادر والمراجع:
________________________
التحفة النبهانية
- عقد الآل في تاريخ أوال
- جزر البحرين - أنجلا كلارك
- دليل الخليج
- سماهيج في التاريخ
العدد 3079 - الأربعاء 09 فبراير 2011م الموافق 06 ربيع الاول 1432هـ