اغتنمت وزيرة الخارجية الاميركية هيلاري كلينتون مشاركتها في مؤتمر امني، يُعقد في المانيا، كي تحذر «من ان منطقة الشرق الاوسط تواجه عاصفة من الاضطرابات بكل معاني الكلمة»، ولتحض زعماء المنطقة على «الإسراع في تطبيق الإصلاحات الديمقراطية الحقيقية، وإلا خاطروا بمزيد من زعزعة الاستقرار». وأردفت، مضيفة إلى مخاوفها، في كلمتها أمام المؤتمر الـ 47 حول الامن، في ميونيخ، «ان عدم وجود اصلاحات سياسية، اضافة الى تزايد أعداد الشباب وتكنولوجيا الانترنت الحديثة، يُهدد النظام القديم في منطقة مهمة لأمن الولايات المتحدة».
ولم تستطع كلينتون إنكار أن الإصلاحات «ليست مسألة مثالية، انها ضرورة استراتيجية، ومن دون تقدم حقيقي تجاه أنظمة سياسية شفافة وعرضة للمساءلة ستزداد الفجوة بين الشعوب وحكوماتها وتزيد حالة عدم الاستقرار عمقا وستكون كل مصالحنا معرضة للخطر».
وفي اليوم ذاته، قال الرئيس الأميركي باراك اوباما، في مؤتمر صحافي عقده في البيت الأبيض انه «لكي يكون لمصر مستقبل مشرق - وهو ما أعتقد أنها يمكن أن تحصل عليه - فإن الأمر الوحيد الذي سوف ينجح هو عملية انتقال منظمة تبدأ الآن تماما وتشمل كل الفئات وتؤدي إلى الممارسات الديمقراطية وإلى انتخابات نزيهة وحرّة وحكومة تمثل الشعب المصري وتستجيب لتظلماته».
ثم أضاف قائلا «تحدثت مرتين مع الرئيس مبارك منذ بدأت هذه الأزمة في مصر، وأكّدت في كل مرة حقيقة أن مستقبل مصر مرهون بأيدي المصريين. فلسنا نحن الذين سنقرر ذلك المصير. ولكنني قلت أيضا إن العودة إلى الطرق القديمة لن تنجح في ضوء ما حدث على مدى الأسبوعين الماضيين. فالقمع لن ينجح، والانخراط في العنف لن ينجح. ومحاولة إغلاق تدفق المعلومات لن ينجح».
ما جاء في كلمتي كلينتون وأوباما هو اعتراف واضح بفشل الأساليب القديمة التي يصر الحكام العرب على التمسك بها، في الدفاع عن أنفسهم أو عن حلفائهم، الأمر الذي يضع مصالحهم المشتركة أمام خطر حقيقي. ولذلك، تنضح «المواعظ الأميركية»، التي تبدو في ظاهرها دعوة لإصلاح الأنظمة الشرق أوسطية، وتحديدا العربية، بالخبث المبطن الذي يخفي النوايا الأميركية الحقيقية وراء مثل تلك التصريحات، التي ليست، في جوهرها، دفاعا عن مصالح شعوب المنطقة وحقوقهم، كي ينعموا بمثل ما هو متوافر في المجتمعات المدنية المتحضرة، وإنما لضمان أن يكون هذا الإصلاح عندما يتم، ومن وجهة نظر كلينتون وأوباما خطوات على طريق تعزيز قدرات تلك الأنظمة الحاكمة للدفاع عن مصالح الطبقات الحاكمة فيها أولا، مما يؤهلها لحماية المصالح الأميركية في وجه اية قوة جديدة يمكنها أن تشكل خطرا حقيقيا على تلك المصالح المشتركة ثانيا.
نتفق مع ما جاء في الكلمتين حول حاجة المنطقة إلى الإصلاح، بل ونؤيدهما في أن يأتي هذا الإصلاح على أيدي أبناء تلك المنطقة، دون الاستعانة بأية قوة خارجية، لأن تدخل هذه الأخيرة لا يمكن ان تكون نهاياته في صالح المنطقة وأبنائها، لكننا نختلف مع ما جاء - مبطناً - في الكلمتين من أهداف تلك الدعوات والدوافع الكامنة وراءها.
تدفعنا للتشكيك في سلامة النوايا الأميركية مسألتان: الأولى تتعلق بالكيان الصهيوني، فطالما تخاطب الكلمتان الأنظمة القائمة في الشرق الأوسط، فلماذا الصمت، وغض الطرف عن، بل والمباركة، علنا وفي الخفاء، للسياسات التي تنفذها حكومة تل أبيب، طالما أنها تمارس الظلم ذاته، والقمع الأسوأ منه، تجاه الشعب الفلسطيني، وعلى وجه الخصوص تجاه أولئك الفلسطينيين الذين يعيشون تحت حراب الاحتلال في أراضي 1948.
فطالما أن المفاهيم والقيم الديمقراطية غير قابلة للتجزئة، وبالتالي فما ينطبق على الأنظمة العربية، ينطبق أيضا على نظام تل أبيب، فلماذا يجري التعتيم على كل اشكال القمع الصهيونية؟ اللهم إلا إذا كانت هناك مقاييس أخرى تخدم السياسات الأميركية في الشرق الأوسط وفي إسرائيل، وهي مختلفة عن تلك المطلوب توافرها في العواصم العربية. حينها تفقد دعوات واشنطن الإصلاحية مصداقيتها، وتجردنا من التعاطف معها، رغم قناعتها المطلقة بحاجة المنطقة إلى الإصلاحت الجذرية التي تدعو لها واشنطن، لكن، ومع الفارق الكبير بين الحالتين، ليس هناك أكثر من نظام تل ابيب بحاجة إلى الإصلاح الديمقراطي الذي تبشر به واشنطن.
الثانية تتوجه نحو الأنظمة الأخرى غير تلك التي هبت عليها رياح التغيير مثل تونس ومصر، فَمَ الذي يدفع واشنطن إلى اللجوء نحو التعميم في دعواتها الإصلاحية فتستخدم عبارة الشرق الأوسط، ثم عندما تضطر إلى التخصيص والتحديد، تحصر نفسها، كما جاءت في الكلمتين، في مصر فقط.
ليست القاهرة العاصمة العربية الوحيدة التي تنطلق منها أدخنة الفساد المالي، والظلم الاجتماعي، والقمع السياسي. وليس خافياً على الولايات المتحدة، وهي تدافع عن مصالحها النفطية، وصفقاتها المالية والتسليحية، متسترة وراء انظمة لا تقل أوضاعها سوءا عن تلك التي قادت إلى الانتفاضة الجماهيرية المصرية. لكنها - واشنطن - كما أسدلت جفونها عما يجري في فلسطين المحتلة، كذلك تغمض عيونها عما يدور في العواصم العربية النفطية، مسلطة الضوء على الواقع المصري، وكأنه الحالة الشرق أوسطية الوحيدة التي بحاجة إلى علاج.
تفوح من كلمتي أوباما وكلينتون روائح نزعة استعمارية حديثة، لم يعد في وسعها الاستعانة بالمفردات ولا الأساليب الاستعمارية التقليدية القديمة، ولذلك لا نستغرب بحثها عن شكل جديد من أشكال الهيمنة، وطرق حديثة للدفاع عن المصالح الأميركية في المنطقة.
ففي السابق، وعلى وجه التحديد في فترة الحرب الباردة التي أعقبت الحرب الكونية الثانية، عندما كانت أهمية المنطقة ترتكز على دعامتين أساسيتين: الأولى الموقع الاستراتيجي، والثانية الثروات النفطية، لم تتردد العواصم الاستعمارية في الاستعانة بقواتها العسكرية للدفاع عن حلفائها والمصالح التي تجمعها معهم، تحت مبررات لم تعد قائمة في وقتنا الحاضر. لذا فاليوم، وبعد تفرد واشنطن بالسيطرة على العلاقات الدولية، دون إغفال المكاسب التي انتزعتها ثورات الشعوب، والشروط التي فرضتها على المجتمع الدولي، لم تعد تلك الأساليب القديمة مجدية، بل أثبتت عقمها، وما يجري في العراق أقوى دليل على صحة ذلك. ومن ثم فليس امام عواصم مثل واشنطن من وسيلة سوى نصح حلفائها في المنطقة بتقديم بعض التنازلات من اجل الدفاع عن انفسهم ومصالح حلفائهم. لكن يبدو ان هؤلاء الحكام ومن ورائهم العواصم الاستعمارية، وفي المقدمة منها واشنطن، غير، قادرين على، أو راغبين في سماع مطالب شعوبهم إلا عندما تتفاقم الأوضاع في بلدانهم، وتصل الأمور إلى هبات كتلك التي انطلقت من «ميدان التحرير»، ومن قبلها من العاصمة التونسية
إقرأ أيضا لـ "عبيدلي العبيدلي"العدد 3076 - الأحد 06 فبراير 2011م الموافق 03 ربيع الاول 1432هـ
غصن زيتون السلام
لو افترضنا ان واشنطن خصت بالاسم اسرائيل من الدول التي تطهد الشعب الفلسطيني، فالمشكلة يا استادنا العزيز ساختلف معاك في هذه النقطة لااسباب التالية ان اسرائيل لم تطهد شعبها وانما تطهد الفلسطينين باي شكل من الاشكال اذن هي من هذه النقطة فشعبها مترف ديمقراطيا من جميع النواحي فما المشكلة بعدين فاقد الشئ يعطي فواشنطن مثله مثل اسرائيل متمقرطة مع شعبها ومطهدة للاخرين فمصلحتها فوقالمبادئ ولكن بيت القصيد انتفاضة الشعوب هي فقط ما سيجبر واشنطن على تغير استراتيجيتها والخنوع غصبا عنها وبعد ذلك لكل حادث حديث
يكفي كتابة عن مصر أيها الأساتذة الأفاضل!!
, و هي بأمسّ الحاجة لأقلامكم الوطنية.