في منتصف الليلة الأولى من أغسطس/ آب 2006، أذاعت «إسرائيل» خبرا عن عملية إنزال في بعلبك شمال لبنان، استهدف مستشفى الحكمة لهدفٍ ظلّ يكتنفه الغموض.
في الصباح تبين أن العملية شارك فيها 200 جندي من القوات الخاصة، بعد تلقي «معلومات» من داخل لبنان، بشأن وجود السيد حسن نصر الله بالمستشفى، وتبين أن أحد جواسيسها حصل على أسماء نزلاء المستشفى، وطار من الفرح لأن بينها اسم حسن ديب نصرالله، فطيّرها بالشفرة إلى تل أبيب: «نصرالله في مستشفى الحكمة ببعلبك الآن».
الكوماندوز الإسرائيلي لم يتأخر، فنفّذ عملية قتل فيها عشرة مدنيين، وأسر خمسة تم ترحيلهم حالا إلى «إسرائيل»، ولا ندري كيف كانت ردة فعل القادة العسكريين على رجال «الكوماندوز» الحمقى الذين جاءوا ببائعٍ عجوزٍ على أنه حسن نصر الله! مع ذلك أصرّ الناطق باسم الجيش الصهيوني يفتخاي أدرعي (وهو بالمناسبة أكذب رجلٍ بالعالم) أن «الأسرى من مقاتلي الحزب، والعملية نفذتها قوات ذات خبرة عالية، وستكشف الأيام خطورة المعلومات التي حصلوا عليها في المستقبل»! يومها كتبت مقالا نعيت فيه الجواسيس بعنوان «حمير إسرائيل»!
في تلك الحرب التاريخية الضروس، كان للجواسيس دورٌ مؤذٍ جدا للمقاومة وللشعب اللبناني، إذ انتشرت قصصٌ عن دورهم الميداني في وضع علامات فوسفورية على البيوت والمراكز المستهدفة، لتقصفها الطائرات الإسرائيلية. وقيل الكثير عن تورّط جواسيس من جنسيات وأجهزة عربية وأجنبية، وحتى أفراد من العمالة الآسيوية. إلا أن المشروع بدأت تتساقط دعائمه الأسابيع الأخيرة، مع تساقط المزيد من شبكات الجواسيس وعملاء «إسرائيل» في قبضة الأمن اللبناني، حتى تجاوز عددها الثلاثين.
الحكاية بدأت بصدمةٍ مروّعةٍ للمقاومة، حين اكتشف حزب الله وجود اختراق خطير، عبر العميل مروان فقيه، الذي كان يوفّر سيارات لكوادر الحزب بحوافز وأسعار مخفضة. وكُشف أمره بالصدفة بعد تعطل إحداها، إذ اكتشف الكهربائي وجود جسم غريب، فلما أبلغ صاحب السيارة رفع الأمر للحزب، الذي عمد للتدقيق على سياراته، ليضع يده على أجهزة تنصت وتصوير موصلة بالأقمار الصناعية التجسسية، وهكذا قبض عليه وسلّمه للجيش. وخلال حرب تموز غادر فقيه النبطية وسلّم للحزب محطة الوقود التي يملكها لتستخدمها سياراته وآلياته، وتعمّدت «إسرائيل» الإبقاء عليها بينما قصفت بقية المحطات.
الضربة الأخرى التي تلقتها مجموعة «حمير اسرائيل»، بالقبض على رأسها الكبير، العميد اللبناني المتقاعد أديب العلم، الذي وُصف بأنه «عميل تاريخي»، لأنه التحق بخدمة الموساد منذ 1984، وسقوطه أسقط معه المزيد من العملاء، من بينهم زوجات وأخوات جاسوسات!
قناة «الجزيرة» عرضت قبل ليالٍ، برنامجا عن الإيقاع بهذه الشبكات، وعرضت أجهزة إلكترونية للتجسّس والتصوير وتخزين وإرسال المعلومات، وفي اليوم التالي عرضت قناة «المنار» لقطات وتقارير أخرى.
بعض هؤلاء كانوا عملاء قدامى جدا منذ الاجتياح الأول للبنان، وبعض الأشقياء جُنّدوا قبيل عامٍ واحدٍ من طرد الإسرائيليين من جنوب لبنان على يد المقاومة الشريفة، والأشقى منهم من جُنّدوا بعد التحرير. وبعضهم كان يعمل في جيش العميل انطوان لحد، هرب معه إلى «إسرائيل»، وعاد منها بعد عام ليعمل في محلات لبيع الأجهزة الكهربائية والمعدات هنا أو هناك.
أحدهم كتب ان «مغنية ينام الآن مرتاحا». الضباط الأربعة الذين كانوا سندا للمقاومة اللبنانية الباسلة خرجوا من السجن، بينما بدأت شبكات التجسس ومجموعات «حمير إسرائيل» بدخوله... والدنيا دول!
إقرأ أيضا لـ "قاسم حسين"العدد 2443 - الخميس 14 مايو 2009م الموافق 19 جمادى الأولى 1430هـ