العدد 2443 - الخميس 14 مايو 2009م الموافق 19 جمادى الأولى 1430هـ

الدول النامية ملاذ مؤقت للرساميل العالمية

عبيدلي العبيدلي Ubaydli.Alubaydli [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

نشر موقع «وكالة الأنباء العالمية» تقريرا مفصلا بقلم ستيفن لييهي، يكشف فيه مدى استفادة الدول الغنية وشركاتها المتعددة الجنسية العاملة فيها من وصول الأزمة المالية إلى دول العالم الثالث، فراحت «تشتري عشرات الملايين من الهتكارات من أراضي بلدان العالم الثالث وهي المساحة التي تعادل ربع الأراضي الزراعية في أوروبا». وكما يقول التقرير «يتصدر السودان قائمة الدول التي باعت أو أجرت أراضيها لجهات أجنبية».

ويرجع المؤلف إلى دراسة قام بها المعهد الدولي يكشف فيها «أن عمليات شراء الأراضي هذه تمثل استثمارات يتراوح مجموعها بين 20 مليارا و30 مليار دولار ، تأتي أساسا من الصين وكوريا الجنوبية ودول الخليج العربي، وتستهدف القارة الإفريقية بصورة رئيسية».

وكان بنك التنمية الآسيوي قد حذر من احتمال بروز هذه الظاهرة من خلال دراسة معمقة كشف فيها عمق انعكاس الأزمة المالية العالمية على الاقتصادات الآسيوية التي، وفقا لتلك الدراسة، تقلصت «قيمة الأصول المالية في جميع أرجاء العالم بنحو 50 تريليون دولار أميركي فى العام 2008، وكانت معاناة آسيا النامية أشد من مناطق أسواق ناشئة أخرى حول العالم، حيث وصلت خسائر الأصول المالية لآسيا النامية في السنة الماضية إلى 9.6 تريليون دولار، وهو ما يزيد على إجمالى الناتج المحلي لها في سنة واحدة».

يشاطر وزير المالية المصري ورئيس لجنة السياسات المالية والنقدية الدولية بصندوق النقد الدولي يوسف بطرس غالي ما ذهب إليه بنك التنمية الآسيوي وتقرير وكالة الأنباء العالمية في كلمته التي خاطب بها المجلس الاقتصادي والاجتماعي بالأمم المتحدة (الإيكو- سوك)، حين «أكد وجود تدهور في بعض المؤشرات الاجتماعية نتيجة الأزمة المالية العالمية تتمثل في ارتفاع معدلات الفقر وتراجع مؤشرات الصحة والتعليم في الدول النامية وخاصة الدول الأكثر فقرا، (مشددا على أن) الدول النامية والأسواق الناشئة سوف يكون لها نصيب أكبر من أثر هذه التبعات السلبية نتيجة تأثرها بتراجع حجم وقيمة صادراتها، وانخفاض تدفقات رؤوس الأموال الموجهة إليها».

تدحض مثل هذه التقارير وأخرى غيرها الكثير من الادعاءات التي تتبجح بها الدول الغنية مثل الولايات المتحدة، وأخرى أوروبية، بل وحتى اليابان التي كثيرا ما تدعي أنها تقدم المساعدات المالية من أجل إنعاش الاقتصادات المتعثرة بين دول العالم الثالث. فكما يبدو أن نسبة عالية من مثل تلك الأموال التي توصف بأنها «مساعدات» لا تعدو كونها اختراقات تقوم بها رؤوس الأموال العالمية لأسواق دول العالم الثالث مستفيدة من مجموعة من الظروف الملائمة لها، والتي من بين أهمها:

1. انعدام الضرائب أو ضآلتها، ففي الكثير من هذه الدول النامية، تكاد أن تصل فيها الضرائب إلى الصفر، وهي تقوم بذلك عن وعي كجزء من سياستها التنافسية في استقطاب الرساميل العالمية الهاربة من الضرائب العالية في بلدانها الأم، وخاصة في مراحل الأزمات المستعصية كتلك التي تعصف بالدول الغنية حيث تتزايد مساهمات الضريبة في المداخيل الحكومية.

2. ضعف الرقابة المالية، إما بسبب تخلف الأنظمة المالية في الدول المالية، وعدم قدرتها على تتبُّع أثر أنشطة الرساميل العالمية، وتحديد قيمة الأرباح التي تحققها، كي تتمكن من اقتطاع أي شكل من أشكال المكوس أو الضرائب عليها، أو من جراء ضعف قنوات وقوانين الشفافية التي تفسح في المجال المزيد من قنوات الفساد والرشوة، التي، على الرغم من ضخامتها بالنسبة لمن يتلقاها في الدول النامية، لكنها تبقى ضئيلة عندما تقاس بالأرباح الفاحشة التي تحققها تلك الاحتكارات الأجنبية.

3. التهرب من الرقابة البيئية والمقاييس الصناعية التي تفرضها، إذ غالبا ما تضع الدول الصناعية الغنية ضوابط بيئية معقّدة تمنع بعض الصناعات من استكمال الدورة الصناعية برمتها نظرا إلى مخالفة بعض حلقاتها قوانين البيئة المعمول بها في تلك البلدان، أو نظرا إلى الأكلاف الباهظة التي يتحملها من يريد التقيد بتلك القوانين، وفي الحالتين تكون المحصلة ارتفاعا في كلفة الإنتاج أو خفضا في نسبة الأرباح، الأمر الذي يدفع تلك الرساميل الباحثة عن أعلى نسب أرباح إلى التفتيش عن مخابئ صناعية لها في أسواق العالم الثالث.

الملفت للنظر أن بعض تلك الأموال قادمة من مصادر خليجية، التي هي الأخرى، وبدلا من الاستثمار الداخلي في أسواقها المحلية، للمساعدة في تقليص حجم الخسائر الناجمة عن تلك الأزمة والتي كان أبرز وجه لها تلك الخسارة التي بلغت نصف تريليون دولار منذ سبتمبر/ أيلول 2008، وفقا لدراسة نشرها البنك الوطني الكويتي، راحت تبحث عن أرباح سريعة في أسواق الدول النامية.

الأمر الذي لا تدركه الرساميل الجشعة الباحثة عن أرباح فاحشة لدورة رأس مال قصيرة، أنها أمام خيارين فاشلين: الأول، هو أن هذه الحالة مؤقتة ولن تقود إلا إلى اندلاع حالة رفض جماهيرية مضادة لتلك الاستثمارات تؤدي في نهاية المطاف إلى تقويض أنظمة الدول الحاضنة لتلك الاستثمارات وهو ما شاهدناه في السبعينيات من القرن الماضي في دول كثيرة انتشرت من شرق آسيا إلى أميركا اللاتينية وكان للشرق الأوسط حصة منه. والثاني هو إفلاس تلك المشروعات نظرا لهشاشتها، وكلتا النهايتين لا تسران تلك الرساميل الناهبة لخيرات الدول النامية.

وكل ذلك يعني ان الدول النامية لن تكون في أفضل الأحوال أكثر من ملاذ مؤقت لتلك الرساميل التي بات حريّا بها الآن أن تقف بجدية أمام أزمتها الداخلية بدلا من أن تصدرها إلى الخارج.

إقرأ أيضا لـ "عبيدلي العبيدلي"

العدد 2443 - الخميس 14 مايو 2009م الموافق 19 جمادى الأولى 1430هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً