يأبى المشهد المصري أن يغادرنا منذ انطلاقة ثورة شباب مصر في 25 يناير/ كانون الثاني الماضي. وهي الثورة التي أظهرت لنا صوراً رائعة لأجمل ما في مصر لتحجب أسوأ ما فيها.
مشهد رائع ذلك الذي غطى شوارع ميدان التحرير في يوم الجمعة الماضي الذي اصطلح عليه الشباب المتظاهرون «جمعة الرحيل»، وكأنهم قرروا جميعاً أن يلتفوا حول مصر العروس ليزفوها لعصر جديد يصنعونه بأنفسهم. فصدحت في أرجاء هذا الميدان الأغاني والأناشيد الوطنية التي لطالما ذكرت العرب وليس المصريين فقط بزمن حب الأرض والوطن والتضحية من أجله... «بلادي بلادي لك حبي وفؤادي/ أحلف بسماها وبترابها/ مصر التي في خاطري وفي فمي أحبها بكل روحي ودمي».
وعلى الرغم من تلبك المشهد السياسي وتعقده في مصر، وتسابق الشخصيات السياسية أو الثقافية المصرية لركوب الموجة وتحقيق سبق ما في عصر الثورة الجديدة، بقي الشباب المصري صانع الثورة الحقيقي صامداً في ميدان التحرير يغني ويرقص على أنغام الحرية، ويعقد جلسات سمر مسائية يناقش فيها مستقبله، ويتعاضد مع بعضه البعض لحماية المتظاهرين المجتمعين، ويوزع الماء وسندويشات الفول والطعمية على المحتشدين، ويوصل المصابين إلى المستشفيات وأقرب مراكز الإسعاف الطبي التي شكلها الأطباء المتطوعون من أبناء الشعب المصري.
وأثناء أداء صلاة الجمعة شكل الشباب المسيحي حائط صد يحمي شباب المسلمين وهم يؤدون الصلاة، في صورة ولا أروع ولا أجمل كنا جميعاً كعرب بحاجة ماسة لمشاهدتها منذ زمن بعيد.
نعم، كانت مصر على الدوام سباقة لتعليم الدروس، وها هي اليوم سباقة في تخريجنا من مدرسة الصمود والتضحية والوحدة والثبات حتى النهاية.
لقد أخرجت هذه الثورة الجديدة أجمل ما في الشعب المصري، وأسوأ ما في نظامه المتهالك من قمع لحرية الرأي والتعبير واستخدام البلطجية والعصابات التي لم تتوانَ عن دهس المتظاهرين تحت عجلات سياراتها وهي تمر سريعاً في ميدان التحرير.
لقد أخرجت مواقف لرموز وقيادات ثقافية وفنية ودينية وسياسية لن ينساها الشعب المصري والعربي، فمهما كان السيناريو الذي ستنتهي عليه هذه الثورة، لا يمكن لعربي أن ينسى هذه المواقف التي برزت في الوقت الأكثر حرجاً في تاريخ مصر المعاصر وحددت بالضبط المعادن الحقيقية لأصحابها.
وقد انتقلت العدوى سريعاً للدول العربية، حتى شهدنا في البحرين عصر يوم الجمعة الماضي وقفة تضامنية حضرها الآلاف من البحرينيين لدعم الشعب المصري وكأنهم أرادوا أن يشاركوا في زف مصر العروس لمستقبلها الجديد. وهي وقفة نقلت عدوى الوحدة نفسها، فقد احتشد البحرينيون على اختلاف انتماءاتهم السياسية وطوائفهم الدينية ليسجلوا موقفاً ورسالة واضحة مؤيدة للشعب المصري في ثورته التي تطالب بإسقاط النظام. والتفتوا صوب السفارة المصرية مخاطبين السفير المصري في البحرين ليخبروه بأن الشعب البحريني يقف مع الشعب المصري ويتوحد معه ويشعر بآلامه وينتفض لانتفاضته ولا يقبل على الإطلاق ما يعانيه من عنف وترويع تزداد حدته يوماً بعد يوم.
موقف سجلته الجمعيات السياسية على اختلافاتها، وسجله نواب الشعب الذين أبى رئيسهم إلا أن يصدر بياناً منفرداً ذا موقف عائم تجاه هذه القضية العربية، فانتفضوا عليه معلنين بأنهم مع الشعب المصري قلباً وقالباً.
ما أجمله من درس صدرته لنا أم الدنيا في هذا الوقت، فعلى الرغم من الجراحات والآلام والفروقات وقف الجميع يهتفون هتافات موحدة لصالح الشعب المصري. ذلك الشعب الذي اتهموه منذ وقت قريب بالعنف بين طوائفه بعد حادثة تفجير كنيسة القديسين في الإسكندرية، فضرب مسيحيو ومسلمو ثورته الشباب في هذا الوقت أروع الأمثال، وساهموا بدمائهم وصمودهم في محو هذه الصورة وتصحيحها.
تلك هي مصر «قلب الأمة العربية» التي يزفها شبابها اليوم كالعروس إلى مستقبلها الجديد
إقرأ أيضا لـ "ندى الوادي"العدد 3075 - السبت 05 فبراير 2011م الموافق 02 ربيع الاول 1432هـ
يا لحلاوة الموقف
ما أجمله من درس صدرته لنا أم الدنيا في هذا الوقت، فعلى الرغم من الجراحات والآلام والفروقات وقف الجميع يهتفون هتافات موحدة لصالح الشعب المصري. ذلك الشعب الذي اتهموه منذ وقت قريب بالعنف بين طوائفه بعد حادثة تفجير كنيسة القديسين في الإسكندرية، فضرب مسيحيو ومسلمو ثورته الشباب في هذا الوقت أروع الأمثال، وساهموا بدمائهم وصمودهم في محو هذه الصورة وتصحيحها.
تلك هي مصر «قلب الأمة العربية» التي يزفها شبابها اليوم كالعروس إلى مستقبلها الجديد
أقبل يديك يا أختي العزيزة على سطورك
لقد وصلت للمصداقية والشفافية وسلم الابداع بأسرع من نظائك في المهنة - وفقك الله
اللهم انصر الثورة في مصر
صار جل همنا مصر والوطن العربي.
نتابع أخباره وتفاصيله متمنين لهذه الشعوب الأبية بالنصر والحرية.
نستأنس إن رأينا كتابنا وقد أقبلت أقلامهم بكل حماسة وايمان لتسطير ماقام به المناضلون في الشعوب العربية دون خوف أو قلق من حساب أو كتاب.
موفقين جميعاً تحرسكم عين الله