في لحظات التغيير الديمقراطي المدفوعة بدينامية شعبية كبرى، ونحن اليوم في مصر نمُر بتلك اللحظات، يُحسب الوقت المتاح للاستجابة الحقيقية لمطالب المواطنين وإدارة الانتقال نحو الديمقراطية بالساعات والدقائق، وليس بالأيام.
أكتب هذا بعد أن نجحنا جميعا كمواطنين لهذا البلد العظيم، وبدور رائع لشباب مصر، في تجاوز اختبار الفوضى والترويع لإعادة صناعة الخوف بيننا ولم تُكسر إرادة التغيير الشعبية، ونجحنا في مواصلة التعبير الجماعي الواضح والصريح عن رغبتنا في تغيير النظام الحاكم وخلق مصر ديموقراطية وحرة وعادلة.
قُضيَ الأمر ولن تُعاد عقارب الساعة إلى الوراء لتجديد دماء السلطوية، بل نقف اليوم وبكل تأكيد على أعتاب مرحلة الانتقال نحو الديمقراطية وأصبحنا مطالبين بإنجاز توافق وطني سريع حول كيفية إدارتها.
أمام النظام الحاكم خلال الساعات القادمة، شريطة أن تحسم المؤسسة العسكرية اختياراتها وتحدد أولوياتها، فرصة لإدارة انتقال آمن نحو الديمقراطية يحمي مصر من شبح مواجهة طويلة بين إرادة التغيير الشعبية، وهي حتماً الغالبة، وبين الرغبة البائسة واللاعقلانية لبعض القوى داخل النظام في مقاومة التغيير. وشروط إدارة الانتقال الآمن هي أن يستجيب النظام الحاكم لمطالبنا المتعلقة:
- بتشكيل حكومة وحدة وطنية حقيقية لإدارة شئون البلاد تضم بجانب العسكريين مدنيين محسوبين على النظام لا ينتمون للحزب الوطني الديموقراطي ولم يتورطوا لا في الترويج لسيناريو التوريث ولا في قضايا فساد، ومدنيين يمثلون كل أطياف الحياة السياسية المصرية وحركات الاحتجاج الشبابية التي فجرت ثورة المواطنين وبعض الشخصيات النزيهة صاحبة القبول الشعبي. وعلى أن تلتزم المؤسسة العسكرية الوطنية بمعونة حكومة الوحدة الوطنية في إدارة شئون البلاد في مرحلة انتقالية لا تتجاوز 6 أشهر.
- حل البرلمان فاقد الشرعية بعد الانتخابات المزورة لمجلسي الشعب والشورى وتكوين هيئة تأسيسية تشريعية، وليس لجنة حكماء، من الخبراء القانونيين المحايدين وممثلي القوى السياسية وقطاعات المجتمع الحيوية من مثقفين وكتاب وفنانين مستقلين للنظر في تعديل الدستور والدعوة إلى انتخابات رئاسية وبرلمانية خلال 6 أشهر من اليوم، شريطة أن يلتزم الرئيس مبارك بعدم الترشح وتنتهي بذلك وعلى نحو آمن وكريم حقبة مبارك الرئاسية. وعلى أن تتضمن التعديلات الدستورية، وكما توافقنا جميعا، تعديل المادتين 76 و77 بفتح باب الترشح للانتخابات الرئاسية وتحديد مدتين رئاسيتين كحد أقصى واستعادة ضمانات نزاهة الانتخابات التي عطلتها تعديلات 2007 المشئومة وضمانات حريات المواطنين وحقوقهم السياسية، وعلى ألا تمس التعديلات الدستورية النصوص والضمانات الحاضرة في الدستور الحالي والمؤكدة على مبادئ مواطنة الحقوق المتساوية بين المسلمين والأقباط والطبيعة المدنية للدولة المصرية وللحياة السياسية.
- إلغاء قانون الطوارئ وتعديل كافة القوانين المقيدة للحريات المدنية والسياسية مثل قانون الأحزاب وقانون مباشرة الحقوق السياسية والقوانين المتعلقة بتسجيل منظمات المجتمع المدني وغيرها على نحو يضمن حرية التعبير عن الرأي وحرية التنظيم ومن ثم يُفعل الحياة السياسية ويسمح للمواطنين الذين صنعوا الثورة بالمشاركة الجادة في إدارة المرحلة الانتقالية واختيار قياداتهم وممثليهم بحرية. فكل ما نراه اليوم من تكالب البعض في المعارضة الحزبية وغير الحزبية على التحدث باسم الشارع والمواطنين هو إلى زوال، ما انفتحت الحياة السياسية ومكن للتواصل الحقيقي بين المواطنين والقوى والنخب المختلفة.
- الاتفاق الملزم على محاسبة كل من تورط خلال أيام الاحتجاجات الماضية في إراقة دماء المصريين وعلى التعقب القضائي للفاسدين من رموز ورجال النظام الذين أثروا على حساب الشعب المصري واستعلوا عليه وعلى إرادته الشعبية، شريطة أن ندرك جميعا كمواطنين نشارك الآن في صناعة حاضر مصر الديموقراطي أن محاسبة وتعقب مريقي دماء المصريين والفاسدين لن تطال عملا جميع المتورطين وأن الجوهري هنا هو وضع ما يكفي من الضمانات القانونية والسياسية لتجنب تكرار ذلك اليوم وغدا.
هذه هي لحظة المؤسسة العسكرية لإدارة الانتقال الآمن نحو الديموقراطية وضمان خروج كريم للرئيس مبارك من الرئاسة وفتح باب الحياة السياسية واسعا امام القوى المختلفة للتنافس على التعبير عن إرادة المواطنين دون ادعاءات وتكالب لا يحترم روعة ما قام ويقوم به كل مواطن مصري.
أكرر حساب الوقت اليوم بالساعات والدقائق وليس الأيام، وأتمنى ألا تفَوت المؤسسة العسكرية الوطنية هذه الفرصة علينا لتجنب مخاطر انتقال غير آمن للديموقراطية سيكلف الجميع الكثير.
إقرأ أيضا لـ "عمرو حمزاوي"العدد 3073 - الخميس 03 فبراير 2011م الموافق 29 صفر 1432هـ