رضوان مصمودي- رئيس مركز دراسات الإسلام والديمقراطية ومركزه واشنطن العاصمة، والمقال يُنشر بالتعاون مع
30 يناير 2011
شهدت تونس ثورة ديمقراطية خلال الأسابيع الماضية، ويشكل ذلك حقبة جديدة مثيرة في تاريخ تونس، ومثالاً يحتذى به للدول الأخرى في العالم العربي.
إلا أن ذلك ولسوء الحظ، بدأ عندما أحرق خريج جامعي عمره 26 سنة نفسه يوم 17 ديسمبر/ كانون الأول 2010 في ساحة مدينة سيدي بوزيد الرئيسية جنوبي تونس، حيث توفي بعد أيام قليلة.
تبعت ذلك الحدث مظاهرات وصدامات يومية مع الشرطة، سرعان ما انتشرت إلى مدن أخرى. ركزت مطالب المتظاهرين في البداية على القضايا الاقتصادية مثل الحد من البطالة والفقر، ولكنها سرعان ما أصبحت سياسية، تشجب الفساد وتطالب بالمساءلة وحرية التعبير وحكومة تمثل الشعب.
كانت الغالبية الكبرى من المظاهرات سلمية يتراوح حجمها بين بضع مئات إلى ما يزيد على 40،000 متظاهر. لم تتوقع الحكومة والمعارضة والخبراء في الوضع التونسي حجم هذه المظاهرات التلقائية وقوتها أو شدة مطالبهم السياسية.
تتم الإشارة إلى تونس غالباً بأنها «التلميذ الخلوق» للبنك الدولي وصندوق النقد الدولي، حيث تمتعت بنمو اقتصادي مستدام خلال السنوات العشرين الماضية، وهو أمر ملفت للنظر بالمقاييس العربية، حيث حققت معدل نمو سنوي بلغ 5 في المئة. إلا أن «غنائم» هذا النمو لم يتم اقتسامها بشكل عادل متساوٍ بين كافة قطاعات الدولة وأقاليمها.
كما يستشري الفساد، بحيث يسيطر عدد قليل من الأسر والأفراد على نسبة متزايدة من الاقتصاد. ويتحدث التونسيون يومياً كيف أن «عشيرة الطرابلسي»، وهي أسرة زوجة الرئيس، هي فوق القانون، وتسرق بالقوة الأراضي والممتلكات الخاصة والعامة.
وتشير الأرقام الرسمية إلى أن معدل البطالة هو 14 في المئة، إلا أنه يقّدر أن هذه النسبة تصل إلى 34 – 36 في المئة في أوساط خريجي الجامعات الذين يبلغ عددهم نحو 85،000 خريج سنوياً.
قرر الشباب وقد سئموا هذه الأوضاع أن يأخذوا زمام الأمور بأيديهم. أعلن نصف سكان تونس الذين لم يبلغوا الخامسة والعشرين من عمرهم أن «وصل السيل الزُبى»، وخرجوا إلى الشارع مطالبين بتغييرات فورية.
لم تقنع وعود الرئيس التونسي زين العابدين بن علي بإيجاد 300،000 وظيفة جديدة خلال السنتين المقبلتين، وضمان وظيفة لكل خريج خلال سنتين من تخرجه ودخوله سوق العمل، لم تقنع كما يبدو المطالب الشعبية بإصلاحات رئيسية، خاصة على المستوى السياسي. قام بن علي يوم 12 يناير/ كانون الثاني 2011 بإغلاق الجامعات والمدارس كافة إلى أجل غير مسمّى واستدعى الجيش وأعلن عن إطلاق سراح جميع السجناء ومباشرة التحقيق في اتهامات الفساد. ولكن الأوان كان قد فات، وتنحى بن علي يوم 14 يناير 2011.
أصبحت المعارضة الآن مشحونة وموحدة بشكل لم يسبق له مثيل. استغلت الحكومة في الماضي الخلافات بين القوى الإسلامية والعلمانية للحفاظ على المعارضة ضعيفة ومفرقة، ولكن التونسيين يمقتون العنف والتطرف ولا يريدون حكومة ثيوقراطية خاضعة لحكم رجال الدين. ما يريدونه ويستحقونه هو نظام حكم ديمقراطي يرتكز على قيمهم وهويتهم الإسلامية.
يبدو أن قادة المعارضة تغلبوا أخيراً على مخاوفهم من النظام وانعدام الثقة ببعضهم بعضاً، وأصبحوا على استعداد الآن للعمل معاً من أجل الإصلاحات السياسية والاقتصادية. يدرك التونسيون من جميع المستويات أن ازدهار غالبية الشعب أو التنمية الاقتصادية التي تعود بالفائدة على الجميع لن تكون ممكنة في غياب الإصلاحات السياسية وسيطرة محكمة على الفساد وحكومة تمثل الشعب قابلة للمساءلة تصغي للناس وتحمي حقوقهم ومصالحهم.
لقد بدأت قوانين اللعبة بالتغيّر. يتوجب على الحكومة المؤقتة أو أية حكومة مستقبلية أن تنتبه عن كثب للرأي العام والمشاعر الشعبية. وهم يعدون بالسماح قانونياً لجميع الأحزاب السياسية وتنظيم انتخابات حرّة نزيهة بوجود مراقبين دوليين خلال مدة أقصاها ستة شهور. وهم يعدون كذلك بإصلاح النظام السياسي للسماح بالمزيد من الشفافية والمساءلة. وقد جرى تذكير المسئولين الحكوميين بأن مهمتهم خدمة الشعب. لنرى ما إذا كان بإمكانهم لعب هذا الدور.
لدى رؤية نجاح قوة الشعب في تونس، من المحتمل جداً أن تطالب شعوب عربية أخرى بحقوق وإصلاحات مماثلة خلال الشهور والسنين المقبلة. هناك تقارير حول تضحيات ذاتية من أناس في الجزائر ومصر وموريتانيا، يأملون أن يُسمع صوتهم وأن يضعوا بلادهم على الطريق نفسه الذي سارت به تونس. يتوجب على القادة العرب أن يقوموا بالإصلاح أو يواجهوا شعوبهم.
لقد خرج جنّي التغيير الديمقراطي من القمقم.
العدد 3069 - الأحد 30 يناير 2011م الموافق 25 صفر 1432هـ
لقد خرج جنّي التغيير الديمقراطي من القمقم.
لدى رؤية نجاح قوة الشعب في تونس، من المحتمل جداً أن تطالب شعوب عربية أخرى بحقوق وإصلاحات مماثلة خلال الشهور والسنين المقبلة. هناك تقارير حول تضحيات ذاتية من أناس في الجزائر ومصر وموريتانيا، يأملون أن يُسمع صوتهم وأن يضعوا بلادهم على الطريق نفسه الذي سارت به تونس. يتوجب على القادة العرب أن يقوموا بالإصلاح أو يواجهوا شعوبهم.