نبيل علي صالح - كاتب من سوريا، والمقال ينشر بالتعاون مع «مشروع منبر الحرية www.minbaralhurriyya.org»
تحوز على الاهتمام الأكبر والحيز الأهم من أحاديث الناس ونشرات الأخبار في عالمنا حالياً، وربما سيمضي وقت طويل قبل أن يبدأ الناس بنسيان هذه الجرعات الوثائقية - إذا جاز التعبير- التي تلقوها مؤخراً حول عدد من الأحداث والشئون السياسية والاقتصادية التي تم تسريبها من خلال نشر وثائق سرية عائدة لوزارة الخارجية أو وزارة الدفاع الأميركية (سربت بداية 450 ألف صفحة، ولاحقاً نحو 250 ألف صفحة.. والحبل على الجرار...)، وهذه الوثائق والبرقيات المسربة تمثل - بشكل أو بآخر- تصورات وآراء وتحليلات لعدد من السفراء والدبلوماسيين وخبراء السياسة الأميركية، حول عدد كبير من الأحداث العالمية والشئون الدولية المتعلقة بهذه الدولة وذاك الزعيم، وبهذا الموقع أو تلك الشخصية السياسية... الخ. وقد ألقت تلك الوثائق الضوء على الكثير من المعطيات والوقائع حول الحرب في كل من العراق وأفغانستان، وحول طبيعة السياسة الخارجية لبعض القوى الدولية الكبرى كأميركا وفرنسا وبريطانيا، وأيضاً روسيا والصين وحتى إيران وبعض دول الخليج العربي.
لا تزال ما سميت بـ «فضيحة ويكيليكس» وفي ظني أن من أهم أسباب انكباب الناس على متابعة وملاحقة أخبار تلك الوثائق، وما تضمنته من روايات وفضائح وممارسات شنيعة، هو أن مجتمعاتنا البشرية باتت - من جراء قيام الدول كلها وخاصة الكبرى منها باعتماد سياسة الكواليس واللعب تحت الطاولة - غير قادرة في كثير من الأحيان على فهم وملاحقة سياسات حكوماتها اتجاه كثير من الأحداث والتحولات والمتغيرات الدولية، وخاصة ما يتصل منها بشئونها الداخلية، كما أنها ملت من سياسة الكواليس وما يجري وراء الستار وما وراء الكاميرات من صفقات وعقود وبيع وشراء وغيرها، وهي وجدت في تلك الأوراق والوثائق المسربة ما يمكن أن يشبع نهمها وفضولها وشبقها لمعرفة بعض الحقائق والخفايا المتعلقة بمجتمعاتها وكيفية تفكير قادتها وزعاماتها، وموقفهم من بلدانهم، وماهية نظرتهم لأبناء مجتمعاتهم... والخ، وخاصة في دول العالم العربي والعالم الثالث عموماً، حيث إن السياسة الحقيقية الرسمية المعتمدة من قبل حكام تلك البلدان هي السياسة المحجوبة عن الناس التي تتم خلف جدران ونوافذ مغلقة كلياً، والبعيدة عن التصريحات المعلنة الطنانة الرنانة التي لا انعكاس إيجابياً لها على الحياة الداخلية لتلك المجتمعات.. بل على العكس من ذلك، يعلم المواطن أو الفرد العربي (فالمواطنية شبه معدومة في عالم العرب والمسلمين) أن العالم الداخلي الحقيقي للكثير من قياداته ونخبه الحاكمة سياسياً والممسكة بمفاصل وركائز مجتمعه اقتصادياً واجتماعياً، هو عالم مليء بالأسرار والأحجيات والتعقيدات، ولا يمكنه الاطلاع حتى على أجزاء يسيرة وبسيطة منه إلا من خلال تلك التسريبات التي يمكن أن تحدث بين الفينة والأخرى من خلال ما تطلقها المواقع الدولية في العالم الديمقراطي الغربي هنا وهناك... لأن ما يجري في داخل القصور والغرف الرئاسية المغلقة لكثير من الأمراء والملوك والحكام العرب هو شيء سري للغاية خاص بهم، ولا علاقة للشعب والناس به لا من قريب أو بعيد، لا من حيث الأموال المصروفة والإنفاقات الهائلة غير المحسوبة، ولا من حيث طبيعة المداولات والقرارات المصيرية المتخذة في غير مكان وموقع، والتي قد يلعبون من خلالها بمصائر شعوبهم وأمن ومستقبل مجتمعاتهم، كما هو حاصل بالفعل!...
إن الناس في مجتمعاتنا العربية والإسلامية تريد أن تعرف فعلاً حجم الفضائح والصفقات والارتكابات والتورطات التي تفضح زعامات وشخصيات بلدانها المرموقة (السياسية والاقتصادية) التي تقول لها معسول الكلام في العلن وأمام الكاميرات، وتتحدث نقيضه وراء الكواليس عند عقد الاجتماعات مع دبلوماسيي وقادة الدول الكبرى...
لقد أضحى عالم الإنسان المعاصر - نتيجة أخبار وصور الدمار والعنف والحروب وسياسات الحجب والإخفاء وممارسة سياسة الكذب على الناس والشعوب - عالماً مضجراً ومزيفاً، وأصبح المسرح الكوني الإنساني مملاً بلا معنى وآفاق مفتوحة، وهو لا يزال يبتعد شيئاً فشيئاً عن الرؤية الهدفية والغائية الإنسانية التي محورها وأساسها خدمة الإنسان ومحاولة بناء عالم إنساني أرقى وأمثل وأكثر شفافية ووضوحاً وصدقية، عالم يستطيع فيه كل إنسان أن يعرف ويطلع على كل ما يجري حوله من تحولات وأحداث تتعلق بمصائره الكونية بشكل واضح، وخاصة ما يجري من تلك الأحداث خلف الكواليس المظلمة والغرف المغلقة والأقبية والمطابخ السرية الخاصة بكيفية صناعة القرارات الدّولية.
وقد أثبت هؤلاء الناشرون لتلك الوثائق فعلاً لا قولاً -وبقطع النظر عن كيفية وآليات تسريبها، ومن ساعدهم في الوصول إليها، وعن القصدية أو العبثية في نشرها- أن الديمقراطية لا تزال هي الفكرة الإجرائية الأصح والأحسن لإدارة الشأن العام، وبناء مجتمعات متطورة، وأنها النظام الأكثر ضمانة في العالم لمعاملة الناس بصورة يمكن معها تحريض وإثارة أجمل ما فيهم من خصال وقيم وطاقات بهدف العمل المنتج الخلّاق، ودفعهم للبناء الإيجابي، ومعاملتهم بشيء من الوضوح والشفافية والصدق.
وأن من حق هؤلاء الناس جميعاً أن يطلعوا على حقائق واستراتيجيات سياسات حكوماتهم، وطبيعة تفكيرها، وأن يعوا طبيعة تفكير قادة بلدانهم بعيداً عن سياسات الحجب وإجراءات المنع وآليات الرّدع المتبعة حتى الآن، لأن النظام الديمقراطي القائم أساساً على الحرية ومشاركة الناس في صنع القرار السياسي لبلدانها من خلال النواب والممثلين المنتخبين ديمقراطياً- لا يجتمع أبداً، بل يتناقض كليةً مع ممارسة سياسة إخفاء مئات آلاف الوثائق المتعلقة بمصيره ومستقبل مجتمعه، والتي تكلفه (كناخب) أو كدافع ضريبة مليارات الدولارات من جيبه وعرقه وجهده.. وهو يحتاج باستمرار -وهذا حق له يضمنه الدستور الديمقراطي- إلى أن توضح له حكوماته سياساتها الخارجية، والمواقع التي تقوم بصرف أموال الدولة فيها بكل شفافية وصدقية كما ذكرنا.
إقرأ أيضا لـ "منبر الحرية"العدد 3066 - الخميس 27 يناير 2011م الموافق 22 صفر 1432هـ
ا
الله اكبر
وووااااااااااااااا
الله يعين الي كتب الجريدة و الي قراء الجريدة بصراااااحة يعجبني الاخبار بس مو هل شدي حراااام عليكم بس الي الي قراء n
وووووششش
باااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااالللللللللل وش كل هذه من يقدر يقراء كل هذه الكتيبة