بعيدا عن بعض الانتقادات غير المسئولة التي طالت أغلب الأفلام البحرينية المشاركة في الدورة الثانية لمهرجان الخليج السينمائي المنعقد في أبريل/ نيسان الماضي، كان هناك شبه إجماع بين أغلب من حضروا المهرجان من صناع أفلام شباب أو من نقاد ومتخصصين حول جدية تلك المحاولات وحول مستوى الوعي العالي الذي يحمله الشباب البحريني برسالة السينما وأهميتها في نقل قضايا الواقع وشئونه.
لسنا هنا بصدد عرض تلك الانتقادات التي اتهمت البحرينيين بتشويه واقعهم وما شابه ولا الرد عليها، فقط يمكن القول إنها انتقادات غير مسئولة وغير ناضجة ولا تنم عن وعي كافٍ بأهمية السينما!! فأفلام شبابنا التي دخلت المسابقة أو التي عرضت على هامشها والتي لم يزد عددها عن التسعة، كانت الأكثر تميزا والأكثر إثارة للجدل الإيجابي.
«غبار» عبدالله السعداوي ومحمد جناحي أثار الجدل، قيل إنه «غريب مرة» في الأسلوب والطرح والتكنيك. «ياسين» جمال الغيلان طرح جدلا آخر ولامس هموما كثيرة ثم أثار حفيظة المنتقدين وما أقلهم. «بالأمس» كان مفاجأة عمار الكوهجي للمهرجان ولجميع المهتمين بالأعمال البحرينية، «البشارة» عمل شاعري آخر من محمد راشد بوعلي، وبشارة أخرى من مخرج ذي قدرات واعدة.
«القفص» عمل جميل من حسين الرفاعي، الذي لم يتسنَ له حضور المهرجان. «السدادة» الذي لم يتعدَ طوله الدقائق المعدودة، عمل جريء ذكي رزين ينبئ بمستقبل سينمائي باهر لطالبة العلوم السياسية عائشة المقلة. «مريمي» إخراج مميز لعلي العلي وإسهام آخر للعمران ميديا.
كل الأعمال البحرينية، التي ذكرت أو التي لم يسعفني الحظ لمشاهدتها، كانت مميزة بشهادة الجميع، وليست تلك مجاملة أو تملق لأي أحد. نعم عرض الكويتيون أفلاما «أثارت الجدل» لكنه كان جدل من نوع آخر. السعوديون أيضا قدموا أعمالا ذات مستوى جيد، ربما بدا بعضها ارتجاليا لم يتم الإعداد له بشكل جيد، لكنهم أمتعوا مشاهديهم بطرافة محببة، بخفة ظل مميزة، وبذكاء في انتقاد واقعهم. الإماراتيون أيضا أدهشوا الحضور بأعمالهم، ربما يعود ذلك للدعم الكبير الذي يتلقاه هؤلاء الشباب وللتدريب والرعاية التي يحصلون عليها من هيئة دبي للثقافة والفنون.
لكن مهما يكن من أمر، فقد تميزت أعمال البحرينيين وجاءت مختلفة تماما، ربما لأن واقعهم مميز، ومختلف في همه ومرارته. هم السعودي كان قيود المجتمع وضغوطه التي لا تنتهي، هم الإماراتي كان القدرة على حماية نفسه وسط أجواء الانفتاح المفرط فيها، وربما حماية تراثه والتغني به. الكويتي لم يبدُ وكأنه يحمل كثيرا من الهموم، لكن البحريني بدا صاحب هم كبير، ما جعل البعض ينتقد صدقه في نقل همه إلى الشاشة. بدا مختنقا بالفقر، بكل درجاته، بالتمييز، بالمحسوبيات، بهموم الإسكان والكهرباء، بالتجنيس، بالردم الجائر، بلقمة العيش.
الجميل والمشرف هو أن أغلب أفلام البحرينيين مثلت المحاولات الأولى لبعض الشباب الذي يطرق باب الإخراج لأول مرة، وهي على رغم تفاوت مستوياتها إلا أنها جاءت معبرة عن جدية في الطرح لمسها الكثيرون.
الأجمل من ذلك كله هو الروح الرياضية العالية التي تقبلت «عدم الفوز»، رغم بعض التوقعات، الروح التي حملها المشاركون، وهم الذين عادوا من المهرجان وهم يحملون ويحلمون بمشاريعهم المستقبلية وربما بمشاركتهم القادمة في الدورة الثالثة للمهرجان ذاته.
الأفلام البحرينية، بصراحة، «مرة غير»!
إقرأ أيضا لـ "منصورة عبد الأمير"العدد 2442 - الأربعاء 13 مايو 2009م الموافق 18 جمادى الأولى 1430هـ