شبكات التجسّس الصهيونية في لبنان بلغت ثماني شبكات منذ نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي. تركّز جلها حول الحزام الأمني للمقاومة وقياداتها وجزء من مناشط الدولة. بعضها وصل في رصده للأهداف مديات متقدمة، وآخرون أقلّ من ذلك، لكنها جميعا تُحملق في ذات الاتجاه.
بدأت من علي ويوسف الجرّاح، ثم مروان فقيه، ثم تمدّدت أفقيا، من السلطانية إلى دير انطار، وبلدة الحبوش، فالعميل السحمراني، ثم روبير إدمون كفوري، ثم علي حسين منتش، أعقبها محمد عوض، ثم صاحب باص رميش، ثم أديب وجوزف العلم وحياة الصالومي، مرورا بالثلاثي من آل بزي، ثم شبكة محمود وحسين شهاب وزوجة الثاني منى قنديل.
رسالة تل أبيب بعد إعلان لبنان كشفه لعدد من شبكات التجسّس المذكورة، كانت قرارا لرئيس الحكومة الصهيونية بنيامين نتنياهو بتجديد ولاية رئيس جهاز الاستخبارات (الموساد) مائير داغان لسنة ثامنة!.
الرسالة هي شارة حَرب تحمل أبعادا مختلفة. الأول: إصرار العدو على نهج اختراق الأنظمة العربية بذات النهج السابق، كما فعلها مع مصر في السنوات الأخيرة. ففي بحر عشرة أعوام جنّد الكيان الصهيوني خمسة من العملاء داخل الأراضي المصرية.
والثاني: تعبيد الطريق لأية عمليات حسّاسة قد يقوم بها الجيش الصهيوني ضد بنية المقاومة اللبنانية بغرض ترميم صورة جيش الدفاع من جديد بعد خسارته في عدوان تمّوز وعدم قدرته على قضم المقاومة عسكريا وأمنيا كما يجب.
والثالث: هو اللعب على أرض الخصم لإبعاد الضرر عن المركز. هذا الوضع وصّفه إيهود باراك قبل أقلّ من شهر عندما قال «نحن الدولة الأقوى في الشرق الأوسط وعلى مسافة 1500 كلم حول القدس، أثبتنا ذلك في العامين الأخيرين، في الشمال وفي الجنوب وفي أماكن أخرى».
تل أبيب لم تعد تستخدم موقفا رماديا بشأن تبنّيها لشبكات التخابر ضد الدول العربية كما هو الحال في مفاعل ديمونة النووي؛ بل إنها باتت تتصرف وكأنها في حِلّ من أية التزامات إقليمية أو دولية ما دامت ظروف المعركة تتطلب اختراقا استخباراتيا في أي اتجاه كان.
قبل أيام قال الرئيس السابق لشعبة الموساد في لبنان إليعزر تسفرير «إزاء الوضع في لبنان لا يمكننا إلاّ تكثيف النشاط الاستخباراتي على مختلف الأصعدة، والأمر لا يقتصر على تجنيد عملاء إنما أيضا تطوير المعدات الاستخباراتية الحديثة وبينها طائرات من دون طيار».
بل واصل حديثه بشكل فج عندما قال «لا شك في أن الذين يتم تجنيدهم للعمل مع (إسرائيل) يدركون تماما أن الموساد لا يمنحهم بوليصة تأمين على الحياة وأن احتمال الكشف عنهم أمر وارد. ومن جهة (إسرائيل) لا يمكنها في مثل هذا الوضع أن تفعل شيئا سوى تجنيد المزيد والبحث عن بدائل لمن ضبطوا».
إذا التلبّس قائم. والاعتراف بالجرم مشهود. والإصرار عليه مُعلَن. ولأن لبنان عضو في جامعة الدول العربية تبقى هناك التزامات عربية تجاهه يجب أن تُفعّل. ولأنه عضو في منظمة المؤتمر الإسلامي فالموضوع كذلك أيضا.
ولأنه عضو في منظمة الأمم المتحدة فعلى هذه المنظمة أن تقول شيئا، وعدم حصر المواقف في خرق القرار 1559 و1701 من أطراف الصراع غير الكيان الصهيوني. فالاختراقات لا يُمكن أن تصطبغ بالحُرمة حينا وبالحلّيّة حينا آخر، فضلا عن كون الأمر قائما بين مُعتدٍ ومُعتَدَى عليه.
أمر آخر يتوجّب إثارته. فتل أبيب استخدمت أراضي دول أوربية لتجنيد عملائها، وسلّمتهم أجهزة اتصال متطوّرة وحسّاسة وأموال. وهو تصرّف معادي تجاه بلد صديق وعضو في الرابطة الفرانكفونية. لكن القضية على ما يبدو أكثر بساطة عند هؤلاء.
إقرأ أيضا لـ "محمد عبدالله محمد"العدد 2442 - الأربعاء 13 مايو 2009م الموافق 18 جمادى الأولى 1430هـ