أذكر أن أحد النواب قال قبل فترة وجيزة حينما كنت في إحدى التغطيات الصحافية «إذا لم نتحرك سريعا ستضيع بيوت الإسكان على أهل السنة»، طبعا النائب الكريم كان يتحدث عن إسكان القرى الأربع «بمحاذاة النويدرات»، حينها لم أستغرب ما قال لأنني أعلم - للإنصاف - أن هناك من الجانب الآخر من يرفع صوته بذات الكلمات، وهي بلا شك كلمات طائفية بغيضة مدانة وبعيدة كل البعد عن مبدأ المواطنة الذي يقوم أساسا على العدالة الاجتماعية وتكافؤ الفرص.
المستغرب في الأمر كله أن هذا النائب وغيره من النواب يتشدقون دائما بأنهم نواب وطنيون بل هم الأحرص على الوطن من كل من في البحرين، غير أن المنطق الحقيقي الذي يدين به أمثال هذا النائب لا يمت بصلة لا للبحرين ولا لأهلها، فبيوت الإسكان في النويدرات بعد مضي حوالي 14 شهرا على جهوزيتها مازالت غير موزعة على مستحقيها من القرى الأربع رغم أن العشرات منهم يعيشون في ضيق من الحال والمكان، وبعضهم مازال يعيش مع أبنائه في غرفة واحدة، وكل ذلك مآله أن أحد النواب يريد أن ينتزعها لنفسه وليس حتى للأهالي، لأنه لا يريد أن تضيع عليه الدائرة في الانتخابات القادمة، وقد اصطف معه - للأسف - كثير من النواب بدعوى الدفاع عن أهل السنة، ولست أدري ما علاقة السنة والشيعة في بيوت إسكانية لا يتجاوز عددها 230 بيتا إسكانيا.
لن أتحدث عن الحجج الواهية التي يسوقها مساندو «هورة سند»، لكنني أتساءل هل أتى على البحرين اليوم الذي ندعو فيه علانية جهارا نهارا لبناء مدرسة للسنة لا تقبل بين طلبتها «طفلا شيعيا»؟، أو مركزا صحيا للشيعة لا يعالج فيه «كهل سني»؟
وهل جاء اليوم الذي نرفض فيه محاسبة الفساد والسرقات لأن من قام به شيعي أو سني؟
ولعلي هنا أشير إلى الاصطفاف الطائفي الذي أصدر حكمه بالبراءة على وزير الصحة فيصل الحمر، ولم يلتفت إلى أن من قد يتلوى بنار سوء الخدمات الصحية أو من قد يفارق حياته نتيجة أخطاء طبية قد يكون من أهله أو من عشيرته أو من طائفته حتى، ولست أدري لأية شريعة يحتكم بعض هؤلاء حينما يرفضون مجرد إدانة السرقات والتعدي على المال العام والاستهتار بأرواح الناس، نحن ضد أي استهداف شخصي للمسئولين والوزراء ولسنا الجهة التي تصدر حكمها على الوزير بالإدانة أو البراءة، لكننا ضد أن يتم التعاطي مع أرواح المواطنين بهذا القدر من الاستهتار والوقوف جنب الفساد عيانا جهارا لأن الوزير الفلاني من طائفته أو من عائلة مقربة للسلطة والحكم. لن نتهم أحدا لكننا نقول للكل حكّموا ضمائركم، وتذكروا يوما لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم.
نحن ندرك تماما أن الحال بصورته الحالية سيبقى أمدا طويلا لأننا نعلم أن هناك من يسهر الليل ليخطط وينفذ ما يريد لتقسيم البحرين إلى كنتونات طائفية لأهداف مقيتة، ويبدو هناك من يأتمر بأمر هؤلاء، وهم مصرون على المضي قدما في تخريب البلد والوصول بها إلى مهاوي الخراب، لأن مصلحتهم الشخصية فوق كل شيء... بما فيه البحرين!
نقولها بالفم الملآن إن من يريد للبحرين أن تستمر في مستنقع الطائفية الآسٍ، قد ينجح في مساعيه، لأنه يغدر ويفجر، لكنه سيبقى مسبة لدى أهل البحرين، أولئك الذين التصقت أبوابهم ببعض سُنة وشيعة على مدى السنوات والعقود الماضية، وإذا ما عشنا اليوم في هذا الوضع الطائفي وظن البعض أنهم قادرون على تفتيت أهل البحرين من هذا المدخل فهم واهمون، لأن حقائق التاريخ والجغرافيا ستبقى ذاتها، وسيظل الأصيل أصيلا والدخيل على ما جاء.
نذكّر الجميع أن الوطن لا يتحمل المزيد من الغلو الطائفي، وإذا كان البعض غير قادرٍ على تجاوز عقدة الطائفية، فإننا نقول لهم أبعدوا البسطاء عن ناركم، اتركوا الإسكان والصحة والتعليم توزع بين البحرينيين وفق المواطنة العادلة بدلا من الأجندة الطائفية التي سيبقى حتى الرابح فيها خاسرا أقله حينما يأتي يوم حساب رب العالمين.
إقرأ أيضا لـ "حسن المدحوب"العدد 2442 - الأربعاء 13 مايو 2009م الموافق 18 جمادى الأولى 1430هـ