العدد 2442 - الأربعاء 13 مايو 2009م الموافق 18 جمادى الأولى 1430هـ

حرية التعبير وتحديات العمل الصحافي

هادي حسن الموسوي comments [at] alwasatnews.com

حرية التعبير تعد سمة من سمات المجتمع المتقدم، وعلامة من علامات النضج المجتمعي في العصر الحديث، وذلك مرتكز على حزمة ضخمة من المدركات القانونية والحقوقية والاجتماعية والأخلاقية والسياسية في العقل الباطن لكل فرد وذلك ما شرعته المادة 19 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان.

الحرية التي ينادي بها الفرد المجتمع المتقدم، لا تتعدى حدود مفهوم الحرية على نمط «الحرية التي تنتهي حدودها عندما تبدأ مساحة حقوق الاخرين» كمفهوم عقلائي منطقي متوازن.

هذه الحرية لها متعلقات، تتعدد بتعدد الحقول التي تقترن بها الحرية كممارسة في حياة الانسان؛ فهناك حرية التعبير وحرية الصحافة وحرية الرأي والتنقل والتفكير والانتماء والتصرف وممارسة الطقوس وحرية الاختيار، وكلها حريات لا تنفك عن حاجة الإنسان العاقل، الحر. فمفردة الحرية عريقة تأريخيا، وعراقتها ضاربة في عمق التجربة الإنسانية؛ وهي آفة العبودية، والتقييد، والضييق.

وبالتركيز على حرية الصحافة، يتعين التعرض للحدود التي رسمت كمحددات للعمل الصحافي، وهذه المحددات تتفرع عن شبكة معقدة من التفريعات المتشابكة والتي يجب أن توفر الحد الممكن لضمان سلامة العمل الصحافي من الوقوع في محذورات التعدي على الاخرين.

هذه الحدود تتصل أساسا بطبيعة المجتمع ومستوى الوعي الثقافي والفكري والعلمي لدى أفراده؛ وتتأثر سلبا أو إيجابا بدرجة الاستيعاب لدى المجتمع بكل مكوناته، الرسمية والشعبية، بضرورة إطلاق العنان لنمو الحراك الاعلامي عوما والحراك الصحافي خصوصا.

ومجتمعنا يدرك تماما ويؤمن بأن الصحافة هي «السلطة الرابعة» أو «العين الثالثة»، وأنها تساهم في عمل السلطات الثلاث التي تبنى الدولة الحديثة على أساسها، النظام الذي يقود المجتمع الإنساني إلى مرحله التقدم والوعي السياسي والاجتماعي والثقافي والفكري. ومن هذا الإدراك والإيمان فإن مجتمعنا يتأقلم مع ما نصت عليه المادة 23 من دستور مملكة البحرين «حرية الرأي والبحث العلمي مكفوله، ولكل إنسان حق التعبير عن رأيه ونشره بالقول أو الكتابة أو غيرها...» وينمو سلوك المجتمع وممارسته على أساس سعة الإطار الدستوري الذي منح حرية التعبير وفتح أفقه بشكل معقول.

وعندما نجري مقاربة بين ما نصت عليه المادة الدستورية آنفة الذكر من حرية الرأي والتعبير من جهة وبين ما تنص عليه المادة رقم 27 من قانون الصحافة الذي جاءنا كمرسوم بقانون رقم 47 من جهة أخرى، والتي نصها «تؤدي الصحافة رسالتها بحرية واستقلال، وتستهدف تهيئة المناخ الحر لنمو المجتمع وارتقائه بالمعرفة المستنيرة وبالإسهام في الاهتداء إلى الحلول الأفضل في كل ما يتعلق بمصالح الوطن وصالح المواطنين» فإنه يتضح جليا أن الأفق الرحب، الذي نصت عليه المادة الدستورية وأكدت عليه مادة المرسوم بقانون واللتان كانتا متناغمتين ومنسجمتين، فإنه يلاحظ أن هناك مقيدات وتحديات تكشف عنها الممارسة على الأرض، تتمثل في عدد القضايا التي يرصدها المراقبون من محاكمات قضائية للصحافيين، وفصل تعسفي لهم بسبب آرائهم، وقيود يضعها الرقيب في المؤسسة الصحافية ذاتها على عمل الصحافي في كل يوم.

هذه القيود تستند إلى مواد ولوائح ومقيدات وأحكام إدارية تصدرمن هذه الصحيفة أو تلك، فتعمل على تشويه الصورة التي ينبغي أن نسعى في البحرين لتكريسها وتعميمها باعتبارها واحدة من محفزات الانتقال من حال الصحافة اليوم إلى مرحلة الصحافة المستقبلية التي لن يكون فيها مجال للحد من انتشار المعلومة، ولن يكون الخبر مقيدا بقيود السلطة، كما أن الرأي فيها هو سيد الموقف.

فالقيود والممنوعات التي توضع أمام العمل الصحافي، يمكن أن نجد لها مبررا في المراحل الأولى للعمل الصحافي، في بداية القرن السابع عشر الميلادي عندما بدأت ماكينة الصحافة في التحرك في أوساط المجتمع الغربي، وذلك عندما سيطر أصحاب المال والسلطة على مكونات المواد الصحافية الإعلامية، كجزء من القوة التي تضاف إلى قوة السلطة. وعندما بدأت تعمل ماكينة الصحافة تعمل في بلادنا العربية في بداية القرن العشرين، مرت هي الأخرى بذات المرحلة الأولى التي مرت بها الصحافة في الغرب. ولكن لا مجال لأحد اليوم بعد تعدد وسائط الاتصال والتواصل والإعلام في شكل عنكبوتي معقد ومتشابك، يصل أي شيء فيه إلى أي مكان، ولا يمكن لأي مكان أن يمنع أي شيء من الوصول إليه.

وعندما احتلت وسائط الإعلام المسموع «الراديو» والمرئي «التلفزيون» والأقراص المدمجة، والإنترنت، والأقمار الصناعية، وبرامج تمنع الوصول، وبرامج تمنع منع الوصول، كل هذا التقدم احتل مكانا على خارطة التواصل الجماهيري، أصبحت القيود المضروبة على الصحافة لا قيمة لها أو لربما قلت قيمتها مع وجود كل هذه الوسائط الحرة وشديدة التلقائية.

كل هذه الوسائط المتعددة والمتجددة، بسرعة مذهلة، بفضل ثورة الاتصالات، جعلت من العالم «قرية كونية»، يمّكن عبور كل الحدود بنقرة اصبع واحدة، فإنه لم يعد قيمة للقيود التي توضع أمام الحراك الصحافي وتضييق مساحات الحرية فيه، وخصوصا أن نتائج معادلة المنع والتقييد تصبح بعد ذلك عكسية، فالمعلومة إذا ما وجدت لها مكانا في الصفحات المقروءة فإنها تنتهي بإنتهاء تأريخ صدورها؛ أما إذا ضاقت بها تلك الصفحات، فإنها ستحتل مكانا تتسع له الحدود والآفاق، وستصل إلى العالم في لحظة زمنية، من دون حاجة الى عبور الحدود الجغرافية التقليدية، ولن يكون هناك مجال لحدها أو الوقوف قبالها لأنها قد عبرت القارات ونقلت ما لا يمكن نقله من خلال صفحات الجرائد. ولذا فإن الصحافة اليوم، تصل إلى قرائها من خلال النسخة التقليدية المطبوعة التي يتداولها القراء، وتصل لهم عبر شاشات الأجهزة الكمبيوترية المحمولة، بل وعبر أجهزة الهواتف النقالة.

ولابد من ملاحظة الاهتمام الدولي الكبير الذي توليه الكثير من الجهات الرسمية والأهليه والدولية للبحرين، والنابع من حقيقة تمتع البحرين بمميزات طبيعية وجغرافية وسكانية وسياسية وبشرية وغيرها، تؤهلها لأن تكون أنموذجا بالنسبة إلى كثير من المنظومات السياسية الاجتماعية في العالم.

إن إمكان تحقق البرامج في مجتمع عربي صغير محافظ، له عاداته وتقاليده، يمثل جزءا من تركيبة خليجية متفاوته، يجعل من المؤسسات الدولية والمنظمات العالمية تطمح في إتخاذ البحرين كبلد مناسب لقياس نجاح أو فشل كثير من تجاربها القيمية وبرامجها التنموية، والتي - غالبا - يصعب قياسها بالنظريات المجردة والافتراضات الذهنية. فهل يرى العالم بلدنا خصبا لنمو التجارب الناجحة ومكانا مناسبا ومؤهلا لنمو واتساع بيئة الحرية الصحافيه، بينما لا يراها أهلها كذلك؟

إقرأ أيضا لـ "هادي حسن الموسوي"

العدد 2442 - الأربعاء 13 مايو 2009م الموافق 18 جمادى الأولى 1430هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً