يبدو أن العمل الاقتصادي العربي غير محظوظ ذلك لأن أول اتفاقية رئيسة عقدت العام 1950، وهي اتفاقية الدفاع المشترك كان لها جناحان عسكري واقتصادي، ولم ينطلق العمل الاقتصادي ولا العسكري. ثم جاء عقد اتفاقية الوحدة الاقتصادية العربية التي انطلقت عرجاء فلم تنضم لها جميع الدول العربية، والدول التي انضمت كان لها تحفظات عديدة على لوائحها وقواعدها العملية، حتى أن مجلس الوحدة الاقتصادية واجه أزمة خطيرة هي عدم قدرته على سداد رواتب موظفيه لعدة شهور. ثم جاءت القمة الاقتصادية في الأردن العام 1980م، لكي تكون رداً عملياً على عملية السلام التي انطلقت مع مبادرة الرئيس السادات وهذه تحولت إلى حبر على ورق مثل غيرها.
وأخيراً تفتق الذهن العربي عن عقد قمة اقتصادية عربية جاءت الأولى في الكويت في يناير/ كانون الثاني العام 2009م، وسيطر عليها العدوان الإسرائيلي على غزة ومعظم قراراتها لم تنفذ، ثم جاءت القمة العربية الثانية في شرم الشيخ في يناير العام 2011م، وواجهت أربع أزمات سياسية كبرى: ثورة تونس ضد رئيسها ونظام حكمه، استفتاء السودان المؤدي لانفصال الجنوب، الصراع الداخلي في لبنان، وفي اليمن بين القوى السياسية.
ولقد سيطرت أحداث تونس بوجه خاص لأنها عبرت كما قال عمرو موسى أمين عام جامعة الدول العربية «إن النفس العربية منكسرة بالفقر والبطالة والتراجع العام في المؤشرات الحقيقية للتنمية... إن المشاكل السياسية لم تستطع حل أغلبها ولم تتمكن القوى الكبرى حتى الآن من حسن إدارتها، إن لم نقل زادتها تعقيداً وأوردتها موارد الفشل فأدخلت المواطن العربي في حالة غضب وإحباط غير مسبوقة».
ولن نتعرض لأعمال القمة ولا إلى أسباب الإحباط والانكسار، ولكن نسوق عدة ملاحظات ترتبط بذلك من خلال نظرة مقارنة سريعة:
الأولى: إن العمل الاقتصادي العربي مازال محدوداً فالتجارة البينية لا تزيد على 10 في المئة وأيضاً الاستثمارات البينية دون ذلك ولهذا كله أسباب متنوعة معروفة للجميع، ولكن السؤال الذي يفرض نفسه لماذا طوال خمسين عاماً من العمل العربي المشترك لم تحل تلك القضايا، بل زاد من تفاقمها أمور أخرى مستجدة.
الثانية: إن العمل السياسي العربي المشترك نفسه يواجه صعوبات جمة، حيث تركت إدارته للقوى الدولية، وزاد الطين بله أنه أيضاً ترك للقوى الإقليمية في المنطقة، ومن ثم تحول العرب ليس لمهمشين وتابعين للقوى الكبرى، بل وأيضاً للأسف للقوى الإقليمية، وفقدوا بوصلة العمل السياسي العربي والرؤية العربية المشتركة لمصلحة رؤى دول إقليمية وقوى دولية، والأنكى في الموضوع أصحاب القضية سواء في فلسطين، أو لبنان، أو السودان، أو اليمن، أو العراق، منقسمين فيما بينهم وفقاً لانتماءاتهم الطائفية، والدينية، والعرقية، وأصبح للأسف بأس الأخوة بينهم شديد وينطبق عليه الرواية المشهورة «الأخوة الأعداء» للروائي اليوناني نيكوس كازانتزاكي أو الروائي جيفري آرثر أو القصة المشهورة في الصراع بين هابيل وقابيل.
الثالثة: لم يستطع بعض القادة العرب استيعاب المتغيرات الدولية السياسية والاقتصادية، بل لم يستوعبوا المتغيرات الثقافية والاجتماعية، فالبعض يعيش حكم الحزب الواحد، والرجل الواحد، والفكر الواحد. في حين أن التعدد والديمقراطية هي سمة العصر، وترصد التقارير الدولية أعمال التعذيب والقمع والاضطهاد للمعارضين السياسيين وغيرهم في العديد من الدول العربية. كما لم يستطع بعض القادة استيعاب أن عالم القرن الحادي والعشرين هو عالم التكتلات والتجمعات الاقتصادية والسياسية الدولية، وفهموا موضوع المنافسة الاقتصادية خطأ، فتكررت المشروعات والصناعات من دولة عربية لأخرى وهي صناعات ينتمي معظمها للعصر الصناعي الأول وليس عصر التكنولوجيا والمعرفة، ويتمسك العرب بشدة بمفهوم السيادة في مواجهة بعضهم البعض في عصر تآكل فيه هذا المفهوم لمصلحة مبدأ التكافل الدولي Interdependence.
الرابعة: إن معظم قرارات القمم العربية سواء السياسية أو الاقتصادية تواجه عدم التنفيذ والتعهدات المالية كذلك. وهذا يثير التساؤل، إذا لم يكن قرار على مستوى القمة يتم احترامه وتنفيذه، فلماذا يوافق عليه القادة؟
الخامسة: إحباط المواطن العربي وانكساره لأنه يواجه قضايا حياته اليومية التي لا تتحسن من بطالة وفقر ومجاعة وكبح للحريات، في حين يجد العالم حوله يتغير وهو يتراجع ومنطقته بلا تقدم يتماشى ما يحدث في العالم. لقد بدأت بعض دول آسيا بعد كثير من الدول العربية عملية التنمية الاقتصادية ثم تقدمت وحققت قفزات، والعرب مازال يعيشون في تخلف اقتصادي وتنموي ويعتمدون في أمنهم الغذائي على الاستيراد.
السادسة: إن ثمة ضرورة لعقد اجتماعي عربي جديد بين القادة بعضهم البعض بألا يصدروا قراراً دون تنفيذه، وبين القادة والشعوب بأن يعطوا الأولوية لمصلحة شعوبهم وألا يرتبطوا مع دول الجوار الإقليمي أو القوى الكبرى بما يخالف مصالح شعوبهم ودولهم.
السابعة: إن كثيراً من المثقفين العرب يواجهون نفس التشتت والتشرذم والصراع فيما بينهم.
ومن خلاصة ذلك كله، نكرر مقولة الشاعر المبدع نزار قباني «متى يعلنون وفاة العرب»، ونحن نتحسر كمواطنين ولا نجد أملاً حقيقياً بعد أن وجدنا دولة شقيقة تتمزق، ودولة شقيقة أخرى تتعرض للنهب الكبير لأموال الشعب من قادتها في ضوء ما تردده وسائل الإعلام، وثالثة ورابعة تتعرض للصراع بين أحزابها بعضها البعض وبين حكومتها ودول عربية تتعرض شعوبها للفقر والمرض ويقدم مواطنوها على الانتحار الفردي بصورة متكررة.
إن الأمل في قادتنا وحكمائنا أن يعيدوا النظر في الوضع الراهن، وأن يجلسوا معاً في عصف ذهني بعيد عن الإعلام وعن أسماء الدول وألقاب القادة لكي يخرجوا لنا بحل يعطي بارقة أمل لمواجهة انكسار المواطن العربي.
إقرأ أيضا لـ "محمد نعمان جلال"العدد 3060 - الجمعة 21 يناير 2011م الموافق 16 صفر 1432هـ