تحت عنوان «الصور والتاريخ» أقام الملتقى الأهلي الثقافي محاضرة للمصور الفوتوغرافي خليفة شاهين تحدّث فيها عن رفقته مع الصورة منذ خمسين سنة، وتوقف مع مفهوم الصورة، وأكد على دورها في التاريخ، وموقف العرب منها، وختم بحديثه عن مفهوم الصورة كصناعة ناجزة.
ونقل للحضور تجربته مع الصورة بقوله «أحاول أن أنقل لكم تجربة خمسين عاما من العمل مع الصورة» وتساءل ما هو التاريخ؟ مجيبا على تساؤله بمقولة للباحث في التاريخ عيسى أمين «التاريخ هو الأحداث التراكمية والناتجة عن نشاط الإنسان الفكري والجسدي، وهو ذاكرة الناس في أوطانهم وارتباطهم بالجذور ونظرتهم إلى المستقبل، هو الذات التي إن أهملت ضاعت معها الهوية، وهو اللغة التي توحد أناس دون آخرين ومن خلالها يقام حوار الحضارات، التاريخ هو أحداث اليوم ليصبح تاريخ الغد، وهو سجل لنا نعود إليه كلما اختلفت علينا الأمور وصعبت التفسيرات».
وأكد شاهين على دور الصورة في التوثيق مشيرا إلى إن الصورة بمختلف أنواعها ثابتة أو متحركة، سمعية وبصرية أو بصرية ملونة أو أسود وأبيض، توثق الحدث وتبرهن شفافية التاريخ وصحته وخصوصا إن كانت من جهة محايدة.
وتحدث شاهين عن استقلال الصورة بقوله «الصورة الحقيقية لا تحتاج إلى تعليق أو إلى تأويل أو إلى تفسير. فهي واقع الحدث دون رتوش أو تزييف، إذا الصورة هي الحقيقة بذاتها وهي التاريخ المسجل لتلك الحقيقة، ولها وقع مطبوع في ذاكرة الإنسان».
وذهب شاهين إلى أن الصورة هي الحكم والفصل خصوصا إذا ما اختلفنا على صحة وإثبات الحدث، فالناس عادة تؤول التاريخ على حسب أهوائها، ومعتقداتها، ومصالحها، ولكن الصورة الحقيقية لا مجال فيها للتزوير أو اللبس.
وبيّن شاهين أن الصورة وهبت البشرية عنوان مسيرتها، فالصورة منذ أن قام العالم الفرنسي (جوزيف نيسفورغ نيبس) بالتقاطها لأول مرة في العالم العام 1826م إلى يومنا هذا، وثقت ما قامت به الأمم والأفراد من تسلسل تكون حياة البشر عبر التاريخ والأزمان، فالجيل القادم عبر الصورة سيكون متطلعا تمام الاطلاع وسيكون حكما على الأجيال التي سبقته إما بالإعجاب والتقدير وإما بالأسف والحسرة والندم.
وأكد شاهين على أن الصورة هذا الاختراع الصناعي، الكيماوي والفيزيائي والإلكتروني والرقمي، ساهم بشكل كبير في إسعاد البشرية وأيضا في تعاستها، فالصورة سلاح ذو حدين أو عملة ذات وجهين، فهي أي الصورة صورت لنا الجميل المبهر من طبيعة خلابة ساحرة ومن جمال أخاذ، كما أدمت قلوبنا بمناظر البؤس والشقاء وأهوال الحروب والمعارك الدامية، وخير دليل على ذلك ما جرى لإخواننا في (غزة الصمود)، فالصورة أعلمت المشاهد بنضال الشعب الفلسطيني من بدء نكبته بوعد بلفور المشؤوم.
وعن مساهمة الصورة في الإعلام أوضح شاهين أن للصورة مساهمة فعالة في مجال الإعلام والإعلان والصحافة وتأليف الكتب على مر الأزمان فكانت خير دليل وبرهان لنقل الأنباء والتقارير الأخبارية المحلية والعالمية. وبيّن أن صناعة الصورة في السينما عملية دقيقة وبالغة الأهمية وقد استخدمها الصهاينة للسخرية من العرب والمسلمين ووصفهم بالتخلف والإرهاب، كونها وسيلة سمعية مرئية قوية ومؤثرة على الفكر والوجدان، مشوقة ومربحة، في حين أهملها العرب واعتبروها صناعة فاشلة محرمة وغير مربحة.
وأبدى شاهين تأسفه على استغلال الصورة في العنف ضد الأطفال مشيرا إلى تأثيرها في نفوس الأطفال الأبرياء وخصوصا عندما اخترقت أجهزة التليفزيون والإنترنت والهاتف النقال والبلاي ستيشن بيوتنا، فكان لها الوقع المؤثر العميق السلبي وغير المباشر على جميع أفراد الأسرة باختلاف أعمارهم، حيث إنها قلبت الموازيين فكان لها التأثير البالغ على عاداتنا وتقاليدنا وقيمنا وتراثنا وتاريخنا وديننا، فأضحت سلاحا فتاكا مادة قوية لتشويه سمعة العرب أمام العالم الغربي.
وتوقف شاهين مع الصورة في مجال كذلك مجال الطب لتشخيص الأمراض ومع مساهمة الصورة في مجال التربية والتعليم فكان لها الأثر المفيد للطلبة كما أن للصورة درا كبيرا في مختلف المجتمعات سواء التي تعاني من معدلات إجرام مرتفعة أو منخفضة، والعون الكبير الذي قدمته الصورة لعلماء الفضاء والأرصاد في اكتشافاتهم للكواكب والنجوم وأحوال الطقس وتقلباته، فلم يعد للقمر تلك القصص الخيالية التي كانت أمهاتنا ترويها لنا عندما كنا صغارا نام تحت ضوء ذلك القمر ونحلم بأحلام سعيدة، ومع الصورة لم يبق من مجهول لا أعماق البحار ولا المحيطات ولكن قبل الصورة، لم يحظ أسلافنا القدماء بمشاهدة أعماق البحار والمحيطات، أما الآن فقد ذهبت بنا الصورة إلى مئات الأميال في أعماق المجهول.
وختم بتراوح مشاعر بين السعادة والأسف فكما أن للصورة ذلك البريق الساطع الأخاذ في سعادة الإنسانية وتطورها فقد أسهمت أيضا في تعاسة الإنسان وانطوائه، فما الأفلام الإباحية وصور الخلاعة والمقاطع المركبة إلا خير دليل على ذلك، حيث أدّت تلك الصور والأفلام إلى تعاسة كثير من الناس وتفكك بعض العائلات وضياع الكثير من الشباب، كما أدّت أيضا إلى زيادة العداوات وأسهمت في الانتقام المبرمج.
وخلص شاهين إلى ما بدأ به من العلاقة بين الصورة والتاريخ «إذ يتضح أن الصورة والتاريخ توأمان، التاريخ يحتاج إلى الصورة للتوثيق والبرهان، والصورة تحتاج إلى التاريخ لرصدها وتسميتها وتسجيلها».
العدد 2442 - الأربعاء 13 مايو 2009م الموافق 18 جمادى الأولى 1430هـ