العدد 2442 - الأربعاء 13 مايو 2009م الموافق 18 جمادى الأولى 1430هـ

أفلام من شتى أنحاء العالم وحروب عمالقة وحضور فلسطيني لافت

أزياء نجوم ومجوهرات لفيلم «للصغار» افتتح دورة «كان» الجديدة

كان (جنوب فرنسا) - ربيع إسماعيل 

13 مايو 2009

ثورتان في ليلة واحدة. ثورة سينمائية – مهرجانية - وثورة تقنية. الثانية ليست جديدة تماما. أما الأولى فجديدة بالتأكيد ونبدأ بالأولى: في افتتاح الدورة الجديدة لمهرجان «كان» السينمائي، الذي يعتبر بكل المقاييس أهم مهرجان سينمائي في العالم توافد النجوم والسينمائيون وأهل الفن بشكل عام ليشاركوا بالمئات في صالة العروض الكبرى في قصر المهرجان في المدينة الجنوبية – الفرنسية الهادئة عادة، ويعيشوا شيئا من حسهم الطفولي جالسين وراء نظارات تبدو للوهلة الأولى بلهاء مضحكة وسط الأزياء والمجوهرات والابتسامات الفاقعه والهمسات والألحان واللقاءات. في حفل الافتتاح، اضطر كل حاضر لوضع النظارات الحمراء والزرقاء على العينين، إذ من دونها لا يمكن التجاوب مع تلك الثورة الثانية: ثورة العرض السينماني، بالصورة المجسمة. فالمتفرجون يحضرون هنا، للمرة الأولى في تاريخ المهرجانات افتتاحا بفيلم يمكن للكثيرين أن يروا فيه مجرد عمل ترفيهي صنع للصغار. وهو فيلم «أعلى!»، آخر انتاجات شركة «بيكسار» لحساب والت ديزني. فيلم تحريكي ثلاثي الأبعاد استخدمت فيه أحدث التقنيات ليأتي روعة بصرية قد لا يكون ثمة سابق لها في السينما. إذا... أتت الثورة الأولى سينمائية، حيث لم يسبق في تاريخ السينما أن أقدم مهرجان من المهرجانات الدولية الضخمةعلى جعل ليلة الافتتاح لفيلم تحريك من هذا النوع علما بأن ثمة أفلام تحريك عديدة، شاركت في مهرجانات عالمية، وفي المسابقات حتى، وربحت. ولعل المثالين الأكثر دلالة هما فيلما «شريك» و»برسوليس» اللذان عرضا في دورات سابقة لـ «كان» فاعتبر عرضهما ثورة. غير أن أيا من هذين الفليمين لم يعرض في الافتتاح أمام أجمل نساء الكون وأغلى المجوهرات.

غير أن «أعلى!» ليس فيلم تحريك وحسب. فهو، وكما أشرنا فيلم ثلاثي الأبعاد، أي أن النظارات التي وضعها المتفرجون ليشاهدوا صورة الفيلم بها، وضعتهم وسط أحداث الفيلم تماما في لعبة تقنية نعرف أنها ليست جديدة، بل هي موجودة منذ الخمسينيات. واللافت هنا هو أن ما عرض على الشاشة ليس، كما كان يمكن للبعض أن يتوقع، فيلما مرعبا يخيف المتفرجين إذ يجدون أنفسهم وسط أحداثه بين أدغال تلك اللعبة التقنية البصرية، بل فيلم إنساني النزعة يدور حول عجوز يقوم مع صبي و كلب برحلة من الولايات المتحدة إلى أميركا الجنوبية، على متن «طائرة» مصنوعة من مئات البالونات الملونة. والرحلة وفي حد ذاتها، عمل إنساني، لأن هذا العجوز إنما يفي عبرهاي بوعد كان قطعه لحبيبته الميتة صغيرة وقبل عقود بأن يحقق لها حلما حلمته بالطيران إلى أميركا اللاتينية. اليوم إذ تقاعد، هاهو يقوم بالرحلة بدلا من أن يودع في مأوى للعجائز. وجمال الفيلم البصري ربط طبعا بمشاهدات هذا العجوز وصاحبيه من أعلى. أما جماله الطفولي فيرتبط بالمغارات التي يخوضها هذا الفريق.

صاحبا الفيلم، المخرجان دكتر وبيترسون، ليس عليها أن يقلقا لناحية الجوائز. فالفيلم حتى وأن كان يعرض ضمن إطار التظاهرة الأساسية وفي افتتاحها، يعرض خارج المسابقة لكن القلق الأساسي يبقى في مكان آخر: كيف يستقبل النقد العالمي هذا الفيلم وبالتالي كيف سيستقبله الجمهور. أما هنا في «كان» فكان في أمكاننا منذ البداية أن نقدر أن الاستقبال سيكون جيدا ليس فقط لأن هذا النوع من السينما يلقى ترحيبا ونجاحا شاملين منذ زمن بعيد. بل كذلك لأن «أعلى!»... فيلم يحمل وسط جماله البصري وثورثه التفنية وروعة رسومه وقدرنه على رسم إنسان العصر الحديث وسط واقع يربطه بطفولته، يحمل نزعة إنسانية يعبر عنها موضوعه المفعم بالأمل والحياة والحيوية. ومن هنا، أحساس كثير بأن افتتاحا لدورة هذا العام من مهرجان «كان» على مثل هذا الجمال وهذه النزعة الإنسانية ربما يكون مؤشرا إلى أن السينما تتطلع هنا إلى افتتاح أزمنة جميلة رائعة، حتى وإن كان في وسعنا أن نتوقع منذ الآن، وكما نعرف من خلال العديد من أفلام هذه الدورة، وبالتالي كما سوف نعرف أكثر وأكثر مع عروض أفلام المسابقة وغير المسابقة بدءا من (اليوم) الخميس، ان في وسعنا أن نتوقع فنا سينمائيا جماليا، بغض النظر عن مواضيع تعبر عن شتى هموم العالم وهموم فنانيه السينمائيين، علما بأن ثمة في دورة هذا العام تنوعا جغرافيا مدهشا، وكذلك تنوعا موضوعيا... بالنظر إلى أن الأفلام آتية من عدد كبير جدا من البلدان والمناطق الجغرافية، ومن القارات، وطالما أن القسم الأكبر من هذه الأفلام يعبر عن حساسيات سينمائية ومعرفية وجمالية... وكذلك سياسية واجتماعية. ومن هنا، مرة أخرى، يمكننا أن نقول: ها هي السينما ترسم من جديد، جغرافية هموم العالم وإنسان اليوم، من ناحية لتفتح في وجهه أفاقا جديدة وأمالا متجددة، إن جاز لنا القول، من ناحية أخرى.

وهنا وفي انتظار رسائل مقبلة تقول ما إذا كانت هذه التوقعات صحيحة وصائبة، ننشر هذا «القاموس» الأبجدي الصغير، كمدخل لاستيعاب أهم ظواهر دورة هذا العام في الرسائل المقبلة، الأكثر تحديدا وتحليلا، بشأن هذه الدورة الجديدة من هذا المهرجان الذي أقل ما بات يمكن أن يقال عنه إنه المهرجان الذي يشبه العالم أكثر من أي مهرجان آخر.


أرقام

من بين 1670 فيلما أرسلت للمشاركة هذا العام، في مجال الفيلم الروائي الطويل، للتظاهرات الأساسية في «كان» جرى اختيار 53 فيلما لتعرض في المسابقة الرسمية (20 فيلما) وفي تظاهرة «نظرة ما...» (19 فيلما) إضافة إلى 14 فليما خارج التنافس... ومن هذا الرقم الإجمالي هناك 46 فيلما تعرض للمرة الأولى. أما بالنسبة إلى الأفلام القصيرة فإن ما تقدم منها للمشاركة بلغ 2233 فيلما.... ما يجعل مجموع الأفلام التي أرسلت ليتم الاختيار من بينها 4272 فيلما مقابل 4025 فيلما للعام الفائت، بزيادة نسبتها 6 في المئة. أما الأفلام الطويلة فقد أتى ما تم اختياره للعرض، من 32 بلدا تتوزع على القارات الخمس.


ألان رينيه

المخرج الفرنسي ألان رينيه الذي يشارك في المسابقة الرسمية بعمله الجديد «العشب المجنون» هو وعلى حد علمنا، الأكبر سنا بين المتسابقين، والأكثر تحقيقا للأفلام من ناحية مساره المهني. فهو يحقق أفلامه منذ ما لا يقل عن ستين سنة. ولقد عرف بكونه واحدا من كبار مؤسسي الموجة الجديد، الفرنسية، حتى قبل جانلوك غودار وفرانسوا تروفو. وهو صاحب عدد كبير من الأفلام التي تعتبر علامات في تاريخ السينما العالمية. لعل أشهرها «هيرو شيما حبي» و»العام الماضي في مارينباد» و»عناية الهية (بروفدانس)» إذ يعود رينيه إلى مسابقة «كان» بعد غياب طويل تسجل له هذه المبادرة لأنه نادرا ما أقدم مخرج عريق وعتيق من هذا العيار على التباري مع سينمائيين آخرين. من هنا من الواضح أنه سيكون أحد كبار نجوم المهرجان.


المود وفار

منذ الآن يعرف أهل السينما أشياء كثيرة عن فيلم الأسباني المود وفار الجديد «عناقات محطمة» والذي يعود به إلى «كان» من جديد، بعدما كان عرض فيلمه الماضي «العودة» وحقق به نجاحا مزدوجا، لكنه كان يومها دون المأمول، ذلك أن «العودة» نال جائزة أفضل تمثيل نسائي لبطلاته مجتمعات يومها ومن بينهن الفاتنة بنيلوبي كروز وجائزة افضل سيناريو ولكن ليس جائزة أفضل فيلم. فهل ينال المودوفار هذه المرة «السعفة الذهبية» التي لا يتوقف عن التطلع إليها منذ زمن؟ في الوقت الذي سيكون صاحب «كل شيء عن أمي» و»تكلم معها» مشغول البال بهذا السؤال، لاشك سينشغل بال المتفرجين ببينيلوبي وشكلها الجديد والمفاجيء في هذا الفيلم الذي سيلاخط فيه من جديد، مدى ما تحمله سينما المودوفار من إبداع وتجديد، شكلا وموضوعا، مع الحرص دائما على أن تظل سينما المرأة بامتياز.


أوروبا

هي الحيز الجغرافي صاحب المكانة، العددية على الأقل الأولى في دورة هذا العام، حيث – حتى خارج إطار الحضور الفرنسي الذي نفرد له فقرة خاصة – تأتي الأفلام، إنتاجا أن لم يكن أخراجا دائما، من بريطانيا والدانمارك والسويد وإيطاليا وهولندا وبلجيا ناهيك بألمانيا وأسبانيا... لكن المشكلة هنا هي أن الحضور الأوروبي، يشمل في أحيان كثيرة تمويل ورعاية أفلام آتية من شتى أنحاء العالم، من دون أن تكون معبرة عن أوروبا نفسها. ولعل خير مثال هنا هو ألمانيا التي يحمل أسمها فيلم واحد لكنه نمساوي («الرابط الأبيض» لمايكل هاينكي)، فيما ترسل النمسا فليما من أستراليا هو «نجم ساطع» لجبن كامبيون، أما بلجيا فترسل أفلاما عديدة من دون أن يكون هناك فيلم بلجيكي، وكذلك حال هولندا. وكذلك دون أن يكون هناك حضور لافت من أوروبا الشرقية... باستثناء رومانيا التي لها أكثر من فيلم إنما في تظاهرات ثانوية.


إيران

هل صارت من التاريخ، تلك الدورات التي كانت تشهد حضورا لافتا وأكيدا لسينما إيرانية جيدة جميلة وناجحة؟

بالأحرى: هل انتهت السينما الإيرانية نفسها؟ أين كيار وستامي؟ ماخمالبوف، أب وابنة؟ أين مجيدي؟ لا شيء ومنذ سنوات. وحتى إذا كانت السينما الإيرانية تشارك هذا العام بفيلم واحد، هو «لا أحد يعرف شيئا عن القطط الفارسية»، لباهمان غوبادي، فمن المرجح أن هذا الفيلم الذي يعرض في تظاهرة «نظرة ما...» سيعرض دون حضور صاحبه الذي يبدو أن السلطات الإيرانية لا تريد له حضورا... غوبادي تمكن من إرسال فيلمه. ومن هنا، مرة أخرى تغيب السينما الإيرانية عن «كان» إلى حد كبير.


إيطاليا

في الدورة الفائتة كان حضور إيطاليا مهما كبيرا هي التي، من خلال شرائط عديدة، أعطت أملا كبيرا بنهضة ما للسينما الايطالية. وكان من المتوقع بالتالي أن يكون لإيطاليا حضور أكبر هذا العام. لكن هذا لم يحصل، إذ عدا عن فيلم المخضرم ماركو بيلوكيو «الانتصار» لا حضور لافتا لإيطاليا هذا العام. والسؤال هو: أين ناني موريتي الغائب منذ زمن وأين روبرتو بينيني الغائب منذ «الحياة حلوة»؟ وكيف لم تستفد السينما الإيطالية مهرجانيا على الأقل، من زخم عرض وفوز فيلمين لها في الدورة الفائتة: «غومورا» و»ال ديفو»؟


تحكيم

بعد 31 عاما من فوزها المبكر والكبير في مهرجان «كان» بجائزة أفضل تمثيل عن فيلم «فيوليت نوزبير» (1978)... وبعد حضور وفوز في دورات لاحقة، تعود ايزابيل هوبير إحدى أبرز النجمات الفرنسيات كرئيسة للجنة التحكيم للمسابقة الرسمية هذا العام فتعد بالكثير، وخصوصا أنها محاطة بلجنة مميزة فيها أربع من كبيرات نجمات سينما العالم المثقفات (آسيا آرجنتو، شارميلا طاغور، روبن بن، وشوكي)، وأربعة من السينمائيين المبدعين – أحدهم هو الكاتب الكبير حنيف قريشي إضافة الى جيمس غراي، والتركي المميز نوري بلجي جيلان والكوري لي شانغ وونغ. أما لجنة تحكيم الأفلام القصيرة، والتي تضم في أعضائها المخرج والناقد التونسي المعروف فريد بوغدير، فإنها برئاسة المخرج الانجليزي المخضرم الكبير جون بورمان.


حروب أوروبا

منذ أيام بات كثير من أفلام «كان» في دورته لهذا العام معروفا للمهتمين والمتابعين. غير أنه من الأفضل طبعا ترك الحديث عن كل فيلم وموضوعه إلى حين عرضه. ومع هذا فإن ما يلفت هذه المرة هو أن حربي أوروبا الأساسيتين حاضرتان ولكن من حيث لم يكن في إمكاننا أن نتوقع... وذلك في فيلمين لا شك أن كلا منهما يشكل جديدا في سينما صاحبه. فالحرب العالمية الأولى، في مدينة هولندية/ ألمانية ستكون حاضرة في فيلم «الرباط الأبيض» للنمساوي مايكل هانيكي، الذي لم يسبق له أن حقق فيلما تاريخيا. أما الحرب العالمية الثانية فحاضرة في فيلم الأميركي كوينتن تارانتينو الجديد «أوغاد سيئون» الذي سيكون واحدا من الأحداث الكبرى في هذه الدورة.


خارج المسابقات

خلال دورات سابقة عديدة في مهرجان «كان» – وفي غيره من المهرجانات أيضا - كانت قد جرت عادة المخرجين الكبار أن يعرضوا جديدهم خارج المسابقة، طلبا للأمان أو ترفعا أو زهدا. ولكن بعضا من مخرجين كبار عادوا منذ فترة و»تواضعوا» ليشاركوا في التنافس. ومع هذا ظل البعض يفضل ألا يتبارى. وهذا العام، يبدو التنافس والترفع عنه متساويين بين النوعين. فإذا كان كبار مثل المودوفار وتارانتينو وكامبيون ورينيه وفون تراير، أقدموا على التباري – ما يجعل الدورة حرب عمالقة بالتأكيد - أمتنع عن ذلك آخرون لا يقلون أهمية وحضورا في عالم سينما اليوم. وهكذا نشاهد أفلاما، دون أن تقلق بشأن فوزها أو عدمه، لتييري جيليام، وامينابار وسام ريمي وميشال غوندري... وصولا إلى فرنسيس فورد كوبولا الذي يعرض جديده في افتتاح تظاهرة «أسبوعي المخرجين» الثانوية.


الصين وشركاؤها

ليس لليابان حضور كبير في «كان» هذا العام، ما يثير أسئلة حادة عن مصير السينما اليابانية، عشر سنوات بعد رحيل امبراطورها اكيرا كوروساوا. ولكن هذا لا يعني – طبعا – قصورا في الحضور الآسيوي. إذ، كالعادة، تأتي أفلام عديدة، هذا العام أيضا، من الصين وتايوان وسنغافورة والفيليبين وماليزيا ومن عدد لا بأس به من التظاهرات، بدءا من المسابقة الرسمية، حتى وإن كان ثمة هنا اختلاط مدهش: أموال أوروبية في أفلام الآسيويين. ومخرجون آسيويون يحققون أفلاما أميركية وغير أميركية ومواضيع آسيوية في أفلام أوروبية... من العينات اللافتة على الحضور الآسيوي فيلم «حمى الربيع» (الصين، فرنسا) للو يي، «انتقام» (هونغ كونغ/ فرنسا/ الولايات المتحدة) لجوني تومن بطولة جوني هاليداي، «كيناتاي» للفيليبين بريانتي مندوزا... وصولا إلى «وودستكوك» الذي سنتناوله في الفقرة الأخيرة من هذا العرض.


فرنسا

الدولة المضيفة، فرنسا، والتي فوجئت هي قبل غيرها في الدورة الفائتة حين نال فيلم فرنسي «بين الجدران» السعفة الذهبية، كان لابد لها أن تستفيد من تلك الصدمة الإيجابية لتعرز حضورها في دورة هذا العام. وربما في شكل مبالغ فيه، قد تعبر عنه الأرقام التالية: اسم فرنسا كبلد منتج أو مشارك في الإنتاج يتكرر 12 مرة (من أصل 20) في أفلام المسابقة الرسمية وحدها و6 مرات من أصل 12، في معروضات خارج المسابقات، وقس على ذلك في بقية التظاهرات. أما الأفلام الفرنسية الخالصة (أي التي حققها فرنسيون) فتمثل نحو خمسة أفلام التظاهرة الرسمية وحدها!


فلسطين

إذا كان العرب في جملتهم يغيبون هذا العام، مرة أخرى، عن معظم تظاهرات هذه الدورة من مهرجان «كان» السينمائي، فإن فلسطين وحدها، وبأصوات متعددة وإنتاجات من خارج الحدود، تحضر في هذه الدورة، وفي غير تظاهرة، ما يشكل في حد ذاته ظاهرة لافتة. ونبدأ هنا، طبعا، بالمسابقة الرسمية، حيث يمثل فلسطين فيلم «الزمن الباقي» لايليا سليمان، الذي كان سبق له أن فاز بجائزة لجنة التحكيم الكبرى في دورة العام 2002 لـ«كان» عن تحفته «بد الهية». هذه المرة يعود سليمان بفيلم يحاول من خلاله أن يحكي أكثر من نصف فرق من تاريخ فلسطين وتاريخ قضيتها من خلال حكاية أمه وأبيه. فلسطين أيضا، وإنما بعيون سينمائية إسرائيلية منشقة هي كارين يدايا، في فيلمها الجديد «يافا» حيث حكاية حب ملتبسة وذات دلالة بين فتاة إسرائيلية وشاب عربي يعمل في كاراح لتصليح السيارات يملكه أبوها في يافا. والشتات الفلسطيني أيضا في فيلم روائي (يعرض في تظاهرة «أسبوعي المخرجين») للفلسطينية/ الأميركية شيرين دبس، عنوانه «أميركا» وكان سبق له أن عرض في مهرجان صاندانس وأثار أعجابا وضجة. وفي المقابل يتشارك مخرجان شابان أحدهما فلسطيني (اسكندرقبطي) والثاني إسرائيلي (يوران شاني) في تحقيق عمل سياسي ثنائي النظرة عنوانه «عجمي» وإضافة إلى هذا تشارك مي مصري السينمائية الفلسطينية المميزة، خلال المهرجان في ورشة عمل هدفها إيجاد منتجين أوروبيين لواحد من فيلمين روائيين طويلين تخطط لتحقيقهما خلال العامين المقبلين.


فون تراير... والعمالقة

تنتظره من الشرق فيأتيك من الغرب. الدانماركي لارس فون تراير الذي يعدنا منذ سنوات بالجزء الثالث من ثلاثيته غير المكتملة حتى الآن «يو أس إي»، يعود إلى «كان» بعد غياب ودائما في حافلة فهو الذي يخاف ركوب الطائرات، بفيلم جديد لا علاقة له بالثلاثية: هو»عدوالمسيح» الذي أنجزة فون تراير بعد انتظار طويل: فيلم رعب فلسفي، عن زوجين لجآ إلى الغابات للحزن معا على ابن لهما مات باكرا فتجابههما كوارث طبيعية وصنوف رعب وحالات غيبية في مزيج من الخوف والرعب والألم. جديد فون تراير هذا سيحاول فيه مخرجه الحصول على السعفة الذهبية، لكن عليه، في سبيل ذلك أن يخوض حرب عمالقة حقيقية في وجه زملاء له لا يقلون قوة عنه: كين لوتش، المودوفار، تارانتينو، جين كامبيون وصولا الى ألان رينيه (مخضرم فرنسا) وأنع لي... فهل يخرج منتصرا أو مهزوما من معركته الضخمة هذه؟


كونتن تارانتينو

قبل فترة، حين عرض صاحب «كل بيل» و»بولب فكشن»، فيلمه الشعبي «عصية على الموت» في «كان» ولم يفز تساءل كثير: هل انتهت حكايات تارانتينو السعيدة مع «كان» والجوائز؟ هذا العام قد يأتيي الجواب، مفرحا له أو محزنا، حسب النتائج في اليوم الأخير، حتى وأنكان الذين شاهدوا الفيلم يتوقعون مفاجأة طيبة له. فهذه المرة، غيرتارانتينو ليس فقط أسلوبه السينمائي النابض والمتحرك، بل مواضيعه أيضا، ذهب إلى أوروبا إلى عالم النازية إلى الحرب العالمية الثانية، ليطلع بموضوع تختلط فيه الخيانة، بالوطنية، والعنف بالدهاء. كثير قالوا إن فيلم تارانتينو هذا يفتح أبوابا جديدة أمام الفن السابع. فإذا كان هذا صحيحا... هل يطلع تارانتينو مظفرا من حرب العمالقة؟ مؤكد أن هذا هو السؤال الذي سيشغل بال أهل «كان» حتى عرض الفيلم. وربما حتى اليوم الأخير.

كين لوتش

ما يقال عن تارانتينوهنا، وعن فون تراير من قبله، يمكن أن يقال كذلك عن كين لوتش، المسمى في عالم اليسار السينمائي بـ»آخر الرجال المحترمين». ولوتش الذي كان من بداياته يساريا متمردا، يظل حتى اليوم يساريا متمردا حتى وإن كان يدنو في جديده من عالم لا يبدو عادة يساريا بما فيه الكافية - عالم كرة القدم. ففي «البحث عن اريك» – المشارك طبعا في المسابقة الرسمية والمتطلع طبعا للحصول على «السعفة الذهبية» أسوة بواحد من آخروأجمل، أفلام لوتش «الريح التي تهز الشعير»، يضعنا لوتش وسط عالم الكرة ولكن من خلال حكاية معجب يدعى اريك، لا يجد من يصغي له ويعطف عليه، حين يجد نفسه عاطلا عن العمل محتقرا من أولاده، متجنبا من زوجته، إلا في البحث عن نجمه الكروي المفضل (الفرنسي اريك كانتونا لاعب ما نشستر يونايتد، فيخاطبه عبر ملصق، قبل أن يخاطبه مباشرة!

وودستوك

أخيرا هل يذكر القراء وودستوك؟ إنه، لمن نسي الأمر، ذلك العيد الموسيقى الذي سجل أواخر ستينيات القرن العشرين أوجا وربما أيضا نهاية حركة ثورة الطلاب والشبيبة في الولايات المتحدة. لقد تناول هذا الموضوع منذ عقود وحتى الآن، عدد لا بأس به من أفلام... أميركية. هذه المرة سيكون مسليا ومفيدا أن نرى كيف يتناول الموضوع مخرج أميركي/ صيني، كان طفلا حين اندلعت ثورة الشبيبة هو آنغ لي، الذي لم يتعب حتى الان في دنوه من المواضيع الأميركية، بما فيها تلك التي تقع تحت الخطوط الحمراء. إن أقل ما يمكن أن يقال عن هذا الفيلم منذ الآن، هو أنه سيعيد أحياء ثورة... من المحزن أن كثرا نسوها ونسوا آمالا كبرى كانت عقدت عليها.

العدد 2442 - الأربعاء 13 مايو 2009م الموافق 18 جمادى الأولى 1430هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً