تميزت مجموعة التجارب التي اختزلها الفنان الشاب حسين فتيل في معرضه الذي أقيم مؤخرا في جمعية البحرين للفنون التشكيلية بأنها قريبة من القلب، تأسر من الزائر دقائق لتأمل كل لوحة من الأعمال التي حظيت الجدران بحتوائها، والتي كانت عنوانا لبداية فنان طموح، يدخل إلى الساحة حاملا القصبة والفرشاة بيد واحدة.
المعرض الذي افتتح برعاية رئيس الجامعة الأهلية عبدالله الحواج، وحضور عدد من الأكاديميين والفنانين البارزين في البحرين وجمهور الفن التشكيلي والخط على حد سواء، كان صداه واسعا بين جميع من حضر واطلع على نتاج هذا الفنان، الذي قدم قفزات متنوعة في فنون وأساليب الفن التشكيلي والخط، الذين زاوج بينهما بين أطر موحدة، ليخرج لوحات حروفية تشكيلية رائعة في أساليبها ومعانيها.
وحمل المعرض مسمى «نقط فوق الحروف» وهو الاسم الذي استوقفنا للسؤال حول معناه من الفنان، إذ قال «سر اختيار هذا المسمى، يعود لفترات طويلة مضت، إذ إنني في بداياتي ومراحل عمري الصغيرة، وحينما كنت طالبا في المرحلة الإعدادية، كنت شغوفا باقتناء كتب الخط، ولم تكن الإمكانيات المادية تسمح بشرائها كلها نظرا لأسعار بعضها الباهظ آن ذاك، فكنت أزور المكتبة الوطنية أو أي مكتبة فيها كتب خط، وتجذبني كتب الخط العربي، فكان هناك كتاب لخطاط مصري معروف جدا اسمه «نقاط فوق الحروف» كان سعره مكلف بالنسبة لي، فكنت أجمع من مصروفي حتى تمكنت من شرائه، وكان هذا الكتاب مدرسي، وتعلمت منه أشياء كثيرة في التكوين وجماليات الخط العربي، وبقيت ذكرى هذا الكتاب محفورة في ذاكرتي، ولارتباطي بالكتاب اخترت مسمى قريب منه».
ومن أساس دراسته في مجال التصميم الداخلي، قدم فتيل أعمالا تميزت بمراعاة الإحساس بالفراغ والكتلة، وضمن أحجام مختلفة لتتناسب مع الفراغات.
يقول حسين «حينما كنت أدرس في الكويت، كنت أحضر دروس الخط مع كبار أساتذته في الكويت، ومع مدرسين من تركيا وإيران والكويت، ومنهم الخطاط مصطفى بن نخّي، وهو خطاط كبير، وروحه مرحة ومحبب للخط، إذ كنت أخط وأرسم، فلم يكن الخطاطون يشجعوني على الرسم أثناء الخط، لكني خرجت عن القاعدة، وكنت أثناء الكتابة أرسم بورتريهات، ارسم وجه واخط بيت غزل بجانب البورتريه، فكانوا ينتقدون هذا الأسلوب، ويؤكدون على وجوب أن أرسم أو أخط»، ويضيف «كانوا يؤكدون أنني إذا كنت أرغب في التمكن من شيء عليَّ التركيز فيه، ولكنني أحببت الرسم والخط في مستوى واحد، وخصوصا أنني من خلال دراستي في الجامعة في كلية الفنون بتخصص الهندسة الداخلية، كنت أرسم ما هو أمامي بواقعية، ولديّ إحساس بالمساحة والشكل الذي أمامي، وكنت أوظف تلك القواعد في الخط أيضا وأدمجه مع الرسم، فأصبح هذا الأمر شيئا اعتياديا، رغم أنه صعب، فالخطاطون الذين حضروا معرضي لا يعرفون الرسم، وبعض الرسامين لا يعرفون الخط، وأنا من خلال لوحاتي حاولت أن أصل لنقطة ما بين الرسم والخط، فالرسم له صلة وثيقة بالخط والعكس صحيح».
حسين فتيل، وظّف في أعماله العناصر الفنية للوحة على العبارات المخطوطة من الظل والنور والتكوين والمنظور، وهي أمور وجدها «عوامل للوحة التشكيلية، ومن خلال دراستي للفن وتطبيقه في الحياة وممارستي ورحلاتي لممارسة الرسم بالقرب من البحر والقرية التراثية والمتحف، استطعت التمكن من تقنية الظل والنور، والتي من الصعوبة أن يتمكن الإنسان من إدراكهما في وقت رسم منظر حي أمامك، بخلاف مناظر الطبيعة الصامتة، فأضفت هذا للحرف، لأن الحرف غير ساكن، الخطاط الكلاسيكي يخط من دون أبعاد وبطريقة ساكنة، من دون ظل أو نور، حتى أن الإنسان حينما يمر بهذا الخط يعتبره تقليديا، لأن الخط من دون ملمس سطح بارز أو غائر أو ظل وضوء يعتبره المشاهد تقليديا، فكنت أركز على أن يستغرق المشاهد وقتا أطول في مشاهدة العمل كما يستغرقه أمام العمل التشكيلي، إذ كان الزائر يقف من 3 إلى 5 دقائق ليتأمل اللوحة، وهو أمر أراحني».
ومن خلال 33 لوحة احتواها المعرض، كانت هناك سمة التنوع في الأحجام والأساليب المقدمة، فوجد حسين أن «تقنية الأحجام، تعود لي، فأنا من النوع المزاجي في العمل الفني، وهذه المزاجية تظهر في أعمالي وتبرز مابين الأحجام والأساليب، فحتى أعمالي التي أقدمها يستغرب بعضها في التنفيذ نحو 4 أشهر، وبعضها يستغرق سنة كاملة، فكل عمل له نفسيته ومزاجيته».
ويشكل الحرف عادة للفنانين خامة غنية جدا، لما فيها من معانٍ وآثار قوية على اللوحة، والطواعية في الإنسجام مع الفكرة التي يسعى الفنان لتقديمها.
«توزع استخدام الحرف بالنسبة لي بحسب اللوحة وحجمها، إذ يتوزع الحرف ويتنوع من حيث الحجم، وبالاعتماد على الخامات، فكانت بعض الأعمال مناجاة لرب العالمين، من خلال ثقافتنا الإسلامية والعربية التي بالتأكيد تؤثر على نتاج أي الفنان، والتي أثرت عليّ تأثيرا كبيرا جدا، فكانت العبارة التي أرتاح لها أكتبها مباشرة على اللوحة، مثل ربنا، أو ارحمني، وتأتي بعد ذلك مرحلة العشق والغزل، والتي أعكس فيها حالتي النفسية على اللوحة، وأكبر مرحلة تمثل الصدق مع اللوحة والعمل الفني حينما يعكس الفنان ما بداخله على اللوحة».
الفنان حسين فتيل يروي عن عمله وأدائه المتنوع أنه «أنا أمر في مرحلة غير مستقرة على جانب أو أسلوب معين، لكن الأيام القادمة تقودني لأثبت أسلوبا معينا ليحدد طريقة عملي المستقبلية، لكنني حاليا لن أثبت على أي من هذه الأساليب لأنني أحب التنوع في هذه الأعمال».
وتوجه فتيل في ختام الحديث بالشكر قائلا: «أنا أشكر زوار المعرض لأنهم أعطوني دفعة قوية، وهذا شيء مريح جدا أن نلاقي هذا الدعم والتشجيع وعبارات المديح للأعمال».
العدد 2442 - الأربعاء 13 مايو 2009م الموافق 18 جمادى الأولى 1430هـ