العدد 2442 - الأربعاء 13 مايو 2009م الموافق 18 جمادى الأولى 1430هـ

حامد البوسطة... ثورة على الورق تشبه البركان

مستعرضا تجربته في «كاساديل آرت»

تجربة يمكن تقدير حجمها بالبركان المتفجر، رغم أن الأعمال المقدمة فيها صغيرة الحجم بمقياس الحجم الفيزيائي من الطول والعرض، إلا أن الانفعال الكبيرة والعنيفة التي تزلزل لحظة الوقوف أمام كل عمل من تلك الأعمال المعروضة، لهي كفيلة بأن تنقل للمشاهد هذه التجربة، دون مبالغة في التعبير.

الفنان البحريني المتألق حامد عبدالكريم البوسطة، كان يتوعد الجمهور الذي حضر افتتاح معرضه الذي أقيم في «كاساديل آرت» بتجربة جديدة، يحطم بها القواعد والأساسيات، وينسف بعنف المشاعر الراكدة للمشاهد الذي يمر المعارض ويعود إلى منزله هانئ البال.

كل ذلك العنف، وكل تلك الإنفعالات القوية التي أطرها البوسطة في أعماله، جعلت من المجموعة أسلوبا جديدا بمقاييس مختلفة، وخصوصا كون الأعمال تتوازى في المادة والأداء، ولكنها تحمل جعبا مليئة، تفيض لمن يسعى لأن ينهل منها.

البوسطة ذكر أن الأعمال لا تنتمي إلى فكرة واحدة، وإنما وجد أن بها «عدة أفكار يعتمد عليها المعرض، وفيما كان هناك جو عام للمعرض يربط الأعمال كلها، فإن الأفكار مختلفة ولا ترتبط ببعضها بصلة».

يضيف قائلا: «أنا لا أشتغل على جانب الأدبيات، بقدر ما أشتغل على جانب التمرد على الأساسيات والقوالب والأسس الأكاديمية، التي أحاول كسرها وتجاوزها والتمرد عليها، بتجاوز المفاهيم التقليدية للمشروع البصري»، معقبا بالقول «جانب آخر من الأفكار المطروحة في المعرض هي مسألة تجريب الخامات، والمزاوجة بينها، مثل تمزيق الورق واستخدام ألوان الرش، التي مزجتها مع بعضها للخروج بعمل فني يحمل السمات البصرية الجمالية، وينقل الحالات التي أعيشها من تمرد ورفض للقولبة والروتين التشكيلي، إذ لم يكن الموضوع عندي هو العمل التشكيلي لتقديم لوحة، بقدر ما هو مشروع تشكيلي، لا بد أن تكون له أسس ورؤية وتنفيذ وتغذية راجعة».

يوضح البوسطة هذا الأمر من خلال الاستفاضة في الشرح بالقول «لصناعة اللوحة أسس، فيها شيء من القيد في بعض الأحيان، وتكاد تلك تكون أمورا كلاسيكية، من خلال طريقة التعامل مع اللون بشكله الكلاسيكي، والتي أناقضها باستخدام العنف والخشونة، دون الإحساس بأنني أتعامل معها على أنها لون، وإنما كمادة أخرى أريد أن أصنع منها شيئا آخر».

وكانت مادة الأساس التي قدم على سطحها الفنان أعماله بعيدة عن لوحات الرسم المعتادة، بل اقتصرت على الورق كأساس لقيام العمل/ المشروع، وهو الأمر الذي وجد فيه حامد تواصلا مع فكرة التمرد التي يقودها.

«لم ألجأ للسطح الناعم، رغم أن الورق من السطوح الناعمة والرقيقة، ولكنني تعاملت معه على أنه جدار ومادة صلبة، مزقته وتعاركت معه، في سبيل أن ينتج هذا البركان مادة جميلة، تمعن فيها البعض ووجدها كأنها ناعمة، فيما هي تحمل الضدين من صفة النعومة والخشونة والقوة، وصغر الحجم وكبر المعنى».

أما فيما يرتبط بكون الانفعالات قد تكون نتاج سلوك وإحساس الفنان بالجموح في ذاته وتفريغ هذه الشحنات عبر النشاط الفني فأجاب البوسطة أن «التوجه العنيف هو أمام اللوحة، لكن القصد من هذا التوجه، وهذه الشحنات هي مجال للحرية والانطلاق، فالخيل حينما تنطلق في المضمار تنطلق بحرية، ولكنه كفيزياء نشاط خشن، بالحجم والسرعة اللتان تمتاز بهما الخيول، والحفر التي تتركها، لكن منظر الخيل جميل ويعطي إحساس بالحرية والانطلاق».

ورغم أن الخيارات جميعها كانت متاحة لتقديم أفكار الفنان على مساحات كبيرة تبرز القوة والانفعال على أكبر مساحة يمكن للسطح أن يحتويها من الألوان والأشكال والرموز، إلا أن الاختيار وقع على مساحة بسيطة جدا، وجد الفنان سببها في أنها «مسألة رأى فيها الجمهور العمل صغير الحجم، ولكنه كان كبيرا في المعنى، والكل اعتاد الأعمال الكبيرة، وهذا ما أردته، أن يرى المشاهد العمل الصغير كبير في معناه، وهذا أمر مرتبط بجدلية التضاد في الفكر بين الواقع الصغير، والواقع الافتراضي والإحساس الذي يخلقه العمل، فمسألة الصور والحجم لا تفقد من ود العمل قضية».

ويضيف «مثلا، لوحة الموناليزا لا تتجاوز مساحتها 50×70 سم، ولكن ليتأمل الناس المعاني الموجودة في هذا العمل الصغير، والقِيَم الموجودة فيه من القيم الفيزيائية والكيميائية والفلسفية والدينية والاجتماعية، حتى تعجز وأنت تسمي القيم التي تحتويها الموناليزا، التي هي عالم قائم بذاته، فيما تجد في الطرف الآخر لليوناردو دافنشي عنوانه العشاء الأخير، هو جدارية ولا تقل أهمية عن الموناليزا؛ صحيح أن الحجم فيه تحدي كبير ومساحة أكبر للعمل، لكن المساحة الصغيرة أيضا فيها تحدي، وخصوصا إذا كان الفنان يستطيع السيطرة على الاثنين معا، مثل ما فعل ليوناردو بالمحافظة على القيمة الفنية للعمل».

حال آخر تضارب مع عنفوان الأعمال، وهو تأطيرها وعزلها عن المشاهد بزجاج الإطار، الذي عزاه حامد البوسطة إلى أنه «أمر مرتبط فقط بهذا النوع من الأعمال، التي تحتاج لأن تكون مغلفة، وذلك لأن الورق مع الزمن يتلف، والتفاعل الكيميائي يتلف العمل، بخلاف ألواح الرسم، التي يمكن عرضها دون زجاج حافظ لأنها أقوى ويمكن معالجة الألوان على سطحها بمختلف الوسائل بخلاف الورق الذي يتمزق ويتلطخ بسهولة».

«استلزمت ظروف العمل هنا أن تعرض الأعمال بهذه الصورة، وحينما يكون العمل قريب من المشاهد ويحاول تلمسه، فإن هذه إضافة للعمل لأن المتلقي يحاول التعايش مع العمل».

وسبق للبوسطة أن قدم الأنموذج الحالي في مهرجان القافلة العام الماضي، بنفس الانفعال والإحساس.

ويرى البوسطة عن تواصله في هذه التجربة أن «كل هذه الأعمال وما أنتجته، هي مسألة تراكمية، استمراريتها أمر وارد، وتكون فاعلة ومفعلة، لكنها قد تأخذ شكلا آخر، كما يستبدل الشخص ملابسه مرات مختلفة طوال اليوم، إلا أن الشخص وانفعالاته تبقى واحدة باختلاف الزمان والمكان، وعلى نفس المنوال تكون التجربة الإبداعية، التي يمكنها أن تأخذ شكلا آخر لكن اليد التي تشتغل عليها واحدة».

العدد 2442 - الأربعاء 13 مايو 2009م الموافق 18 جمادى الأولى 1430هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً