ذكرنا في الفصل السابق التمردات التي حدثت في شرق الجزيرة العربية وكيف توحدت جيوش المسلمين وتصدت لتلك التمردات وتم للمسلمين السيطرة على شرق الجزيرة العربية بصورة رسمية, بقي أن نوضح نقطة مهمة وهي عدم ذكر جزر البحرين ضمن حركة التمرد السابقة بل كان أقصى ما وصلت له جيوش المسلمين هي جزيرة دارين أو تاروت ولم يكن فتح جزيرة دارين بالحدث السهل بل كان حدثاً مغايراً عن باقي الأحداث الأخرى كون دارين جزيرة وقد تطلب الوصول لها الخوض في البحر ولغرابة الحدث ساق البعض تفاصيله بأسلوب أسطوري مبالغ فيه. وتلتزم المصادر العربية الصمت حول مجريات أحداث الفتح الإسلامي في جزر البحرين وكذلك المصادر السريالية لا تسد هذه الثغرة، ويمكننا القول إن أياً من المصادر التي تتحدث عن فتح شرق الجزيرة العربية وفارس لا تشير إلى جزر البحرين والجزيرة الوحيدة في شرق الجزيرة التي جاء ذكر فتحها هي جزيرة دارين, فهل دخلت جيوش المسلمين جزر البحرين, على الرغم أننا لا نشكك بوجود مسلمين في جزر البحرين في تلك الحقبة ولكن يوجد بها أيضاً مسيحيون ويهود وغيرهم إلا أننا نجهل أعداد كل جالية أو النسب التي تمثلها من مجموع سكان الجزيرة وكذلك نجهل ما إذا دخلت جيوش المسلمين جزر البحرين بصورة رسمية أم لا.
لقد تطرق لهذا الموضوع كل من بيوكامب وروبن في بحثهما عن نساطرة البحرين ويبدو أن تحليلهما لهذا الموضوع هو الأقرب للمنطق فجاء تحليلهما كالتالي: دخلت جيوش المسلمين جزيرة دارين في قرابة العام 13 للهجرة (حدود 635م)، إلا أن هناك بعض المصادر التي تذكر بأنه وقع في العام 11 حتى العام 12 للهجرة، ولم يكن الاستيلاء على هذه الجزيرة يتطلب حيازة المراكب فقد تم الوصول إليها طبقاً لما ذكرته مصادر عديدة عندما سلك المسلمون المخاضة التي تصل الجزيرة بالبر الرئيسي، وبالأخص عند حدوث ظاهرة الجزر في أقصى حالاته والرواية المتعلقة بهذا الفتح التي ذكرها «سيف» تنطوي على بعض التطورات العجيبة حيث جاء فيها: «ولا يمكن الوصول إلى الجزيرة (تقع في الواقع على بعد 2.5 كم من الساحل) إلا بعد مسيرة يوم وليلة لسفر البحر وقد شق الله البحر أمام عسكر المسلمين لكي يفتحوها». ومن الواضح أن هذه الرواية تبريرية وهي بلاشك متأثرة بحادثة عبور العبرانيين للبحر الأحمر ولا تتعارض على أي حال مع المصادر الأخرى حول نقطة واحدة وهي افتقار المسلمين إلى المراكب، ولا يبدو أن أول ذكر للأساطيل البحرية الإسلامية في الخليج العربي سابق للعام 638م بالرغم من أن تسلسل الأحداث ينطوي على عدة شكوك من هذه الناحية، ففي العام 638م عبر العلاء الحضرمي والي البحرين الخليج وتوغل في فارس حتى وصل أصطخر وقد تكسرت مراكبه وعاد إلى البصرة بمشقة وصعوبة بالغتين عن طريق البر، وفي العام 640م (19هـ) وجه عثمان بن أبي العاص الثقفي والي البحرين أخاه الحكم في البحر على رأس أسطول إلى فارس، وقد حدثت هذه الغزوة بعد إخضاع عمان والبحرين إخضاعاً تاماً إذ يبدو أن ذلك قد حدث في الأعوام ما بين 15 و18 هجرية أي ما بين 636م و639م. وعن طريق هذه المعلومات بالإمكان حصر المدة الزمنية التي تم فيها دخول جيوش المسلمين جزر البحرين، فصمت المصادر حول هذا الحدث يوحي بأن ذلك قد تم بدون مكاسب عسكرية وبدون عنف، ويبدو انه من المستبعد حدوث مقاومة في الأرخبيل بعد بناء الأسطول الإسلامي وانتهاء إمكانية الحصول على مساعدة من جانب فارس أي بعد العام 640م ولربما منذ العام 638م، أي أن جيوش المسلمين دخلت جزر البحرين في الفترة ما بين 634م و634م وهي الفترة التي تم فيها تهدئة الأوضاع في عمان والبحرين (Beaucamp et Robin 1983).
وسبق أن ذكرنا أنه من المرجح أن جيوش المسلمين دخلت جزر البحرين إلا أن الجزيرة ذكرت باسم «جزيرة بن كاوان» ويمكن الرجوع لتفاصيل هذا الموضوع في فصل جزيرة بن كاوان في جزء البحرين في العصور الهلنستية من هذه السلسلة.
تحركت جيوش المسلمين من غرب الجزيرة العربية متجهة نحو العراق وسورية وإيران وغيرها من الدول لتفتتحها، وفي ما بين الأعوام 636م و643م تم فتح العراق وسورية وإيران وذلك بعد سلسلة من المعارك كمعركة ذات السلاسل والقادسية وفتح الحيرة وفتح المدائن ونهاوند وغيرها، وبذلك وضع مسيحيو تلك البلاد تحت الحكم الإسلامي. وقد فتحت المدن أبوابها للمسلمين وذلك بموجب عهود وشروط أبرمت بين المسلمين وسكان تلك المدن وهي الشروط التي عرفت بالذمة أو العهد والأمان وأطلق اسم أهل الذمة على المسيحيين واليهود لأنهم في ذمة المسلمين، وكانت هذه العهود متقاربة سارت على نمط واحد واقتبست أهم شروطها من العهد الذي أبرمه الرسول (ص) مع مسيحيي نجران حيث لم يرغمهم على الدخول في الإسلام بل اكتفى بفرض الجزية عليهم وتعهد بالمحافظة على دينهم وحياتهم وأرزاقهم. ولما استتب الأمر للعرب بعد السنوات الأولى من الفتوحات اضطر الحلفاء والحكماء إلى إصدار أحكام واضحة تحدد موقف المسلمين من المسيحيين وغير المسلمين وتنظم أوضاعهم الدينية والسياسية والاجتماعية، وقد عرفت هذه الأحكام باسم «سياسة العهود». وقد اتصفت هذه العهود بالسماحة ورحابة الصدر فسمحت لمن يشاء من السكان والرهبان والموظفين بالهجرة إلى الأراضي البيزنطية فهاجر من هاجر من المسيحيين وبقي آخرون محافظين على كنائسهم وحرياتهم وأموالهم وشرائعهم تحت مظلة الحكم الإسلامي (أبوزيد 2008: ص117 – 118).
قطرايا هو اسم جزيرة العرب الشرقية وجزر البحرين في المراجع السريالية، ويقابله في اللغة العربية الاسم «قطر»، وفي المراجع العربية عادة ما يتم تحديد موضع قطر بمنطقة معينة في شرق الجزيرة العربية إلا أن ذلك قد يكون من باب التخصيص فالنسب إلى قطر قطري وهذا النسب لا يخص منطقة محددة بل يشمل كل شرق الجزيرة العربية بما في ذلك الجزر القريبة منها ويدلنا على ذلك قول يحيى بن ماسويه (المتوفى سنة 857م) في كتابه «الجواهر وصفاتها» (مطبعة دار الكتب، 1976: ص33): «جهاز البحرين يسمى كله القطري وهو من كاظمة إلى بحر فارس... وموضع قطر غوص كله وكذلك موضع بلبل وهو المغاص الأعظم».
ويرجح أن موضع بلبل هو الموضع المعروف أيضاً باسم بلبول بالقرب من الجبيل وقد كان مغاصاً مشهوراً (الجاسر 1979: ج1 ص241) ومن هذا يتضح أن صفة قطري شاملة لشرق الجزيرة العربية. لاسيما أن بن ماسويه مسيحي سريالي (نسطوري) منتظم في سلك الكهنوت وكاد أن ينتخب جاثليقاً (الجواهر وصفاتها، مطبعة دار الكتب، 1976: ص18) ولابد أنه مطلع على المصطلحين قطرايا وقطري. وقد ظهر مصطلح قطرايا بصيغته السريالية لأول مرة في مطلع القرن السابع وبالتحديد في ما بين الأعوام 615م و619م حيث وردت التسمية قطرايا في المصادر النسطورية مرة بصورة قطريو وتارة مضافة كاسم منطقة لا موضع معين فهناك «مدن قطرايا» و«شعب قطرايا» و«كنيسة قطرايا» (Beaucamp et Robin 1983). ومن الأسماء الأخرى التي ذكرت في المصادر النسطورية جبرائيل قطريو وهو سابق لزمن «باباي الأكبر» وقد ورد ذكره في فهرس عبديشوع وأكثر المصادر تفصيلا عن بيت قطرايا هي رسائل الجاثاليق أيشوعياب الثالث (649م – 659م) التي سنناقشها لاحقاً (Beaucamp et Robin 1983).
لقد تناولنا في فصول سابقة ذكر مناطق من شرق الجزيرة العربية أقيمت بها أسقفيات، وقد استمر بناء الأسقفيات حتى نهاية القرن الميلادي وبعد أن كثرت الأسقفيات في شرق الجزيرة العربية تغير الاسم الذي يطلق على مجموع تلك الأبرشيات فقد كانت تسمى «أبرشيات الجزر» ومع بداية القرن السابع بدأت المنطقة تعرف باسم «بيت قطرايا»، وهناك فرق شاسع بين التسميتين فالأولى تدل على عدد من الأبرشيات منتشرة على بعض الجزر في شرق الجزيرة العربية وتقع تحت سيطرة ريو أردشير في فارس، بينما اسم «بيت قطرايا» يدل على التنظيم، وقد تزامن ظهور هذا الاسم مع إعلان بيت قطرايا التمرد ضد جاثليق كنيسة الشرق والمطالبة بالاستقلال وذلك في نهاية القرن السادس الميلادي وسوف نتناول تفاصيل هذا التمرد في الفصل القادم أما في هذا الفصل فسنتناول تنظيم بيت قطرايا وذلك بحسب المراجع التي سبق ذكرها وكذلك الوثائق السريالية التي سنتناولها في الفصل القادم وتتمثل بصورة أساسية في رسائل الجاثليق أيشوعياب الثالث لأساقفة ورهبان وسكان بيت قطرايا.
1 - الجزيرة السوداء
جاء في Vita Ionae أن راهباً عاصر الجاثليق برب عشمين (343م – 346م) اسمه جونه قد بنا ديراً على جزيرة تسمى «الجزيرة السوداء» وهذه الجزيرة تقع بين قطر وعمان (Bin Seray 1996). ولم يتم تحديد هذه الجزيرة بصورة قطعية ويعتقد أنها إحدى الجزر القريبة من جزيرة سر بني ياس التابعة لدولة الإمارات العربية (Carter 2008).
2 - جزيرة رمث
هي إحدى جزر اليمامة والبحرين بنى فيها القديس أبديشو (عبديشوع) ديراً وذلك في عهد الجاثليق توماس (363م - 371م) (بوتس 2003، ج2 ص1019). وقد ذكر عن جزيرة رمث أنها تبعد مسافة 68 فرسخاً عن الإبلة في البصرة أي قرابة 381 كيلومتر، وبحسب هذه المعلومة تكون جزيرة رمث مطابقة لجزيرة «أبوعلي» التي تقع شمال الجبيل مباشرة (بوتس 2003، ج2 ص1019 وهامش ص1019).
3 - مشماهيج
المرجح أنها جزيرة المحرق حالياً بصورة خاصة أو أرخبيل البحرين بصورة عامة وقد ذكرت في المصادر السريالية وقد ناقشنا تفاصيل هذه التسمية بصورة موسعة في جزء البحرين الهلنستية.
4 - تالون
هي كبرى جزر البحرين وقد ذكرت في المصادر السريالية وقد ناقشنا تفاصيل هذه التسمية بصورة موسعة في جزء البحرين الهلنستية.
4 - موضع رحا يتبا
ذكر هذا الموضع مقترناً باسم تالون في رسالة أيشوعياب الأول (585/ 584م) إلى يعقوب أسقف داري (أي دارين) ويتضمن الإيضاحات الجغرافية التالية: «جزيرة داري (دري) بجوار تالون، بجوار موضع روحا يتبا Ruha Yatba»، ويوحي هذا التعبير بأن تالون أهم وأشهر من دارين لأنها تستخدم للاستدلال على أماكن أخرى (Beaucamp and Robin 1983)، ويرجح كارتر أنها موضع على جزيرة البحرين الكبرى (Carter 2008).
5 - دارين
دارين وهي جزيرة تاروت الحالية وقد ذكرت بأسماء مختلفة في الوثائق السريالية منها داري وأردي وتدورو (أو تدرو)، وقد كانت دارين إحدى المناطق النسطورية المهمة في بيت قطرايا، ونجد ذكراً لأسقفها في العام 410م.
4 - حطا / الخط
الخط وبالسريالية حطا ويطلق هذا الاسم على سيف البحرين ويخص به بالذات بلاد القطيف (الجاسر 1980: ج2 ص 612 - 613). وقد بنى أردشير بن بابك (224م – 241م) مدينة في موقع الخط في البحرين، وقد قرئ اسم تلك المدينة بقراءات متنوعة مثل باسا أردشير، وبانيات أردشير، وبيروز أردشير، وبيت أردشير، وباتن أردشير ولعل بيروز أردشير أقرب للعقل وتعني «أردشير الظافر أو المنتصر» (بوتس 2003، ج2 ص 1002). وكان أول ذكر لوجود أسقفية في الخط في المجمع الكنسي للعام 576م حيث ذكر وجود أسقف يمثل «بيت أردشير» (Beaucamp et Robin 1983)، يذكر أنه يوجد اسم أسقف واحد يمثل كلاً من «بيت أردشير» وهجر ولكن في العام 676م (كما سنرى لاحقاً) أن كلاً من الخط وهجر لها أسقف خاص بها (Carter 2008).
5 - هجر
يقصد بهجر في عهدنا هذا ما يرادف كلمة الأحساء بحيث لا يشمل سوى منطقة الأحساء ولا يدخل فيه الخط الذي قاعدته القطيف ولا نواحي البحرين الأخرى (الجاسر بدون تاريخ: ج4 ص1831)، وقد ذكرت هجر في المصادر النسطورية حيث أصبحت مقراً لإحدى الأسقفيات المكونة لبيت قطرايا، ولا نعلم بالتحديد في أي عام تم بناء الأسقفية في هجر إلا أن أول ذكر لأسقفية هجر كان في العام 576م وكان الأسقف الذي يمثلها هو ذاته الذي يمثل أسقفية بين أردشير في الخط.
العدد 3058 - الأربعاء 19 يناير 2011م الموافق 14 صفر 1432هـ