خاطبت التطورات النوعية التي شهدتها الساحة التونسية، والتي بدأت بهروب الرئيس زين العابدين بن علي، وعرجت على اندلاع الصراعات بين أركان النظام المتهالك، ولن تتوقف عند تباين وجهات نظر المعارضة حول الموقف من احتمالات ما ستئول له الأوضاع في المستقبل المنظور، الأنظمة العربية القائمة، والمقصود بالأنظمة هنا القوى الحاكمة وأطراف المعارضة على حد سواء، بشكل صريح وصارخ، انعكست في المقابلات الإعلامية للمسئولين، في السلطة والمعارضة، التي شهدناها في برامج الفضائيات العربية، والتحليلات التي زخرت بها وسائل الإعلام الأخرى تقليدية كانت، أم رقمية.
وقد توزعت المواقف العربية، التي فجرتها الانتفاضة التونسية، على المحاور التالية:
1. كابوس مفزع من «الفيروس التونسي»، وكان ذلك هو موقف الأنظمة الحاكمة العربية، التي رأت في احتمال تكرار «الحالة التونسية» في عواصمها، ومن ثم فهي لا تملك إلا ان تستعد لدرء أخطاره، والتهيؤ لمواجهته، إعلاميا على المستوى الخارجي، وأخذ الحيطة والحذر، والتراجع عن بعض الإجراءات الاقتصادية على المستوى الداخلي، ويمكن تلمس ذلك بشكل ساطع في تصريح الرئيس الليبي معمر القذافي الذي باغت الجميع، وعلى الطريقة القذافية مندداً باستعجال الشعب التونسي في إرغام الرئيس المخلوع زين العابدين بن علي، الذي وصفه بأنه «أفضل شخص يحكم تونس»، على مغادرة البلاد، ناصحا إياهم بأنه كان «يتعين عليهم الانتظار لحين انتهاء ولاية الرئيس بن علي، وأن يتم التحول بالتي هي أحسن، مشيرا إلى أن تونس تعيش في رعب وتحولت إلى دولة عصابات ونهب وسلب»، معتبراً ما انتهت إليه الأمور خسارة كبيرة، «لا يمكن إرجاعها، فالذي ابنه مات لا يمكن أن يعود في الدنيا، فالذين ماتوا لا يمكن أن يعودوا».
وكرس هذه الدعوة المبطنة بالخوف من تكرار ما جرى في تونس في عواصم عربية أخرى مثل مصر، ذلك التصريح الذي أدلى به وزير الخارجية المصرية أحمد أبو الغيط، الذي اعتبر إن حصول ذلك هو «كلام فارغ»، فلكل مجتمع، كما يقول أبوالغيط «ظروفه (الخاصة به)، وإذا ما قرر الشعب التونسي أن ينهج هذا النهج فهذا أمر يتعلق به».
وبعد أن أكد أن مصر تحترم إرادة الشعب التونسي وتعتبرها «السيدة المتوجة في هذا المجال، ولا أحد يقاوم إرادة الشعب»، استدرك مدافعاً عن النظام المصري قائلاً «أما هؤلاء الذين يتصورون أوهاماً ويضعون الكثير من الزيت فوق اللا شيء، فالزيت سيؤدي إلى اتساخ ملابسهم».
2. أحلام يقظة تعيشها المعارضة العربية، التي تمني النفس ولا تكف عن دعوة الله كي يوفر ظروفاً «مشابهة» لتلك التي سادت تونس مؤخراً، وقادت ما قادت إليه. تعبر عن هذه الأحلام ذلك الانفعال العفوي السريع، الذي يحاول إخفاء كل عناصر القصور الذاتي، والأزمة الداخلية التي تعاني منها هذه المعارضة. تشهد على هذا العجز الذاتي عن التوصل إلى أشكال مبدعة في ساحاتها الداخلية، ردود الفعل العفوية، وهو امر حذرت منه مقالة سابقة للكاتب، التي جسدها تكرار مشاهد إحراق مواطن في مصر والجزائر لنفسيهما تعبيراً عن سخطهما الانفعالي على الأوضاع السيئة القائمة في بلديهما. بل أخذت المعارضة تردد، كما شهدنا في العاصمة الأردنية عمان، شعارات خاوية خالية من أي مدلول سياسي من نمط «بالمكشوف بالمكشوف حكومة ما بدنا نشوف». وعلى المواطن أن يقبل بدولة تسير أمورها بدون»حكومة». فالبديل «التاريخي» لحكومة فاسدة، كما تقول شعارات تلك المعارضة، هو دولة من غير حكومة.
ليس القصد هنا «الاستخفاف» بما تقوم به بعض القوى الرئيسة في المعارضة العربية اليوم، بقدر ما هو إشارة لعمق الأزمة التي تعاني منها.
3. انتظار وترقب، وهو ما لجأت إليه نسبة عالية من المثقفين العرب، التي اكتفت بالتفسير دون المشاركة، والتنظير دون الحاجة للممارسة، والتي حاولت إفهام العالم بحقيقة ما يجري في تونس والأسباب التي قادت إلى ما آلت إليه الأمور هناك، محاولة الاستعانة بأدوات التحليل العلمية، معطية، دون وعي، ما جرى في تونس أبعاداً أكثر ما يستحملها، وحجوماً أكبر مما يقدر على ملئها، دون ان يكون القصد من الإشارة إلى موقف المثقفين هذا التقليل من أهمية وتأثيرات «الزلزال العفوي التونسي» الذي أسقط امبراطورية «بن علي» وهز أركانها من الداخل. عبر موقف المثقفين هذا في جوهره عن فشل متبادل في بناء العلاقة الإيجابية المطلوبة بين المثقف العربي الباحث عن البديل والرافض للسلطة، والمعارضة المناهضة لها. فبقدر ما عجزت برامج المعارضة في استقطاب ذلك المثقف، بقدر ما فشل هو الآخر أن يوجد لنفسه المقعد الذي يريحه بين صفوف تلك المعارضة. هذا السلوك «المحايد»، وغير المبرر، الذي نهجته الكتلة المثقفة العربية، في نظرتها إلى الحالة التونسية وموقفها منها، تكرر كثيرا في النصف من القرن الماضي. تشهد على ذلك مواقف تلك الفئة المثقفة من حالات عربية أخرى، لبنانية كانت أم فلسطينية.
تعبر هذه المحاور العربية فيما تعبر عنه عن قصور في القدرة الذهنية للعقل السياسي العربي أولاً، وتخلف في قراءته للأحداث العربية وما تقوله له ثانياً، فالرسالة التي تبعث بها تونس اليوم، قصيرة في نصها وغنية في جوهرها، وما تحاول أن تبثه هذه الرسالة، وفي بساطة شديدة هو «أن عمر الفساد قصير، وسنوات الاستبداد محسوبة، وفترات الظلم محدودة، وزمن الفردية ولى، وعهود التجبر لا مكان لها، وثورة المواطنين قادرة على هز العروش، وقدراتهم أقوى مما يمكن أن تستوعبه أذهان عتاة السياسة وكهنتها، حكاماً كانوا أم معارضة بل وحتى مثقفين».
قد نشاهد في المستقبل القريب حالات متكررة يضحي فيها شباب أبرياء مخلصون بأنفسهم حرقاً، وقد نتابع انتفاضات تعم هذه العاصمة العربية أو تلك، لكنها جميعاً، ونأمل أن نكون مخطئين، لن تضع حدا لحالة الفساد للأنظمة الحاكمة المتجبرة في بلدانهم.
وربما آن الأوان كي يوقف الحكام مخاوفهم، وتكف المعارضة عن أحلامها، ويتخلى المثقفون عن تنظيراتهم، وعوضاً عن ذلك كله يقرأوا الحالة التونسية بعمق، فلكل واحد منهم هناك فقرة خاصة قالتها لهم الرسالة التي بعثتها تلك الانتفاضة.
إقرأ أيضا لـ "عبيدلي العبيدلي"العدد 3056 - الإثنين 17 يناير 2011م الموافق 12 صفر 1432هـ
هل التعبير عن المظلومية والغضب بالتايرات الاطارات افضل من حرق الشباب انفسهم ام لا ؟!
قد نشاهد في المستقبل القريب حالات متكررة يضحي فيها شباب أبرياء مخلصون بأنفسهم حرقاً، وقد نتابع انتفاضات تعم هذه العاصمة العربية أو تلك، لكنها جميعاً، ونأمل أن نكون مخطئين، لن تضع حدا لحالة الفساد للأنظمة الحاكمة المتجبرة في بلدانهم.
طابت أوقاتك أستاذي العزيز
اقتباس:
((أحلام يقظة تعيشها المعارضة العربية))
و ما السبيل لأن تفوق المعارضات من هذه الأحلام؟
المعارضة الحقيقية الجادة في تحركاتها
التي تضع مصلحة البلد المقام الاول لاغير ................لا المعارضه المبطنه بس محسبوبه على المعارضه ههمها علفها
لازم ينفظها
اذا الشعب اراد شيئا فلابد ان ينفظها لكي ينال مطالبه تسلم ديداتك على هذا المقال اخي