قال الحاكم المدني السابق في العراق بول برايمر في مقابلة أجرتها معه صحيفة «الشرق الأوسط» السعودية هذا الأسبوع، إن الساسة الأكراد هددوا بانفصال إقليم كردستان عن العراق في حال الإبقاء على الجيش العراقي السابق، وإنه (برايمر) اضطر إلى حل الجيش نزولا عند رغبة هؤلاء الساسة وتفاديا لاحتمال تقسيم العراق.
تصريحات برايمر عن حل الجيش العراقي هذه كان قد ذكرها في مناسبات عدة منذ أن كان على رأس السلطة في العراق وحتى آخر مقابلة أجرتها معه قناة «الحرة» قبل عامين في إطار سلسلة مقابلات تلفزيونية بمناسبة ذكرى سقوط بغداد. وأذكر في حينها أن أحد مقدمي تلك السلسلة التلفزيونية سأل رئيس إقليم كردستان مسعود برزاني عما قاله برايمر فلم ينفِ ذلك، لكنه قال: «إن الجيش العراقي كان منحلا في الأساس».
ردود الفعل على تصريح برايمر هذه المرة اختلفت كثيرا عن المرات السابقة، والسبب قد يعود إلى وجود شحن قومي داخل العراق وخارجه دفع السياسيين الأكراد للرد على تصريحات برايمر أو محاولة التخفيف من حدتها أمام التحشيد القومي الحاصل، وخصوصا أن قرار حل الجيش العراقي وتحول عناصره إلى مناوئين للعملية السياسية ودخول العراق في دوامة العنف منذ ستة أعوام وحتى الآن صار قرارا «يتيما بلا أب» كما يقال، بعد أن أدى ذلك القرار إلى تهديد العملية السياسية برمتها، ونجح في منح الإرهاب والفصائل العسكرية المناوئة للعملية السياسية وللوجود الأميركي قوة معنوية وبشرية مدربة وذات خبرة عسكرية هائلة كادت أن تدفع أعظم قوة في العالم إلى إعلان الهزيمة في العراق، حسبما أعلن ذلك الرئيس الأميركي السابق جورج بوش في إحدى مقابلاته الصحافية.
وكما هناك مَنْ «ينفي هذه التهمة» هناك مَنْ يدافع عن القرار الأميركي باعتبار «أن الجيش العراقي كان مسيّسا»، ويقولون إن أية سلطة جديدة تنشد التغيير الإيجابي عليها أن تعيد النظر بمقومات بناء جيشها بناء صحيحا. وهذا كلام ليس خاطئا، لكن الخطأ هو ما حصل بعد العام 2003 حيث تحول الجيش العراقي من التسييس إلى المحاصصة، وبدأت السلطة السياسية تمنح السنّة والشيعة والأكراد مناصب وتعيينات تتناسب مع حجمهم في المجتمع.
لكننا نقول، إن قرار حل الجيش العراقي قد اتخذ، وعلى المدافعين عن القرار والدافعين عنهم هذه التهمة أن يتعظوا من ذلك القرار، لأن أمام من يريد أن يبني العراق بطريقة صحيحة مرحلة أصعب من حل الجيش السابق، تتمثل في تشكيل جيش مهني لا يكون للسياسة أو المحاصصة مكان فيه، وهذا ما نشك في تحقيقه.
إقرأ أيضا لـ "علي الشريفي"العدد 2441 - الثلثاء 12 مايو 2009م الموافق 17 جمادى الأولى 1430هـ