تشهد المادة (25) من القانون رقم (19) لسنة 2006 بشأن تنظيم سوق العمل، والتي تعطي الحق للعامل الأجنبي الانتقال إلى صاحب عمل آخر من دون موافقة المنشأة التي يعمل فيها جدلا كبيرا منذ قرابة ثلاثة أعوام بين أصحاب الأعمال والمؤيدين لإصلاحات سوق العمل.
فقد نصت المادة المذكورة على أن «يكون للعامل الأجنبي - دون موافقة صاحب العمل - حق الانتقال للعمل لدى صاحب عمل آخر وذلك من دون الإخلال بالحقوق المقررة لصاحب العمل بموجب أحكام القانون المنصوص عليها».
المؤيدون للقرار (حكومة وعمال) يرون ضرورة تطبيق هذه المادة لتحرير سوق العمل من قيود نظام الكفيل الذي أوجده أصحاب الأعمال منذ سنوات طويلة حتى تحول لعرف ومن العرف ليصبح قانونا غير مشرع أو منصوص عليه.
هذا النظام الذي شبهه وزير العمل مجيد العلوي بـ «الأقرب إلى العبودية» جعل العالم ينظر للبحرين ودول الخليج العربي من منظور المتاجرين بالبشر، إذ يصبح العامل الأجنبي تحت رحمة صاحب العمل طوال عامين دون حقوق تحفظ كرامته مستغلين بذلك حاجة هذا الإنسان الفقير الذي يطمح في العيش الكريم.
كما رأى المؤيدون للقرار على أن قرار تحرير العامل الأجنبي سيخلق نوع من التوازن بين صاحب العمل والعامل، إذ من حق كل طرف أن يفسخ عقده مع الطرف الآخر متى ما شاء، وبالتالي فقد أعطى القرار للعامل حق الاختيار والبقاء مع صاحب العمل الذي يعمل معه، وهو ما سينعكس بالإيجاب على بيئة العمل من ناحية تحسين مستوى الخدمات المقدمة لهؤلاء العمال، وكذلك الأجور المتدنية التي جعلت من أصحاب الأعمال أكثر إقبالا على العمالة الرخيصة ورفض العمالة الوطنية.
تبقى مسألة وحقيقة أن هذا القرار هل سيرفع بالفعل أجور العمالة الوطنية أم لا؟
المؤيدون للقرار يرون أن وضع سوق العمل سيتحسن بعد أن يتم تحرير العامل الأجنبي ومن ثم سيخلق المنافسة بين العامل الأجنبي والأجنبي مما سيرفع الأجور بينهم وبالتالي ستصبح تكلفة الأجنبي قريبة من البحريني مما قد يمهد الأرضية نحو تحول القطاع الخاص لقبول العمالة الوطنية المؤهلة لشغل الوظائف ذات القيمة المهارية وارتفاع أجورها.
فيما يرى المعارضون أن احتمالية ارتفاع أجور العمالة البحرينية بعد تنفيذ القرار ستكون ضئيلة جدا، إذ إن الفجوة بين العمالة الأجنبية والعمالة الوطنية مازالت كبيرة جدا، وبالتالي فإنه من الاستحالة أن يستغني القطاع الخاص عن عمالة الأجنبية التي ستكون نسبيا أرخص من العمالة الوطنية حتى في ظل المنافسة وتحرير سوق العمل، إذا ما علمنا أن أجر الأجنبي حاليا يتراوح ما بين 40 إلى 70 دينارا، بينما البحريني ما بين 200 إلى 400 دينار، وهنا ارتفاع أجر الأجنبي ليس من المتوقع أن يصل إلى مستويات أجر البحريني.
كما يرى المؤيدون أهم الفوائد المرجوة من وراء تطبيق قرار «حرية انتقال العامل الأجنبي» القضاء على ظاهر العمالة السائبة، في ظل اعتماد بعض أصحاب الأعمال وبشكل كبير على عمال «الفري فيزا» مستغلين بذلك القوة التي أعطاهم إياها نظام الكفيل من خلال السيطرة على العامل وجواز سفره ومنعه من التحرك وتقييده نتيجة حاجته للإقامة القانونية الدائمة والكفيل الذي يستتر وراءه العامل الأجنبي للعمل في أية مهنة أخرى ومن ثم تسديد أجر شهري لكفيله ومبلغ كبير نظير تجديد الإقامة له.
إلا أن أصحاب الأعمال ممثلين في غرفة تجارة وصناعة البحرين الرافضين للقرار يرون أن القرار أجحف حق صاحب العمل البحريني الذي أعطى البحرين الكثير، وأن القرار سيفضي إلى الإضرار بصاحب العمل ومصالحه، وتعطيل أعماله أو إرباكها وجعله في قلق مستمر وبحث دائم عن عمالة تسير المشاريع التي يقوم بها.
ويرى المعارضون أيضا أن القرار سيفتح الطريق أمام الوافدين لمنافسة العمالة الوطنية في وظائف القطاع الخاص التي تقبل عليها، لأن سهولة الانتقال التي باركها القانون تتيح لهم المنافسة على جميع الوظائف ما يؤدي في النهاية إلى خفض الأجور وليس ارتفاعها في ظل وجود عمالة أجنبية رخيصة قادرة على شغل هذه الفرص.
بطبيعة الحال كل طرف وكما يقولون «يشد النار لقرصه»، فالحكومة تريد مصلحتها من وراء تنفيذ القرار، وإرضاء المجتمع الدولي المتذمر من سوء أوضاع العمالة الأجنبية في ظل وجود نظام الكفيل، فيما يريد أصحاب الأعمال أن يبقى الوضع على ما كان عليه عمالة أجنبية خاضع لإرادتهم بالكامل متحكمين في مصائرهم وبأجر منخفض يحقق لهم الأرباح الكبيرة.
ما بين فرضيات المؤيدين وتوقعات المعارضين، فإن القرار لم يدخل حيز التنفيذ منذ ثلاث سنوات، وبالتالي فإن أي تشريع قانوني لابد أن يدخل حيز التطبيق الفعلي لمعرفة إيجابياته وسلبياته، على أن يتفق الطرفان على أساس ومعيار واضح وهو دراسة القرار بعد مدة زمنية كافية ليأخذ القرار فرصته ومن ثم العمل على تفادي سلبياته وتعزيز إيجابياته، فلماذا نستبق الأحداث.
إقرأ أيضا لـ "هاني الفردان"العدد 2441 - الثلثاء 12 مايو 2009م الموافق 17 جمادى الأولى 1430هـ