تتنافس النساء في السابق على عدد الأبناء، فما أن تَلد المرأة حتى تجدها بعد أربعين يوما تحمل مجدّدا، وكانت الحياة بسيطة آنذاك، ولكن لا شيء يبقى على حاله، فهذه الأيام تتسابق النساء على مظاهر اجتماعية خاطئة، تجعل الولادة عبئا ثقيلا على الأسرة، أكثر منه سعادة بمجيء هذا المولود البريء، تسمى بمهاترات بعد الولادة.
إذ إنَّ هناك عددا غير قليل من النساء تجهّز لأمور لا تحتاجها بعد الولادة، فتتّفق مع بائعي الورود على تنسيق غرفة المستشفى وملأها بالورود، وكذلك تتّفق مع منسّقة ديكور، لوضع بعض الإضاءات داخل الغرفة، وهناك من النساء يتّفقن مع بائعي الحلويات والشوكالاته، وتُغرق المكان بأنواع الحلويات، وأمور أخرى عجيبة، كشراء أغطية لسرير الغرفة، يتناسق لونه مع الورود والحلويات.
وهناك من يتّفق مع إحدى الشركات، لحضور امرأة تصب القهوة، كما أن هناك من يشتري سجّادة تناسب ما ذكرناه آنفا، فتُصبح الغرفة مليئة بلوازم زائدة لا تحتاجها المرأة في ذلك الوقت.
ومن الطريف كذلك جلب الفحم ووضع البخور والعود، ما أن تخرج المرأة من غرفة الولادة، حتى وأن كانت المرأة تعاني من آلام شديدة، أو من تعسّر في الولادة أو من عملية قيصرية، فالمهم هو الظهور بمظهر كامل أمام الزائرات!
وللأسف فإن هذا الترتيب يتطلّب وقتا طويلا، فلذلك نجد أغلب النساء الحمّل، يعدن العدد منذُ معرفتهن بالحمل، لهذا اليوم الذي ينتهي في لحظات بسيطة، ولكن أثره يبقى العمر كلّه.
فترتيب مثل هذا النوع من الأمور يحتاج إلى موازنة غير بسيطة، فتتضاعف الديون على الأسر ذات الدخل المتوسّط والمحدود، حتى أن بعض الأسر تضطر إلى الاقتراض من البنوك، لتظهر أمام الآخرين بنفس المستوى، فتكون ضحيّة المغالاة والمظاهر الخدّاعة.
أما الأمر غير المعقول، فإنَّ هناك نساء يتعمّدن إطالة مدّة المكوث في المستشفى، حتى تتم زيارة الأهل والأصحاب في هذا المكان الجميل في أعينهم، ومن ثمَّ ليحصلن على الهدايا، فلا يعانين من وجود الناس ومن «العزايم» المُكلفة جدا داخل البيوت!
وعلى صعيد صحّي فإن وجود الطيب والعود في غرف المستشفيات، موضوع غير صحي، وغير حضاري، فالمريض يحتاج إلى أن يكون في راحة تامة، وخاصة المرأة الواضعة حديثا، فإنها تحتاج إلى أن تكون في قمّة الراحة، لأنها معرّضة في أية لحظة إلى مضاعفات بعد الولادة.
وأيضا وجود الأغطية الكبيرة فوق سرير المريضة، تُعيق عملية الحركة لدى الأطباء والممرضات، وكذلك المريضة نفسها، فتجد حركتها صعبة مع هذه الأغطية، فما بالك إذا حصل أمر طارئ، فكيف سيكون تصرّف المرأة والأسرة والأطباء في ذلك الوقت؟!
نريد التحضّر ولكننا نستخدمه في أمور خاطئة، مثل الذي يحدث بعد الولادة، فلو أنّ كل النساء ابتعدن عن هذه المظاهر الكذّابة، واتّبعن توصيات الأطباء، والتزمن بأغطية المستشفى، وما هو قيد المعقول من الأدوات داخل الغرفة، فإنَّ هذا مدعاة إلى قمّة التحضّر والرقي.
فلنجعل غرفتنا بعد الولادة مريحة، بحيث لا تجلب لنا العناء والشقاء، بل الراحة والاستجمام، حتى نركّز في المولود الجديد، ونبذل أموالنا وطاقاتنا من أجله، وليس من أجل أمور فارهة، تنتهي بمجرّد الخروج من مستشفى الولادة.
إقرأ أيضا لـ "مريم الشروقي"العدد 2441 - الثلثاء 12 مايو 2009م الموافق 17 جمادى الأولى 1430هـ