العدد 2441 - الثلثاء 12 مايو 2009م الموافق 17 جمادى الأولى 1430هـ

المراهقون والمفهوم السياسي

سلمان ناصر comments [at] alwasatnews.com

.

من الأسباب التي تؤدي دورا مهما في جنوح المراهقين والشباب إلى العنف تفشي البطالة وسوء الأوضاع الاقتصادية وانخفاض مداخيل الدولة، تجعل نفوس الشباب مرتعا خصبا لكل الأفكار المغرية، وعرضه لكل إغراء مادي يستعمل مصيدة لهؤلاء لتوريطهم في أعمال العنف بغير حق بقصد إخراجهم من وضعيتهم الصعبة.

من جهة أخرى مواجهة العنف بالعنف تعني إشعال حرب لا يمكن توقع نتائجها ولا إحصاء خسائرها، حيث مواجهة العنف بالتسامح يجنب احتمال وقوع كارثة... أو يقلص الأضرار المحتملة، كما مكافأة الإساءة بالإحسان... أكثر الوسائل قدرة على تقريب القلوب وتوفير الأمن والسلام.

قريش جابهت النبي (ص) بالعنف لكنه لم يواجه عنفهم بعنف... وحين تمكن منهم في فتح مكة سألهم: ما تروني صانعا بكم؟! قالوا: أخ كريم وابن أخ كريم!، قال اذهبوا فأنتم الطلقاء!

ولكن هل هذا ينطبق على مسألة التجنيد لنشر الأفكار المنحرفة والمجادلة عنها عبر الإنترنت أو الفضاء أو العلاقات الشخصية أو الكتابات. ولا شك أن اكتشاف التجنيد والتعرف على المستهدفين وقطع الطريق عليهم هو مهمة صعبة ولكنها ضرورية، وفي جانبها الأمني فلا أحد ينكر ضرورة الوعي واليقظة ومنع حدوث أية جريمة تحت أية ذريعة فكيف إذا كان المتضررون أطفال ومراهقون.

وفي الوقت ذاته يجب الحرص من عدم اتساع النار كي لا تطال الملاحقة أبرياء، لأن هذا بالضبط هو ما يريده البعض، حيث يقع ما يسمونه بخلط الأوراق والذي يعدونه نجاحا لهم وكأنهم يتصورون أن مهمتهم هي تجنيد الغاضبين والساخطين ومن وقعت عليه تهمة لا حقيقة لها، فتكون نفوسهم قابلة للانضمام خاصة وأنهم غالبا يشتركون معهم في الهيئة والتوجه العام. ويجب أن نكون صرحا وأن لا نعتبر المراهق مخرب فثمة من لديهم تشدد يحتاج إلى معالجة وتصحيح أو إلى عزل أفكاره، بحيث لا تكون هي السائدة لكن يضمن له حقه في الحياة الكريمة والعيش والعمل والحقوق.

كما أن شحن المراهقين من خلال الخطاب الديني المتعصب، وخصوصا أن هذا الخطاب في دورته الحالية لا يعد ماركسيا أو حتى وطنيا ربما، بل هو مؤسس على عاطفة دينية، ولا أقول على رؤية دينية.

بسبب فقدان الرؤية لدى البعض، والمعرفة ضعيفة أو غائبة، ولكن ثمة مشاعر وإحساسات شخصية متدينة أو منحرفة، اكتشفت الدين فجأة، ووجدت فيه ملاذا، ثم صبت كل مشاعرها في أي نص يقابلها.

التكفير مثلا مبدأ يرفضه الدين ويحذر منه، ويكفي أن لدينا عددا من النصوص الصحيحة الصريحة المتواترة في التحذير في التكفير على سبيل المثال:

عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ - (رض) - أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ (ص) قَالَ «إِذَا قَالَ الرَّجُلُ لأَخِيهِ يَا كَافِرُ فَقَدْ بَاءَ بِهِ أَحَدُهُمَا». رواه البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي.

كما أن التشكيك في النوايا يوحي إلى خوف من الإصلاح والهدف هو مجرد تشكيك وعرقلة بقصد التعطيل والإيذاء أحيانا.

أرجو قراءة هذه الأسباب بعناية وموضوعية، لأن مثل هذه الموضوعات المتصلة بأبعاد سياسية واجتماعية يقع فيها أحيانا التراشق والتبادل، أو يقع فيها التخندق والاصطفاف وظهور الولاءات المتقابلة، أو يقع فيها تصفية الحسابات والانتقام.

كما أن توفير حسن النية ضروري لكل تناول رشيد، إذ لا يقصد بالتناول لمثل هذه المواضيع الحساسة الهجوم الإعلامي أو التشفي، بل القصد الصحيح هو حماية الأفراد من الوقوع في الغلو السياسي والحفاظ على الوطن وحفظ استمرارية التنمية وحفظ حقوق الإنسان، وحفظ سمعة الدين وأهل الدين، وتمكين الوطن من الانطلاق نحو النهضة الحيوية في المجالات المختلفة.

لم أشأ أن أتطرق لهذه الأسباب وجهة الأطر الأكاديمية البحتة التي تضعف اتصاله بالواقع، وتقلل حظوظه في التلقي والتعاطي والتفاعل الإيجابي معه، بل حاولت توظيف بعض جوانب الخبرة الشخصية ولو كانت محدودة في التعامل مع هذه الظاهرة والمعرفة الشخصية ببعض دوافعها عبر المعبرين عنها، وفي التعايش مع الناس العاديين البسطاء الذين يكونون أحيانا وقودا لهذا العنف، أو متعاطفين معها بطريقة ما، دون تقيد بمنطق، أو انطلاق من قناعة، بل لمجرد الميل والمزاج النفسي الذي يؤهل لمثل هذه المواقف العفوية في بدايتها، الخطيرة في نتائجها ومآلاتها.

ويجب أن نعلم بأن الحلول متعلقة بالأسباب، حيث في الواقع غالبا ما تكون المعالجات بمعزل عن الأسباب، وكأنها لا تؤمن بالسببية أو ترى أن المؤثرات خارجة محضة، وتبرز جانب المواجهة المادية، متجاوزة بذلك أي حديث أو تفكير في البحث عن أسباب من شأنها أن تجعل الظاهرة أكثر اتساعا، وأسرع تكرارا، وإن تشكلت في صور شتى تتفاوت فيما بينها، ولكنها تتحد في طبيعتها، نظرا لأن أسبابها واحدة.

إن التسلسل المنطقي يحتم - مع ضرورة المعالجة الآنية - أن تعمد جهات عملية واجتماعية لدراسة الظاهرة بعمق، وتلمس دوافعها، والعوامل البيئية والشخصية والتاريخية والسياسية والاقتصادية التي تقف وراءها، مع التأكيد المستمر على الفرق بين البحث عن الأسباب لدراستها وإزالة ما يمكن إزالته منها، وبين التسويغ والتبرير لها من قبل البعض المضاد.

وهنا نقول إن ما تصنعه الشعوب لا يلزم أن يكون أملا شرعيا، فالواقع، بل والتاريخ ليس دائما سجلا للفضائل، ولا استجابة للقيم النبيلة، حيث غالب المسلمين يقعون تحت دائرة الاعتدال وضبط النفس، ويجب التفريق بين الآراء الواسعة التي يوجد حق للفرد أن ينتحلها أو يميل إليها، ولو كان فيها شيء من التشدد في نظر الآخرين، ما دامت لا تتعارض مع الوحدة والأمن، وبين الشحن غير المبرر للمراهقين، فالإسراف في تأطير الناس ومحاصرتهم ضمن برامج محددة لا يغير أفكارهم، بل يزيدهم تمسكا بها كقصة صاحب العباءة التي كانت الريح تهب عليها فيزداد تمسكا بها فلما أشرقت الشمس وشعر بالحرارة تخلى عنها طوعا!

فلنتوجه لإنتاج شاب مواطن أو مراهق يؤثر ويتأثر للكل وليس لشريحة أو قبيلة أو مذهب.

إقرأ أيضا لـ "سلمان ناصر"

العدد 2441 - الثلثاء 12 مايو 2009م الموافق 17 جمادى الأولى 1430هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً