العدد 3055 - الأحد 16 يناير 2011م الموافق 11 صفر 1432هـ

الأهم فيما جَرَى... بن علي لن يحضر القمّة القادمة

محمد عبدالله محمد Mohd.Abdulla [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

كيفَ جرَى ما جَرَى في تونس؟! ستة وعشرون يوماً فقط كانت كافية لإسقاط نظام زين العابدين بن علي (74 عاماً) الذي حَكَم بلاده طيلة ثلاثة وعشرين عاماً. دَخَلتُ على الموسوعة الحرَّة (ويكيبيديا) ليلة فِرار بن علي فرأيتُ مكتوباً في سيرته الذاتية أنه ثاني رؤساء الجمهورية التونسية، وحَكَمَ بلاده في الفترة من 07 نوفمبر/ تشرين الثاني 1987 - 14 يناير/ كانون الثاني 2011. إنه أمرٌ لا يُصدَّق بالمرَّة.

خلال الأيام القليلة الماضية كنا نترقب أحداثاً جِساماً في لبنان بعد انهيار حكومة الحريري. وكانت أعناق الجميع مُشْرَئِبَّة نحو انفصال جنوب السودان بعد الاستفتاء، ونحو محادثات اسطنبول «النووية» بين إيران والغرب، والتصعيد الصهيوني في قطاع غزَّة، والحرب الأميركية الصينية الصامتة في المحيط الهادئ بعد تطوير بكين لقاذفة خفيّة متطورة. وكنا نُحصِي ارتدادات وثائق ويكيليكس التي تورّطت فيها الولايات المتحدة مع العالَم. لكن لم يكن أحد يتوقع أن يحدث زلزالٌ شعبي يُقوِّض نظام الرئيس السابق زين العابدين بن علي في تونس. لماذا؟

لأن النظام التونسي باختصار ومنذ السابع من نوفمبر من العام 1987 اعتمد على نظريّة الأمن بشكل غير مسبوق. في السَّنة الأولى من حُكم بن علي أُقصِيَ القوميون. وفي السنة الثانية جاء الدور على الإسلاميين. وفي الأخيرة أُنهِيَ وجود اليسار. لم يكن تعامل النظام من الناحية الأمنية متناسباً بالمطلق مع الحالة التنموية في قطاعي التعليم (ومُخرَجاته العالية والنابهة) والصحّة اللذان شَهِدا تطوراً كبيراً لا يُمكن لأحد أن يُنكره. حالهما كحال بقية الملفات الأخرى كتمكين المرأة، والضمان الاجتماعي، وتعزيز حضور السياحة والاستثمارات.

لذا فإنني ومن خلال هذه المُفردة المحورية ما بين صيغة الدولة في التنمية ومثيلتها في الأمن أودّ الإشارة إلى أمرَيْن اثنين أعتقد أنهما ضروريان لقراءة أحداث تونس الأخرى.

الملاحظة الأولى: قبل سبعة أشهر كتبتُ مقالاً تساءلت فيه بالقول: ألَيسَ غريباً أن تنعدم الحرّيات في بلد متقدّم تكنولوجياً حتى الإعجاب؟! وأليسَ غريباً أن تنعدم الخدمات المدنية المُقدَّمَة للناس في بلد غارق في الديمقراطية لحدّ الضَّجَر منها؟! وضَربتُ مثالاً بسنغافورة التي تتميّز بخدمات تعليمية وإدارية وطبيّة متقدمة جداً لكنها تفتقر إلى أبسط الحقوق في التعبير والحريات العامة.

استحضرت في مقابل ذلك بلاداً كبنغلاديش التي تستحوذ فيها المرأة على خمسة وأربعين مقعداً في برلمانها، وعلى ثلث مقاعد الهيئات المحلية، ومُوقِعَّة على أكثر من 17 اتفاقية دولية تضمن حقوق الإنسان، ولديها نظام حَوكَمَة وانتخاب راقٍ يُشار إليه بالبَنَان، لكنها مازالت بلداً متخلفاً على مستوى الخدمات. بل إن أكثر من نصف الشعب هناك يعيش تحت خطّ الفقر. ثم تساءلت: هل إن ما يعانيه هذا البلد من إخفاقات وسيئات هي بفضل الديمقراطية؟!

عند تلك اللحظة كانت الإشارة هي أن لا تُعَلَّب الديمقراطيات للدول القمعيّة من الخارج لأن ذلك قد يُحيل الأمر إلى كارثة كما حصل في العراق. لكن (وهنا أصْلُ القول) فيما خَصَّ الداخل وتغييراته واستحقاقاته الطبيعية يُصبح الأمر مُختلفاً تماماً. بالتأكيد لا تُشير بذلك إلى الثورات البرتقاليّة والمخمليّة المدعومة من الغرب والتي تورّطت فيها جورجيا وأوكرانيا وجماعات سياسية في دول أخرى، وإنما نعني التغيير التلقائي الذي يُنتِجه المجموع الشعبي كما جرى في تونس قبل 29 يوماً. فهذا البلَد أنتج تغييره بِجِلْدٍ وجَلَدٍ داخليين بشكل صرف.

فمن هذا المنطلق، فإن تعزيز الأمن والتنمية متماثلان إلى حدَّ التطابق. وإن عَلا أحدهما على الآخر اختلَّ التوازن القائم ينهما. هنا كان الإشكال في تونس. تعزَّزَ التعليم والأمن وتكرَّس النظام الصحي وغابت الحريات ومَرَاوِح التعبير في مستواها الأدنى حتى. طَرْد طالبة من قاعة امتحان جامعي بسبب حجابها، أو إجبار مالِك مصنعٍ للأحذية لتسريح عاملاتٍ مُحجَّبات، واعتقال مُدوّنين أو محاميين كانت إحدى سِمَات غياب الحُريّات هناك. في حقيقة الأمر لم يكن نظام بن علي مُحتاجاً لكلّ ذلك لكي يبقى في السلطة. كان بإمكانه أن يُعيد إنتاج نظامه ولو بالتخريجات الديمقراطية الضَّيّقة. أن يجعل الناس يختارون وهم في قالَبٍ مُجبر على أقل تقدير، لكنه لم يفعل وهنا كان الخلل. ولو فَعَل لاتَّسَقت التنمية مع الحريات وانتهى الأمر.

فالتنفيس وإعادة تدوير الملفات واستحلاب المطالب الخاصة بالطبقة السياسية الوسطى والمُهَمَّشَة وتصغير دائرة الحساسيات الأمنية ومُقَدَّسات السلطة كانت كفيلة بأن يعيد النظام السياسي التونسي الذي كان يتسيَّد عليه بن علي إنتاج نفسه كل عقد، أو في كل خطّة خمسية على أقل تقدير. لأن الترحيل والتأجيل والتعليق ثم ترحيل المُرحّل وتأجيل المُؤجّل وتعليق المُعلّق لا يحلّ الأمور أبداً وإنما يُراكمها طبقة بعد أخرى إلى الحدّ الذي يصِلُ بها إلى درجة الانفجار. وحينها لا ينفعل معها أيُّ رَتقٍ أو تسوية أو أنصاف حُلُول.

الملاحظة الثانية: أظهر الغرب (وبالتحديد الولايات المتحدة الأميركية وفرنسا) سوء تقدير وانتهازية سياسية لا مثيل لها. ففي المرحلة التي تَلَت تصدّع نظام زين العابدين بن علي أشاح الغرب بوجهه عن حليفه السابق مُبتسِماً ومُؤيّداً للحركة الجديدة، حتى أن فرنسا تمنَّعت عن استقباله حتى على أراضيها. لكن الجميع أيضاً يتذكَّر كيف أن هذا الغرب اللئيم كان الحليف الأهم والأقوى لنظام الرئيس بن علي، وهو الذي أبقاه ومَدَّ في عُمره سنين طوال.

الولايات المتحدة كانت تُقيم علاقات وثيقة مع تونس منذ العام 1795، بل إنها كانت تُقيم معها مناورات عسكرية مشتركة باستمرار، وقدّمت واشنطن أوَّل مساعداتها الاقتصادية والتقنية إلى تونس بموجب اتفاق ثنائي منذ 26 مارس/ آذار 1957. وفي العام 1989 وُقِّع اتفاق بين الطرفين لتجنب الازدواج الضريبي، وفي العام 1990 أبرَمَا معاهدة استثمار ثنائية. وفي أكتوبر/ تشرين الثاني من العام 2002 وقَّع الطرفان اتفاقاً إطارياً للتجارة والاستثمار (تيفا). وكان الرئيس الأميركي جورج بوش السابق كثير الإطراء على النظام التونسي. وإن أبدت واشنطن شيئاً من التشجيع نحو مزيد من الديمقراطية وإطلاق الحريات في الداخل التونسي عبر تصريحات هنا وهناك فإن ذلك لا يعدو كونه نافلة من نوافل السياسة الأميركية التي أصبغت بها منذ زمن.

أما الفرنسيون فقد كانوا حائطاً ضامناً لنظام بن علي منذ الخمسينيات. وفي 24 أبريل/ نيسان من العام 2009 وقع الوزير الأول التونسي محمد الغنوشي ونظيره الفرنسي فرانسوا فيلون ثماني اتفاقيات تعاون في مجالات الطاقة النووية والاستثمار والنقل والتعليم. بل إن وزيرة الخارجية الفرنسية ميشال اليو ماري نقلاً عن موقع راديو كندا قد أكَّدت في أتون الاحتجاجات الأخيرة التي اجتاحت تونس بأن الأولوية بالنسبة لباريس هي عودة الهدوء إلى الشارع، وأن فرنسا لديها من التقنيات والإمكانيات الأمنية والشّرطية والعسكرية المتقدمة ما يُمكنها من مساعدة تونس فيها. وكان الفرنسيون ومنذ مدّة يؤكِّدون دائماً بأن نظام الرئيس بن علي هو حائط صَدٍّ أمام الإسلاميين لمنعهم من الوصول إلى أوروبا (راجع تصريحات ساركوزي في ذلك).

وكانت إحدى وثائق ويكيليكس المُسرّبة قد أشارت إلى «نوع من التحفظ في حَثِّ (زين العابدين) بن علي على المضي قدماً في الإصلاحات السياسية لدى كل من إيطاليا وفرنسا. ولآخر لحظة كان برنار فاليرو الناطق باسم وزارة الخارجية الفرنسية يقول «نحن ندعو إلى وقف العنف، والخطوات التي أعلنها الرئيس تسير في الاتجاه الصحيح». هذه هي الدول الغربية التي رَكِبت موجة التغيير في تونس مُشيدة ومُرحّبة به وكأنها كانت العرَّاب إليها. لقد أثبت الغرب أنه غير صادق، بل ولا يُقدّر بالمطلق أية علاقة تربطه بأحد ما لم تكُن ضمن فلكه ومصالحه. وهو يُعيد بذلك إلى العالَم مشهد فرار شاه إيران محمد رضا بهلوي بعد أن أطاح به الثوّار الإسلاميون بقيادة الإمام الخميني في العام 1979 ولم تمنحه واشنطن حتى فرصة البقاء على أراضيها للعلاج من مرض السرطان الذي كان قد تمكّن من جسمه.

إقرأ أيضا لـ "محمد عبدالله محمد"

العدد 3055 - الأحد 16 يناير 2011م الموافق 11 صفر 1432هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 7 | 7:53 ص

      نور

      زائر رقم واحد هههههههههههه انت فاهم السالفة غلط .. الريال ذبح عمره عن تدوير المشكلة و فرار الظلمة و مصلحجية الغرب و انت تتحدث عن لقاء القيامة
      ابئى فرجينا حالك يوم القيامة :)

    • زائر 6 | 12:35 م

      الى رقم 1

      بصراحة انت متفرغ بهذا التعليق فما هذا الرد على موضوع متوازن ومحق في كل ما يقوله الكاتب ومادخل لقاء يوم القيامه ولله تعبت روحك على هذا التعليق بهذا الهراء

    • مال بوري | 11:19 ص

      ليس الاهم

      اخالفك ايها الاستاذ الكريم
      لان حريةشعب باكملة لا تساوي ذرة من دخوله قاعة القمة القادمة
      ماذا يعني دخوله او عدمه ما دام الشعب في حالة غير طبيعية؟؟؟

    • زائر 4 | 2:48 ص

      من الأخبار

      وفي تطور لافت قتل قناصان بعد ظهر الاحد بيد الجيش وسط العاصمة مع اندلاع معارك احتدمت بين القوات النظامية وميليشيات مسلحة

    • زائر 2 | 12:59 ص

      من أخبار اليوم

      اشتباكات مسلحة في العاصمة بين الجيش وعناصر من الامن الرئاسي. وترسخ الاعتقاد امس بان انصار الرئيس المخلوع زين العابدين بن علي يتولون بث الفوضى في البلاد، عبر اطلاق النار والاعتداء على الممتلكات الخاصة والعامة. ما اضطر الجيش الى التدخل بقوة في العاصمة ومدن اخرى لوضع حد لهذا الفلتان.

    • زائر 1 | 12:22 ص

      هل تريد المالكي؟

      هل تريد أن يحضر المالكي القمة ؟ هل تريد نجاد أن يحضر القمة ؟ عجيب أمركم ؟ ولكن الموعد معكم يوم القيامة..

اقرأ ايضاً