مقتدر خان - أستاذ مشارك بجامعة ديلاوير وزميل في معهد السياسة الاجتماعية والتفاهم، والمقال ينشر بالتع
16 يناير 2011
كشفت الوحشية التي تؤرق المجتمعات المسلمة مرة أخرى عن وجهها البشع على شكل عملية اغتيال بربرية للحاكم الإقليمي سلمان تيسير في 4 يناير/ كانون الثاني. ادعى مرتكب الجريمة، وهو حارس السيد تيسير الشخصي أنه قتل تيسير لأن الحاكم يعارض قانون التجديف في باكستان. سوف تُسكِت عملية اغتيال تيسير بالتأكيد العديد من الأصوات المعتدلة وسوف تُمعِن في تخويف الحكومة.
بدأت الأزمة الأخيرة عندما اتُهمِت آسيا نورين، وهي امرأة باكستانية مسيحية، بالتجديف، حيث يدّعي شهود أنها أهانت النبي محمد (ص). قامت محكمة في الباكستان، مشيرة إلى قانون التجديف الذي أصدرته الدولة، بالحكم على نورين بالإعدام. وتعرّض تيسير، الذي كان يسعى علناً للعفو عن نورين للتهديات من قِبَل بعض القادة الدينيين نتيجة لذلك ولأنه وقف إلى جانب أقليات أخرى مثل الأحمديين، وهم طائفة مسلمة يجري اضطهادها أحياناً بسب معتقداتها التي تعتبر غير قويمة.
خرج الآلاف إلى الشوارع الأسبوع الماضي، بتحريض من أحزاب دينية وأئمة مطالبين بإعدام نورين. ورغم أن الناشطين في مجال حقوق الإنسان والعديد من العلماء المسلمين أدانوا هذه التطورات، إلا أن الحكومة خائفة من العفو عنها وإلغاء القانون، خاصة بعد مقتل تيسير الأسبوع الماضي.
تبرز قضيتان مرة أخرى نتيجة لهذه الأحداث. أول قضية هي مسألة حكم الإعدام بسبب جرائم تتعلق بالفكر والقول المصنفين على أنهما تجديفاً، وهو عقاب يخالف المثل الإسلامية المتمثلة بالرحمة والتعاطف. يُساء في العديد من الحالات استخدام قانون التجديف من قبل المسلمين بهدف الثأر من الأقليات الدينية ومسلمين آخرين، باتهامهم زيفاً بالتجديف. وتُشكّل وتيرة إساءة استخدام هذه القوانين وبشكل صارخ تبريراً كافياً لإلغائها.
واقع الأمر أن هذه القوانين، رغم أنها وُجِدت باسم الإسلام، لا مكان لها فيه، ولا تطبقها سوى قلة لا تذكر من الدول ذات الغالبية المسلمة. وباكستان هي حالة استثنائية نادرة. يستخدم رجال الدين هذه القوانين أحياناً للحصول على شهرة وشعبية سريعة بين أتباعهم على حساب أناس لا حول ولا قوة لهم مثل نورين.
القضية الثانية هي توجه أصبح مزعجاً بشكل متزايد في بعض المجتمعات المسلمة باعتبار أي حديث شريف غير صحيح إذا كان يُظهِر رحمة أو تعاطفاً، بينما تعتبر الأحاديث التي تحتوي على نوع من الدفاع عن القتل والعنف، وهي قليلة، وجاءت في مضامين محددة خاصة، تعتبر صحيحة أصيلة. يتفاعل بعض المسلمين حتى بالإنكار، ويطالبون بالمصدر فوراً عند ذكر أية رواية عن رحمة النبي (ص) وتعاطفه. يبدو أنه بالنسبة للبعض منا أصبحت الرحمة والتعاطف فضائل غير إسلامية.
على سبيل المثال، وحسب حديث له شعبية كبيرة، اعتاد رجل يهودي على إلقاء م القمامة على النبي (ص) كلما مرّ من أمام منزله. لم يتخذ لا هو ولا أي من صحابته إجراءً ضده. وفي أحد الأيام عندما لم يظهر ذلك الرجل كالمعتاد لإلقاء القمامة على النبي، ذهب إلى بيته ليسأل عنه.
قام أعداء النبي (ص) طوال حياته بإهانته، ولكنه لم يأمر يوماً بقتلهم انتقاماً على الإهانة. ويخبرنا القرآن الكريم بحالات كهذه، دون أن يطالب بقتل المعتدين.
تشكّل قصص كهذه، والتي تؤكد على رحمة النبي (ص) وتعاطفه، جزءاً من الفولكلور الإسلامي والموسيقى وقصص الأطفال والحوار حول طاولة الطعام في التقاليد الإسلامية.
وتشكّل الرحمة أهم صفات الله تعالى وأكثرها تأكيداً في القرآن الكريم. وإذا أخذنا بالاعتبار الشكوك المحيطة بصحة العديد من الأحاديث، فإنني آمل أن يصبح المسلمون أكثر تجاوباً وانفتاحاً مع هؤلاء الذين ينادون بالرحمة والتعاطف والتسامح، وينتقدون هؤلاء الذين يشجّعون على العنف والقتل والحقد. ففي نهاية المطاف لا يمكن للتسامح والتعاطف أن تكون لهما نتائج كارثية. الحقد والعنف هما اللذان يطلقان دائرة لا نهاية لها من هذه المشاعر.
يقول القرآن الكريم أن الله تعالى أرسل النبي محمد (ص) رحمة للعالمين. كيف نستطيع أن نقنع آسيا نورين في باكستان أن هذا أمر صحيح؟
العدد 3055 - الأحد 16 يناير 2011م الموافق 11 صفر 1432هـ