العدد 3053 - الجمعة 14 يناير 2011م الموافق 09 صفر 1432هـ

القادة العَرب يجتمعونَ على مِقلاةٍ عراقية

محمد عبدالله محمد Mohd.Abdulla [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

القادة العرب (قد) يجتمعون في العاصمة العراقية (بغداد). موعدُ التآمِهِم في القمَّة الثالثة والعشرين هو في الشهر الثالث من هذا العام. خلال الأيام المنصرفة جَالَ الأمين العام لجامعة الدول العربية عَمرو موسى في العراق من جنوبه إلى شماله. قابَلَ مُكوّنات العراق الرئيسية، الشِّيعة، السّنَّة والأكراد ومُمثليهم. مَكَثَ بينهم أزيد من عشرة أيام، والتقى بمراجعهم السياسية والدينية في النجف الأشرف وبغداد والأنبار وكردستان العراق. هكذا كان المشهد.

وربما جاء المسعى العربي الأخير (سواء من الجامعة العربية عبر أمينها العام أو زيارات المسئوليين العرب كرئيسي الوزراء الكويتي والأردني ووزير الخارجية المصري وغيرهم) نحو جَرّ العراق إلى الحاضنة العربية مُتأخراً جداً إلاّ أنه يبقى أكثر من مُهم في مثل هذه الظروف العصيبة. فطيلة السنوات السبع الماضية التي تلت دخول القوات الأميركية بغداد كان الموقف العربي الرسمي يحمل الكثير من السلبية تجاه العراق سياسياً واجتماعياً واقتصادياً.

ففي السياسة تُرِكَت بغداد إلى الحَدّ الذي لم يَعُد لها أيّ نكهة عربية لا في المعادلات الإقليمية ولا حتى على مستوى التنسيق البيني. واجتماعياً تُرِكَ العراقيون يتقاتلون بالاتّكاء على انتماءاتهم المذهبية دون أن يكون للعرب أيّ دور في لجمها. وفي الاقتصاد أصبحت خيرات العراق من نصيب الشركات الأميركية والبريطانية حصراً منذ أن أصدر الحاكم المدني للعراق بول بريمر قراره في سبتمبر/ أيلول من العام 2003 بخصخصة الصناعات المُؤمّمة ووضع سقف لضريبة الشركات وضريبة الدخل وحظر العديد من التعريفات الجمركية.

بالتأكيد هناك أطراف كثيرة لا تريد حضوراً عربياً في داخل العراق، وتبتغي احتكاره سياسياً واقتصادياً. وقد بدا أن ذلك المسعى ليس هَوَسَاً أو ضرباً من الخيال، ففي الرابع من يناير/ كانون الثاني الجاري ضَبَطَت قوات الأمن العراقية 24 صاروخاً في حي الفرات المتاخِم لمطار بغداد الدولي كانت مُعَدَّة للإطلاق باتجاه المطار. كما شَهِدَت الأيام العشرة الماضية إطلاق أحَدَ عشر صاروخاً على قاعدة للجيش الأميركي بالقرب من المطار أيضاً. وكان الهدف من كل ذلك إعطاء صورة سلبية عن الحالة الأمنية في بغداد، وبالتالي يتمنَّع القادة العرب من المجيء إلى العراق بعد شهرين.

في كلّ الأحوال، فإن وجوداً عربياً في العراق أصبح مسألة استراتيجية تخصّ الأمن القومي العربي. وربما وجود مساحة هائلة من الجغرافيا في الشمال الآسيوي (غرباً وشمالاً) يعني حزاماً يحمي سورية والأردن بالانعطاف نحو منطقة الخليج، ويصل بالطريق العربي نحو تركيا ومنها إلى أوروبا. وأيضاً مساراً نَشِطاً باتجاه الشرق حيث إيران، وهي في عُمومها جغرافيا أكثر من استراتيجية لمحيط عربي مُهدّد إثنياً وأمنياً بيّنته الحوادث الأخيرة في مصر وتونس والجزائر. وبالتالي فإن الاهتمام بذلك المحيط ليس نافلة من نوافل السياسة العربية بل هو فرض واجب لا يُمكن إشاحة الوجه عنه. هذا فيما خصّ العرب.

أمّا ما خصّ العراق فإن الإجراءات التي اتخذتها الحكومة العراقية منذ الخامس والعشرين من شهر أكتوبر/ تشرين الأول الماضي هي تشكيل لجنة أمنية عُليا لمتابعة الخطط الأمنية المخصصة للقمّة العربية، هدفها «توفير الأمن للشخصيات والمنشآت والطرق للمُشاركين في القمة وخطة تدريبية مستمرة للوقوف على كيفية تنفيذ الإجراءات، ورصد محيط المطار بنصف قطر 10 كم، وشراء أكثر من 200 كاميرا مراقبة متطورة لنصبها في شوارع العاصمة الرئيسية لتأمين انعقاد القمّة العربية» حسب إفادة وكيل وزارة الداخلية العراقية.

وهذه الإجراءات هي في مجموعها بالتأكيد مُقدّمات واجبة للتحضير للقمّة، لكن الأكثر أهمية هو إعادة النظر في الخريطة الخدماتية للعاصمة (بغداد). فمن غير المعقول أن لا يُوضعَ حجرٌ على حجر في هذا البلد منذ سقوط بغداد، ليبقى الاعتماد على ما كان مُشَيَّداً في السابق ولم تُدمّره الحرب الأميركية. من غير المعقول أن تبقى الحالة الفندقيّة قروسطية لدرجة أن يكون أفضل الفنادق في العاصمة (بغداد) بمستوى خدمات أقل من متواضعة. هذه الأمور أكثر من مهمّة لاستيعاب نشاط العراق السياسي الخارجي من مؤتمرات وقِمم ووفود رفيعة المستوى. وإذا ما كانت الحكومة العراقية عاجزة عن إعادة النظر في تلك الخريطة الخدماتية، فلا أعتقد أن قادرة على إنجاز ما هو أكبر منها من مشروعات سواء في السياسة أو الاقتصاد.

اليوم الحاجة بين العراق ومحيطه العربي متبادلة. لكن تلك الحاجة منوطة أيضاً بترتيبات ومبادرات عاجلة من الطرفين. الثاني عليه أن لا يبقى مُحيطاً فارغاً خاملاً لا يقوى على حماية جزءٍ من أجزائه، والأول عليه مُداواة حالته السياسية والاقتصادية والخدماتية بشكل لائق، لكي يستطيع أن يتحوّل إلى وعاء جيوسياسي نابِه وفاعل يُمكن بعده أن ينال لقب دولة.

إقرأ أيضا لـ "محمد عبدالله محمد"

العدد 3053 - الجمعة 14 يناير 2011م الموافق 09 صفر 1432هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً