النظام السياسي لدينا لا يسير على منهج سياسي واضح المعالم والأهداف في تعامله مع التنظيمات السياسية المعارضة، فتارة يرسل الإشارات ويوافق على بعض الإجراءات لخروج المشكلة التي خلقها من عنق الزجاجة، وتارة يخلق مشكلة متعمداً ويواصل في تفاقمها.
في العام 2001م وبعد الانفراج الأمني والسياسي وعودة المنفيين وتبييض السجون وإلغاء قانون ومحكمة أمن الدولة، رجع إلى البلاد كثرة من المناضلين السياسيين العاملين في العمل السري عبر الجبهات السياسية السرية التي تأسست منذ الخمسينيات من القرن الماضي، ومنهم المناضل عبدالرحمن النعيمي -شافاه الله- حيث أعلن من أول يوم وطأت قدماه أرض الوطن أنه قادم للبحرين ليواصل نضاله السياسي المعارض لغاية استكمال الأسس الصحيحة لدولة المؤسسات والقانون وتحقيق الحريات العامة والخاصة والحقوق، وذلك عبر أحزاب سياسية تعكس مصالح الطبقات الاجتماعية والأفكار والايديولوجيات المتنوعة الموجودة في صفوف أبناء شعبنا، وكان مصراً على ذلك لدرجة انه هدد في إحدى مقالاته عندما استشف وجود معاندة من قبل بعض أقطاب الحكم لهذه الدعوة، هدد بأنه سيرجع إلى العمل السري.
وعند هذه المحطة بدأت المفاوضات غير المباشرة والتي كشفت في ظل غياب قانون للأحزاب السياسية أنه من الممكن العمل تحت إطار قانون الجمعيات الأهلية وبإشراف وزارة العمل والشئون الاجتماعية آنذاك مع تجميد المادة (18) من القانون على هذه الجمعيات السياسية فقط والتي تنص على «عدم العمل في السياسة».
ورغم السقف الهابط لهذا القانون بالنسبة للحقل والعمل السياسي وبالأخص للمعارضة، ورغم المعارضات التي برزت في صفوف البعض ممن رفض مثل هذا التراجع من ضرورة اعتراف النظام بالجبهات والتنظيمات السياسية الموجودة تاريخياً إلى الرضوخ تحت إشراف وزارة التنمية الاجتماعية، ورغم صحة جملة هذه الاعتراضات من حيث الشكل، إلا أن الأغلبية قبلت مثل هذه الصفقة السياسية بهدف السماح لتشكيل الجمعيات السياسية التي ما لبثت وأن تحولت في هياكلها الداخلية إلى شكل من أشكال الأحزاب السياسية، مما فرض على الحكم والمجتمع ضرورة إصدار قانون خاص للجمعيات السياسية والذي صدر العام 2005م تحت رقم (26) رغم تحفظاتنا الكثيرة على بعض مواده التي تعيق مواصلة وتطوير العمل السياسي المنظم.
في تلك المرحلة التاريخية كان الحكم مستوعباً ضرورة الوصول إلى التوافق ما بين أطراف الحراك السياسي (الحكم والمعارضة)، وحيث كان الفراغ القانوني في هذا المجال واضحاً، فلقد تم القبول بالسماح للعمل السياسي الحزبي المنظم تحت قانون لا علاقة له بالأحزاب، إلى حين صدور قانون خاص بالأحزاب أو بالجمعيات السياسية.
بيد أن هذا المنهج من التفكير والتعامل قد تراجع نهائياً من قبل الحكم في هذه المرحلة السياسية وتحديداً في العام 2010م، حيث بدأ النظام السياسي في خلق المزيد من العراقيل التي تؤدي، بل وأدت إلى تراجع واضح في الحريات السياسية ومنها حرية الرأي والتفكير والصحافة الحزبية. وبدأ النظام عبر أجهزته الرقابية المختصة في وزارة الإعلام بتفعيل مواد قانونية من قانون الصحافة لمنع النشرات والصحف التابعة للجمعيات السياسية رغم إهمالها لهذه المواد طيلة السنوات الماضيات، ولكن الهدف في «قلب يعقوب» وهو القلب الذي نعرف ما في داخله من أهداف سياسية لإضعاف تأثير المعارضة السياسية وخاصة أثناء الحملات الانتخابية النيابية التي كانت على الأبواب.
ورغم معرفة الجميع، بما فيهم المثقفون الأمنيون، والمنظرون الجدد لإعطاء التبريرات للتراجعات التي أقدم عليها الحكم في مجال حرية الرأي والصحافة، بأن قانون الصحافة الحالي لم يشمل الحقل الإعلامي والصحافي الحزبي بسبب غياب الأحزاب والجمعيات السياسية في تلك المرحلة، وبدلاً من البحث عن التوافقات كما حدث في بداية الألفية الثالثة (2001) عندما تم التعاون لتأسيس الأحزاب السياسية تحت مسمى الجمعيات، نراهم وبجمود سياسي وتعمد فاضح يغلقون النشرات الحزبية تحت تبريرات هم قبل غيرهم يعرفون أنها لا يصلح تطبيقها على النشرات الحزبية التي من المفترض وضمن أهداف هذه الأحزاب أن تصل إلى الناس والمواطنين ويترك لهم وبخياراتهم الحرة المستقلة تبني هذا الموقف أو ذاك.
إن قانون الصحافة الحالي، لا يتضمن أية مواد تسهل حرية النشر والصحافة للجمعيات السياسية، وكان القبول بإصدار هذه النشرات تحت ظلال هذا القانون مخرجاً مؤقتاً لغاية صدور قانون خاص للصحافة الحزبية أو تضمين قانون الصحافة الحالي بمواد تسمح للأحزاب السياسية إصدار صحفها ونشراتها وتوزيعها وبيعها ووضع الإعلانات فيها، ودون مساواتها مع الصحف التي تصدر بهدف الربح وعبر رأس مال القطاع الخاص أو الحكومي، بل تقدير ظروف هذه الجمعيات السياسية المادية والتي لا يمكن مقارنتها بشروط الإصدار المطبقة على الصحافة التجارية.
وإلى حين إصدار مثل هذا القانون، وفي ظل الفراغ التشريعي، لابد من العودة إلى منهج سياسي مرن وتوافقي من قبل الحكم بدل ممارسة القمع والمنع والحصار الإعلامي على المعارضة وإعلامها الحزبي.
إقرأ أيضا لـ "عبدالله جناحي"العدد 3052 - الخميس 13 يناير 2011م الموافق 08 صفر 1432هـ