قرأت كما قرأ غيري الخبر الذي أصدره مجلس النواب قبل أيام عن أن هيئة مكتب المجلس قررت في أحد اجتماعاتها صرف تذاكر السفر للنواب في مهماتهم ومشاركاتهم الرسمية على درجة رجال الأعمالن بدلاً من الدرجة الأولى، وذلك تماشياً مع التوجهات بترشيد الإنفاق ومراعاة الظروف الاقتصادية والمالية الراهنة.

تساءلت كما أظن أن غيري تساءل عن سبب ما بدا للعامة من أنه بداية لشد الأحزمة في المجلس الموقر، وكأن المجلس مقبلٌ على أيام صعبة وهذا الكلام يحتاج إلى توضيح من زاويتين، الأول أن موازنة مجلس النواب تشهد أصلاً وفراً سنوياً جيدا، والثاني أن المبلغ المرصود لموازنته ما يزال الأعلى منذ العام 2009 وحتى الآن، بعد أن خصصت الحكومة له عن طيب خاطر 13 مليون و44 ألف دينار للعامين 2011 و2012.

ورغم أن موضوع شد الأحزمة في مجلس النواب ملفٌ دسم، ويبدو أنه يطال الموظفين أكثر مما ينال أصحاب السعادة الأعضاء الأربعين في العادة، ويكفي للتدليل على ذلك منحة الـ 500 دينار التي أقرها نواب 2006 لموظفي المجلس منتصف العام 2010 لم تصرف لهم، بل قدمت على أنها قروض حسنة واجبة السداد، إلا أننا لن نستغرق كثيراً في تناول هذه الجزئية.

الجزئية الأهم في رأيي هي أن المنطلق دعا هيئة مكتب النواب للتقليل قليلاً، وقليلاً جداً من مصروفات المجلس عبر بوابة مستوى درجة الطيران في السفر هو الترشيد في الإنفاق، في حين إن المبالغ المحصلة عن الفارق بين حجوزات الدرجتين الأولى ورجال الأعمال أقل بكثيرٍ، وكثيرٍ جداً من مخصصات السفر الممنوحة كمصروف جيب لهم إلى حد البذخ، ومن الواجب أن تطال هذه المخصصات مقص الترشيد إذا كنا نتحدث عن وجود رغبة حقيقية لترشيد الإنفاق.

مشكلة مجلس النواب أنه يناقض نفسه، فعن أي ترشيد مالٍ عام يتحدثون في الوقت الذي يقرون لأنفسهم تقاعداً باذخاً يدفعون فيه اشتراكاً قيمته 10 آلاف دينار في السنوات الأربع، ثم يعوضونها في 10 أشهرٍ بعد التقاعد، ويظل الألف دينار لمن أكمل أربع سنوات فقط، أو 1800 دينار لمن تشرف بخدمة الناس 8 سنوات تجري في حسابه المصرفي مدى الحياة، أطال الله في أعمارهم!

40 مليون دينار لحد الآن هو العجز في موازنة صندوق تقاعد النواب ومعهم زملاؤهم الشوريون، فمن أين سيسد العجز؟ من الأموال العامة طبعاً، كم منزلاً يمكن لهذه المبالغ أن تبني وكم مركزاً صحياً وكم نادياً وكم مركزا اجتماعياً يمكنها أن تنشئ، والاهم من ذلك كم ستهدم هذه الأرقام من جسور الثقة بين النواب والشعب؟

وبكل صراحةٍ نقول، امتيازات النواب التي ازدادت مع دخول المعارضة في المجلس النيابي، لم تنتظر كثيراً، في حين إن النواب يطالبون الناس بالتمهل عليهم حبة حبة، وخطوة خطوة، لأن تحسين معيشتهم لا يتم في ليلةٍ وضحاها، بل يحتاج إلى عملٍ تراكمي يمتد سنواتٍ تلو أخرى!

الناس عندما ذهبت إلى صناديق الاقتراع لم تذهب لكي يسافر النائب على الدرجة الأولى أو درجة رجال الأعمال، ولم تذهب لكي يتسلم النائب راتباً تقاعدياً لا يحلم بنصفه أكثر من 100 ألف من المواطنين المتقاعدين، ولم يذهبوا ليركب النائب أفخم السيارات، ويتبخر أو يتعطر بأغلى أنواع العود الكمبودي، أو ليلبس البشت المذهب أو ربطة العنق الفاخرة، الناس انتخبوكم يا حضرات النواب لتدافعوا عن لقمة عيش الناس لا لقمتكم، وتقاعد الناس لا تقاعدكم، وعن امتيازات الناس لا امتيازاتكم. لا نريدكم معدمين لا نريد منكم أن تركبوا سيارات طراز العام 1980، لكننا ننتظر منكم أداءً يوازي على الأقل مقدار «الهبرة» التي تأخذونها، ومن مشاهداتي في الجلسات لا يبدو أن مجلس 2010 سيكون أفضل حالاً من مجلسي 2006 و2002!