العدد 3051 - الأربعاء 12 يناير 2011م الموافق 07 صفر 1432هـ

توحّد جيوش المسلمين لمواجهة التمرد

البحرين في القرن السابع (2):

لقد كانت البحرين تمثل الحدود الغربية للدولة الساسانية وقد كان بها قواد وجيوش فارسية وكان لهم عملاء حتى من القبائل العربية ومن غير المرجح أن تتنازل الفرس عن ذلك بسهولة في البحرين بعد الإسلام والمرجح أنها كانت تتحين الفرص لتعيد نفوذها في المنطقة، هذه الفرصة المنتظرة جاءت بعد وفاة الرسول الأعظم (ص) حيث حدث فراغ سياسي في البحرين نشأ بسبب وفاة المنذر بن ساوى الحاكم المحلي، وغياب ممثل الحكومة المعين من قبل الرسول (ص) وهو أبان بن سعيد بن العاص والذي اعتزل الولاية بحجة عدم التولي لغير الرسول، بينما يرى البعض أن موقفه جاء بمثابة احتجاج على الخلافات التي حدثت في المدينة بعد وفاة الرسول (ص) (أبو المكارم 1996).

وفي هذه الفترة حدث تمرد أشبه بالانقلاب والسيطرة المؤقتة على الحكم وذلك للسيطرة على البحرين. سنتتبع حركة التمرد هذه من خلال دراسة حمد الجاسر التي نشرها في مجلة العرب العام 1983م وهي من أكثر الدراسات علمية واتزاناً وتفصيل حيث أوضح الجاسر الجماعة المتمردة ومكونات جيش المسلمين بصورة واضحة فغيره من الكتاب من يتحدث بصورة عامة فيقول «ارتدّ أهل البحرين» أو «ارتدّت البحرين» وكذلك قول «جيش المسلمين» دون تفصيل، والأسئلة المهمة التي يجب طرحها تتمحور حول مكونات جيش المسلمين وهوية الجماعة المرتدة وهل هم مرتدين أم هم متمردين لم يسلموا أصلاً.


الجماعات المتمردة

يشار لهذا التمرد في كتب الإخباريين باسم «حركة الردة» لأنها حدثت في فترة حركات الردة، إلا أن التصور الأقرب إلى العقل، وبالنظر فيما بين سطور التاريخ أنه لم تكن هناك ردة عن الإسلام حقيقة، بل كان هناك رفض من الجماعات التي لم تدخل في الإسلام أصلاً كاليهود والمجوس والزط والسبابجة لدفع الجزية وقد قامت جماعات أخرى بالتحشيد لهذه الجماعات وكانت بقيادة الحطم بن ضبيعه من بني قيس بن ثعلبة مع من اتبعه ومن تجمع إليهم ممن لايزال كافراً. وعلى الرغم أن الجاسر في بحثه يقر بهذا الترجيح بصورة أو بأخرى إلا أنه يعمم مسمى «المرتدين» على كل تلك الجماعات على الرغم أن منهم من تمرد وامتنع عن دفع الجزية.

لا يمكننا أن ننكر أننا نجهل التركيبة الفعلية لتلك الجماعة المتمردة التي ربما شملت جماعات ارتدت عن الإسلام من قبيلة ربيعة كما زعم البعض إلا أننا نعلم جيداً أن غالبيتهم لم يسلموا أصلاً. ويمكننا أن نستثني المسيحيين من الجماعات التي تمردت، فمن المرجح وجود جماعات في شرق الجزيرة العربية بقيت على مسيحيتها وهذه الجماعات لم يفرض عليها الجزية ولم تدخل ضمن الجماعات المتمردة واستمر بقاء جاليات كبيرة مسيحية حتى بعد انتهاء حركة التمرد هذه (سنناقش ذلك بالتفصيل لاحقاً)، فكما سنرى لاحقاً بقاء تقسيم بيت قطرايا كما هو بأبرشياته والذي انفصل بعد ذلك عن الفرس وأصبح له نوع من الاستقلال الذاتي.


حدوث التمرد

على الرغم من الفراغ السياسي إلا أن هناك جيوشاً من المسلمين في البحرين في فترة حدوث التمرد وكانت ممثلة في القبائل المتمسكة بالإسلام في البحرين فيذكر الجاسر وجود جيش لقبيلة عبدالقيس بقيادة الجارود بن المعلى وجيش آخر لبني تميم إلا أن هذه الجيوش المحلية لم تقدر على جيوش المتمردين الذين استعانوا بالفرس ونظموا عملية التمرد ليتمكنوا من السيطرة على الحكم، حيث يذكر الجاسر في بحثه أن الحطم بن ضبيعه من بني قيس بن ثعلبة مع من اتبعه من المتمردين سواءً كانوا مرتدين أو من تجمع إليهم ممن لايزال كافراً قد بدأوا حركة تمردهم بالأعمال التالية:

1- سار حتى نزل القطيف واستغوى من فيها ممن ارتدّ أو لم يسلم من العرب والزط والسبابجه.

2- أرسل بعثاً إلى دارين ليحول دون وصول بني عبد القيس.

3- أرسل جيشاً إلى جواثا فحصر من فيها من المسلمين حتى اشتد عليهم الحصار.

توحيد جيوش المسلمين ضد المتمردين

كانت هناك خلافات داخلية بين المسلمين وبالخصوص بين شرق الجزيرة العربية والمدينة وربما كانت تلك الخلافات سبباً من أسباب الفراغ السياسي في المنطقة، ولكن مع تزايد قوة المتمردين تناسى المسلمين تلك الخلافات الداخلية فهناك عدو خارجي يود الإطاحة بالإسلام ولابد من توحيد صفوف المسلمين ضد هذا العدو الخارجي، وهكذا وعندما اشتد الحصار على المسلمين وخاصة أولئك المحاصرين في جواثا استغاثوا بجيش المسلمين فأرسلوا للخليفة أبي بكر الصديق (رض) وفي ذلك يقول عبدالله بن حذف الكلابي:

ألا أبلغ أبا بكر رسولا

وفتيان المدينة أجمعينا

فهل لكم إلى قوم كرام

قعود في جواثا محصرينا

كأن دماءهم في كل فج

شعاع الشمس يغشى الناظرينا

ولما أرسل أبو بكر الصديق الجيوش لحرب المتمردين عقد للعلاء بن الحضرمي لواءً وسيّره أمير جيش إلى البحرين وأمره عليها بعد تخليصها، فسار العلاء من المدينة ومعه نفر قليل فمر ببلاد اليمامة فانضم إليه سيد أهلها ثمامة بن أثال ومعه من أسلم منهم، ثم مر ببني تميم فانضم إليه قيس بن عاصم وغيره من رؤساء بني تميم وقومهم من الأبناء وبني عمرو وبني سعد وسار العلاء بمن معه.


حصار جواثا

لا تفصل المصادر العربية ما جرى لجيش العلاء لما وصل إلى مشارف بلاد البحرين ولا حين اجتاز سوادها حتى بلغ هجر ومنها سار لفك الحصار عن جواثا، الواقعة في الناحية الشرقية من السواد ويظهر أن الجيش لم يجد فيما مر به مقاومة لأن سكان البلاد في جهتها الغربية بنو سعد بن زيد مناة وهم ممن شارك في هذا الجيش بقيادة ومحاربين وفي وسطها بنو عبدالقيس ممن فاءوا للإسلام قبل وصول الجيش ومنهم من هو محاصر في جواثا بسبب ثباته على الإسلام.

وسار العلاء بجيشه حتى نزل جواثا وأرسل الجارود ومن معه من قومه لينزل مما يلي الحطم، وسار العلاء بجيشه حتى نزل على الحطم مما يلي هجر ومفهوم هذا إن جيش العلاء طوق جيش المتمردين المحاصر لبلدة جواثا من ناحية الجنوب حيث مدينة هجر ومن ناحية الشمال لصد الإمدادات التي قد تأتي من بلد القطيف. ويفهم من النصوص المتقدمة أن المتمردين اختاروا قاعدة لهم حصن المشقر في مدينة هجر قاعدة الإقليم في ذلك العهد وهذا الموقع لا يبعد كثيراً عن موقع جواثا بالنسبة للمحاربين ومن هنا يتضح معنى اختيار العلاء ناحية الجنوب من جواثا مقراً لجيشه لكي يفصل بين هذه البلدة وبين هجوم من في حصن المشقر.

والمرجح أن العلاء نزل بحصن جواثا وأن مخارقاً نزل بمن معه من بكر بن وائل حصن المشقر فسار إليهم العلاء فيمن اجتمع إليه فقاتلهم قتالاً شديداً حتى كثر القتلى في الفريقين والجارود بن المعلى بالخط يبعث البعوث إلى العلاء. وقيل إن مرزبان فارس في الخط قد تمكن من أخذ الجارود عنده رهينة. وبعث مخارق الحطم بن شريح أحد بني قيس بن ثعلبة إلى مرزبان الخط يستمده فأمده بالأساورة.

فمكثوا على ذالك محاصرين فسمع العلاء وأصحابه لغطاً في عسكر المتمردين فقالوا: لو علمنا أمرهم فقال عبدالله بن حذف أنا أعلمكم فدلوه بحبل فوجدوهم سكارى حيث كان بهم تجار معهم خمر فاشتروا منهم فنزل إليهم جيش المسلمين فلم يفلت منهم أحد وقتل الحطم.

وقد دامت المناوشة بين الفريقين نحو شهر وكانت الخنادق تحول بين الجيشين، وقد انتصر جيش المسلمين في آخر المطاف وكان فيما كتب العلاء إلى أبي بكر عن موقعه جواثا: «أما بعد فإن الله تبارك اسمه سلب عدونا عقولهم وأذهب ريحهم بشراب أصابوه من النهار، فاقتحمنا عليهم خندقهم فوجدناهم سكارى فقتلناهم وقد قتل الله الحطم).


الخط - القطيف - الزارة

لاشك أن المتمردين كانوا رموا بقوتهم لمحاصرة العلاء وأنه بانتصاره في مواقعة جواثا قضى على تلك القوه فانقادت له قاعدة البلاد وهي هجر فاتجه بعد ذلك إلى الخط، وخط المدن التي تقع على الشاطئ وأشهرها القطيف ومدينته إذ ذاك الزارة وكانت ذات شأن في عهد الفرس ولها والٍ غير وإلي هجر، ولذلك اتخذ منها المتمردون قاعدة لتجمعهم قبل وصول العلاء، ولما كتب النصر للعلاء اتجه لمحاربة المتمردين في الخط وقبل ذلك أرسل رجالاً من مشاهير القواد منهم المثنى بن حارثة الشيباني وغيره لكي يحولون دون وصول إمدادات للعدو وقد تقدم أن من المتمردين كانوا من قبيلة ربيعة ومن تابعهم ممن جمعهم الحطم بن ضبيعة من بكر بن وائل ومن أهل الخط من الزط والسبابجة، وقبيلة ربيعة كانت منتشرة في البحرين وتمتد بلادها إلى سواد العراق ولهذا خشي العلاء أن يأتي مدد من هذه الجهة التي تنتشر فيها قبيلة ربيعة، فلما أيقن أنه لن يؤتى من خلفه بشيء يكرهه اتجه إلى الخط حتى بلغ مدينة الزارة وقد اجتمع بها المجوس الذين امتنعوا عن دفع الجزية ومن انضم إليهم بقيادة المكعبر الفارسي الذي سبق ذكره في يوم المشقر وكان من مشاهير قواد الفرس.

ولقوة هذه المدينة حاصرها العلاء ولم يستطع فتحها حتى خرج رجل من أهلها طالباً الأمان من العلاء على أن يدلهم على مجرى العين التي تشرب منها أهل الزارة، فلما أرشدهم إلى المجرى سد عنهم الماء فاضطروا للمصالحة على أن للمسلمين ثلث المدينة وثلث ما فيها من ذهب وفضة وعلى أن يأخذوا النصف مما كان لهم خارج المدينة، وذلك بعد قتل مرزبانها قبل الصلح، فقد دعا إلى البراز فبارزه البراء بن مالك أحد أصحاب رسول الله (ص) فقتله، وأخذ سلبه الذي قوم بأربعين ألف درهم.

ويظهر أن من أسباب طول حصار المدينة أن أهلها أرسلوا ذراريهم إلى جزيرة دارين فلم يبقَ سوى من هو متأهب للقتال. وذكر المؤخرون أن العلاء فتح من قرى الخط السابون والغابة. وكان فتح الزارة في عهد عمر بعد وفاة أبي بكر.


جزيرة دارين

هي الجزيرة المعروفة الآن باسم جزيرة تاروت ولها شهرة قبل الإسلام باعتبار مينائها من أشهر الموانئ في الخليج، ويظهر أن اسم تاروت كان يطلق على القسم الشمالي الشرقي من الجزيرة في القديم، وفي عهدنا شمل الجزيرة وتقلص اسم دارين في طرفها الغربي والجنوبي.

وبعد أن استولى العلاء على الزارة وهي قاعدة الخط، واطمأن إلى أنه لن يؤتي من خلفه اتجه للقضاء على الفلول التي تجمعت في جزيرة دارين، ويبالغ بعض المؤرخين حين يتحدثون عن خوض البحر إلى جزيرة دارين لأنهم يتصورنها بعيدة عن الساحل بحيث أن بعضهم في عصرنا وضعها في خليج عمان، وتمحل لوصول جيوش العلاء إليها أسباباً حين رأى غيره من المتقدمين يعلل ذلك تعليلاً بعيداً عن الواقع ويعدون ذلك من كرامات العلاء.

والمخاضة إلى الجزيرة كانت معروفة إلى عهدنا، فحين يجزر البحر يبقى الماء ضحضاحاً والأرض قريبة، فيسير الناس على الدواب إلى الجزيرة، وقد ردم البحر الآن فاتصلت الجزيرة بمدينة القطيف. وقد ذكر البلاذري وهو من قدماء المؤرخين أن العلاء دل على طريق الخوض إلى تلك الجزيرة قال: (ودله كراز النكري - من نكرة من عبدالقيس - على المخاضة إليهم، فتقحم في جماعة من المسلمين البحر، فلم يشعر أهل دارين إلا بالتكبير، فخرجوا، فقاتلوهم من ثلاثة أوجه، فقتلوا مقاتلهم، وحووا الذراري والسبي، ولما رأى المكعبر ذلك أسلم).


البحرين تغزو فارس

غزا المسلمون في البحرين القديمة فارس أكثر من مرة وذلك في عهد عمر بن الخطاب (رض)، المرة الأولى وتعرف باسم عملية طاووس وكانت في السنة السابعة عشر حيث حث العلاء أهل البحرين لغزو بلاد فارس، وقد سمعوا بما أحرزته الجيوش الإسلامية انتصارات في الحروب، فتسارعوا إلى الاستجابة لدعوة العلاء حتى أصبح لديه جيش عظيم وقد فرقه إلى ثلاث فرق، وولى قيادة فرقه خليد بن المنذر بن ساوي وأمر على إحدى الفرق الجارود بن المعلى، وعلى الأخرى سوار بن همام وهما من مشاهير عبدالقيس، إلا أن محاولتهم باءت بالفشل بادئ الأمر وحوصر المسلمون؛ لكن جاءهم المدد ففك الحصار عنهم وحصل نصر مجتزأ، وعزل العلاء بسبب هذه الواقعة ويرجح أن عمر قد ولى عثمان بن أبي العاص محله (أبو المكارم 1996، الجاسر 1983). أما الغزوات اللاحقة لفارس فقد جاءت بأوامر من عمر بن الخطاب فهناك بعض المؤرخين من يروي أن عمر كتب إلى عثمان بن أبي العاص - وهو أمير على البحرين - أن يعبر إلى فارس بنفسه، فاستخلف أخاه المغيرة، وعبر إلى فارس، وجعل بغير على بلاد فارس ففتح تَوَّج ومهد لفتح كرمان بقتل مرزبان بن كاوان (أبو المكارم 1996، الجاسر 1983). وقد سبق الحديث عن جزيرة بن كاوان في فصول سابقة.

العدد 3051 - الأربعاء 12 يناير 2011م الموافق 07 صفر 1432هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً