كيف ستكون عليه صورة العالم اقتصادياً في العام 2050؟ هذا السؤال أجاب عنه تقرير مصرف HSBC استناداً إلى إحصاءات وقراءات ومقارنات بين الأعوام 1970 و2010 و2050. فالفاصل الزمني بين المحطات الثلاث 40 سنة وهي في رأي الخبراء (كتبة التقرير) عينة كافية للمقاربة وتأسيس معادلة توزع القوى الدولية بعد أربعة عقود.
قراءة التقرير مهمة لأنها لا تقوم على توقعات فلكية وتخمينات علماء الفلك وحركة النجوم والكواكب وإنما تعتمد سياسة التدقيق في الأرقام واستنتاج معادلات نسبية تستند إلى حقائق اقتصادية تساعد على إعطاء فكرة موضوعية عن صورة العالم المقبلة من دون مبالغات أو أحلام ودرية أو تنظيرات تسارع في الاستنتاجات الايديولوجية.
التقرير يخرج بنظرية عامة تؤكد أن المتغيرات الدولية بعد 40 سنة لن تكون كبيرة ودراماتيكية كما تعتقد بعض الآراء، ولكنه يؤكد وجود مؤشرات نسبية مهمة تدل على نمو معادلة تكسر حدة الاستقطاب الثنائي بين دول الشمال والجنوب أو دول الشرق والغرب. فالغرب سيبقى في الموقع الأول بفارق نسبي بسيط والشرق سيتقدم خطوات نوعية ترفع الصين إلى المكان الأول والهند إلى الثالث. كذلك دول الشمال لن تواصل احتكار خط التقدم والرقي والتطور على حساب دول الجنوب. فالجنوب سيتقدم ويأخذ بمنافسة الشمال حين تحتل البرازيل المركز السابع في الاقتصاد العالمي والمكسيك المركز الثامن قبل فرنسا (9) وكندا (10) بينما ستكون تركيا في مركز (11) وبعدها إيطاليا وكوريا الجنوبية وإسبانيا وروسيا.
المتغيرات ليست لها علاقة بالفلك وحركة النجوم والكواكب وإنما بإنتاج البشر ودور السلطات في إدارة الاقتصاد وتنظيم قطاعات القوى العاملة وتطويرها لتكون هي القوة المحركة للتقدم. وبناءً على معادلة الأرقام وقراءة منظوماتها الداخلية وتقدمها الطردي أسس تقرير HSBC تصوراته التي اشتغل عليها عشرات الخبراء في مجالات التدقيق في الحسابات ونسبة النمو السكاني وتطور القوى العاملة وتحسن مستوى التعليم والرعاية المهنية والإشراف على الاختصاصات القطاعية.
المسألة ليست تحليلاً ولا تخمينات فلكية وإنما قراءة موزونة ومتوازنة أخذت فترة ما قبل (40 سنة) وما بعد (40 سنة) واليوم 2010 لتؤسس عليها مجموعة مفارقات بعضها عادي ومتوقع وبعضها كان خارج المألوف وغير منظور في حسابات الحاضر كما هو حال مصر في وقتنا وكما ستكون عليه في 2050.
يبدأ التقرير من العام 1970. في ذلك العام كان ترتيب دول العشر الأول كالآتي: الولايات المتحدة، اليابان، ألمانيا، بريطانيا، فرنسا، إيطاليا، كندا، إسبانيا، البرازيل، المكسيك. وبعد 40 عاماً تعدلت خريطة ترتيب الدول العشر الأول فأصبح الجدول في العام 2010 كالآتي: الولايات المتحدة، اليابان، الصين، ألمانيا، بريطانيا، فرنسا، إيطاليا، الهند، البرازيل، كندا. خلال 40 عاماً قفزت الصين من المرتبة 18 إلى الثالثة (أو الثانية قبل اليابان) ودخلت إلى القائمة الأولى، كذلك قفزت الهند من المرتبة 16 لتأخذ الموقع الثامن في قائمة 2010. إسبانيا مثلاً خرجت من القائمة وكذلك المكسيك بينما تراجع موقع إيطاليا من المرتبة السادسة في 1970 إلى السابعة في 2010، وكندا من المرتبة السابعة إلى العاشرة وألمانيا من الثالثة إلى الرابعة واليابان من الثانية إلى الثالثة.
هذا ما حصل بين 1970 و2010. وبناء على هذه العينة السنوية (40 عاماً) يقرأ تقرير مصرف HSBC كيف ستكون عليه صورة العالم بعد 40 سنة أي في العام 2050. التقرير يخرج بتصور تقريبي تأسس على مراجعات دقيقة تناولت النمو السكاني، المواد الأولية، الجغرافيا، مستوى التعليم، القوى العاملة وغيرها من عناصر تنموية تحتاجها الدولة لتحقيق التقدم المطلوب ما أدى إلى شبه انقلاب نسبي في ترتيب قائمة الدول العشر الأولى. وكانت النتيجة كالآتي: الصين، الولايات المتحدة، الهند، اليابان، بريطانيا، ألمانيا، البرازيل، المكسيك، فرنسا، كندا.
التعديل في التراتب ليس بسيطاً في خريطة الدول خلال فترة العقود الأربعة الماضية والعقود الأربعة المقبلة. فالعينة التي انطلقت من العام 1970 إلى العام 2010 حاولت مقاربة صورة العالم في العام 2050 حتى تؤكد أن الاختلاف لن يكون جذرياً وهائلاً ولكنه سيحمل معه بصمات تغيير نسبي في الهيكل العام للاقتصاد العالمي. والتعديل المهم لا يقتصر على جدول الدول المصنفة في إطار كتلة البلدان الصناعية المتقدمة وإنما في إطار كتلة البلدان المصنفة من الدول النامية. والتطور النسبي سيكون لمصلحة اقتصاد البلدان النامية التي ستلعب دورها في تعديل المشهد العالمي كما هو ظاهر على المسرح في أيامنا.
صورة العالم في العام 2050 لن تكون متشابهة مع المشهد الحاضر وتحديداً في لائحة الدول المصنفة في قائمة مجموعة الثلاثين. فهذه المجموعة كانت تتضمن في العام 1970 أسماء دول معظمها من القارة الأوروبية (هولندا، سويسرا، السويد، بلجيكا، النمسا، الدنمارك، اليونان، النروج، فنلندا، البرتغال) فأخذت الأسماء تتغير في العام 2010 لتصعد إلى اللائحة أسماء دول من القارة الآسيوية مثل إندونيسيا، هونغ كونغ، تايلند إضافة إلى روسيا. ويرجح التقرير أن لائحة دول مجموعة الثلاثين ستكون لمصلحة القوى الاقتصادية الصاعدة من العالم الثالث إذ ستحتل تركيا الموقع الحادي عشر بعد كندا مباشرة وقبل إيطاليا (12) وكوريا الجنوبية (13) وإسبانيا (14) وروسيا (15). وستأخذ إندونيسيا الموقع السادس عشر قبل الأرجنتين (17) وأستراليا (18).
المفاجأة العربية الكبرى ستكون مصر في العام 2050. فهذه الدولة التي لم يرد ذكرها في العام 1970 (سنة وفاة جمال عبدالناصر) ولا في العام 2010 (فترة الرئيس حسني مبارك) ستحقق قفزة اقتصادية هائلة تدفعها إلى موقع الدولة الـ 19 وقبل ماليزيا (20) والسعودية (21) بينما ستخرج الدنمارك والنروج والنمسا وبلجيكا والسويد من اللائحة المصنفة في مجموعة الثلاثين.
المتغيرات ستكون نسبية ولكنها تعطي مؤشرات على معطيات غير منتظرة. مثلاً البرتغال التي كانت تحتل في قائمة 1970 الموقع الثلاثين خرجت من لائحة التصنيف في العام 2010 ولن تعود إلى الشاشة في 2050. وإيران التي كانت في موقع 29 في قائمة 1970 خرجت من اللائحة في 2010 ولكنها ستعود لتأخذ موقع الدولة 27 في العام 2050. السعودية التي كانت في موقع 28 في قائمة 1970 تقدمت إلى مرتبة 23 في 2010 وستواصل تقدمها إلى مرتبة 21 في العام 2050.
العالم الإسلامي أيضاً سيشهد نمواً ملحوظاً. فالدول الإسلامية المصنفة في المجموعة الثلاثين كانت تضم ثلاث دول فقط في العام 1970 وهي تركيا (21) والسعودية (28) وإيران (29) حافظت على عددها في العام 2010 وهي تركيا (18) وإندونيسيا (21) والسعودية (23) لتعاود الصعود في قائمة 2050 لتشمل ست دول وهي تركيا (11) وإندونيسيا (16) ومصر (19) وماليزيا (20) والسعودية (21) وإيران (27).
المتغيرات نسبية اقتصادياً، ولكنها مهمة على مستوى التوازن الدولي والإقليمي والعربي. «إسرائيل» مثلاً خارج الصورة وهي دولة غير مصنفة في مجموعة الثلاثين لا في العام 1970 أو 2010 أو 2050. وإيطاليا المصنفة في المرتبة السادسة في العام 1970 ستخرج من قائمة الدول العشر الأول في العام 2050 لتدخل مكانها الهند (3) والبرازيل (7) والمكسيك (8) وستكون وراء تركيا (11). وإسبانيا أيضاً التي كانت في الموقع الثامن في العام 1970 خرجت من قائمة الدول العشر الأول في 2010 لتأخذ مرتبة (12) وستتراجع بحسب توقعات 2050 إلى مرتبة (14).
العالم يتغير والأسباب كثيرة ولا علاقة لها بالمساحة الجغرافية للبلد أو بالثروة الطبيعية فقط، وإنما بمسببات تتصل مباشرة بالنمو السكاني وتطور القوى العاملة (المنتجة). روسيا مثلاً (الأوسع مساحة في العالم) لم تكن موجودة ضمن لائحة 1970 (زمن الاتحاد السوفياتي) وصلت إلى مرتبة (17) في 2010 وستصل في 2050 إلى مرتبة (15) بعد تركيا وإيطاليا وكوريا الجنوبية وإسبانيا. وتايلند التي كانت في مرتبة (29) في 2010 ستتقدم إلى مرتبة (22) في العام 2050.
خريطة الطريق هذه تكشف عن حقيق ثابتة وهي أن العالم في حال تغير دائم لا يتمظهر فوراً في صورة المشهد لأن معالم التطور تحتاج دائماً إلى فترة وقت للخروج إلى المسرح الدولي. وفي حال صحت توقعات تقرير HSBC للعام 2050 ولم تتدخل قوى طارئة لتعديل خط مساره التطوري فمعنى ذلك أن هناك الكثير من موازين القوى السياسية سيكون لها دورها في إعادة هيكلة صورة العالم وترسيم خطوط معادلاته حتى تصبح متناسبة مع نسبة توزع الاقتصاد بين الشرق والغرب أو بين الشمال والجنوب. وهذا الاحتمال المرجح سيأخذ مكانه لاحقاً لا في عالم الاقتصاد فقط وإنما في حقول مختلفة لها صلة بالعلوم والفلسفة والاختراعات والاكتشافات وخريطة السكان والتجمعات البشرية وألوانها وثقافاتها اللاتينية والإفريقية والآسيوية.
إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"العدد 3050 - الثلثاء 11 يناير 2011م الموافق 06 صفر 1432هـ
توتا
اتصور ان العالم سيكون كله مسلم اما التكنولوجيا ستتطور بشكل لا نستطيع تخيله في هادا العام
هل هي قلة إيمان بالله أم ماذا بالضبط؟!!
تملّكني بالغ الدهشة عندما علمتُ "مؤخراً" بوجود قسم خاص بالبيت الأبيض الأميركي, يُعنى بالفلك وحركة النجوم والكواكب, أي أنّ كبار الساسة يأخذون بالطالع؟!!
عوفيت يا أستاذ وليد