لماذا نجتمع؟ ما هو هدفنا؟ وإذا كان باستطاعتنا تحقيقه فهل سيكون له أي أثر على الواقع في الخارج؟
هذه بعض الأسئلة التي يطرحها أفراد مجموعات حوار إسرائيلية وفلسطينية قبل وأثناء وبعد اجتماعاتهم المشتركة.
كوسيطة وميسّرة عملْتُ مع مجموعات كهذه لمدة 15 عاماً، أسأل نفسي الأسئلة نفسها. هل كان الحوار فاعلاً؟ ما الذي تغير؟ عندما أنظر إلى الوراء، إلى أولى المجموعات التي ساعدْت على تيسير عقدها العام 1995، كان المشاركون يشعرون بالأمل والإثارة حول فرصة الاجتماع معاً. وقد عكست إثارتهم تفاؤل هؤلاء الذين شاركوا في مفاوضات السلام وقتها. كنت أرى دوري ببساطة على أنه إعداد الناس على الجانبين لتشكيل العلاقات الضرورية لإدامة حياة مشتركة على هذه الأرض. كان المشاركون يومها متحمسين بشكل هائل، وكانت رغبتهم الحقيقية بمعرفة بعضهم بعضاً تصبغ هذه اللقاءات بطاقة جديدة إيجابية.
لسوء الحظ أن الأمر لم يعد كذلك اليوم. ففي أعقاب الانتفاضة الثانية وبناء جدار الفصل، فقد الكثيرون ثقتهم بهذه العملية بعد أن انقطع اتصالهم بالأصدقاء وعلاقات العمل التي شكّلوها على الجانب الآخر. راودني الشعور نفسه لفترة من الزمن.
ولكنني حصلت خلال السنوات القليلة الماضية مرة أخرى على شرف تيسير حوارات بين جماعات مختلفة في كل من إسرائيل وفلسطين: جنود جرحوا في النزاع المستمر وسجناء سابقون يحاولون الحصول على الحرية عبر استخدام الحوار بدلاً من السلاح، ونساء يقدن التغيير الاجتماعي في منظماتهن، وميّسرون مهنيون وناشطون يعملون مع مجموعات على «المسار الثاني»، أو الدبلوماسية غير الرسمية، وصحافيون يبحثون عن أساليب أفضل لتغطية النزاع. اجتمعت هذه المجموعات المتباينة معاً لأسباب عديدة، ولكن بدا أن لجميعهم هدفاً واحداً: بحث كيف يمكن للفلسطينيين والإسرائيليين أن يضفوا الإنسانية على بعضهم بعضاً وأن يجدوا أرضية مشتركة لتغيير حقيقي.
التحديات التي تواجهنا اليوم مماثلة، ولكنها بارزة أكثر. نواجه في مجموعاتنا الحوارية درجة عالية من لوم الطرف الآخر، ورؤية كل طرف لجماعته على أنها الضحية، إضافة إلى إطلاق الصفات والنعوت على الآخر والحصول على النقاط على حساب الآخر. عندما يبدأ المشاركون بفهم حقيقة أن مواقفهم الأولية تعيدهم فقط إلى المربع الأول، وقتها فقط نبدأ بمشاهدة تغيير حقيقي.
يشكّل تمكين هذا النوع من الدينامية داخل حوار جماعي وجعل هذه الأنماط واضحة للمشاركين أمراً حاسماً إذا أريد تحقيق تقدم. وقتها فقط يستطيع المشاركون البدء بكشف مشاعرهم الأكثر عمقاً والسماح لمخاوفهم الوجودية أن تظهر إلى السطح. تساعد هذه الرؤى بدورها أفراد الجماعة على فهم أنهم جميعاً يتشاركون بنفس المخاوف: أن يتم سلبهم هويتهم من قبل الطرف الآخر، أو المعاناة من أذى جسدي، وأن ما يريده الطرف الآخر في الحقيقة هو إلقاءهم في البحر.
يحتاج الأمر للوقت والصبر والصمود ووسيط جيد للوصول إلى نقطة حيث يبدأ المشاركون بتغيير لهجتهم ويعترفون بحقيقة أنهم جميعاً يبحثون عن التعاطف المعمق ليصبحوا جزءاً من حوار الطرف الآخر وحياتهم. وتتعمق العملية أكثر عندما يعترف المشاركون بأن كل طرف يتحمل مسئولية الماضي وما يمكن أن يحصل في المستقبل، ويدرك أن باستطاعته تحقيق الفرق، حتى من خلال مجرد اتخاذ خطوات طفل يتعلم المشي.
بالنسبة للكثيرين من المشاركين، تصبح هذه الاجتماعات المشتركة مثل عقار يحافظ على أحلامهم حية. يصبح الحوار نفسه الأداة والهدف، ويطوّر المشاركون حاجة عميقة لأن يجري تذكيرهم برؤيتهم ونضالهم المشتركين. وكما أشار عضو في واحدة من المجموعات: «يوفر لنا صمودنا الأمل والإلهام للآخرين ويحافظ على الحلم حياً. دعم المواطنين ومشاركتهم أمران حيويّان لتحقيق أي اتفاق سياسي مستقبلي». مشارك آخر وضعها بصورة مختلفة: «الاستسلام ليس خياراً».
من الأمور الحاسمة بالنسبة لقادتنا أن يعرفوا أن العديد من هذه الأصوات موجودة هناك، في الشارع الإسرائيلي والفلسطيني. وهم يبحثون عن المزيد من الناس للانضمام إلى صفوفهم. هم ينتظرون الفرصة لأن يتم اشتمالهم في أية مبادرة سلام، وأن يُعترف بهم ويُقدَّرون للرحلة الطويلة التي بدأوها. يملك هؤلاء الناس الشعور المعمّق والثقة والالتزام، التي توفّر مصادر حاسمة للأمل في أوقات النزاع المستفحِل.
آتي أنا من جذور فلسطينية، ولكنني أرى نفسي وبشكل متزايد في هذه الحوارات وفي مجالات أخرى من حياتي كواحدة دورها الأولي هو تمكين عملية الحوار وإدامتها بشكل كامل. لذا فإنني لا أمثل طرفاً واحداً. نحن جميعاً جزء من المجموع، وإذا تمكّنا من رؤية أنفسنا كجزء من هؤلاء من خارج جالياتنا العرقية والدينية، فلن نخاف من التعاطف مع مخاوفهم وآلامهم، إذ سوف ندرك أنها مخاوفنا وآلامنا نحن كذلك.
- مديرة مشاريع الترويج للأخبار الأرضية المشتركة المطبوعة والإذاعية في إسرائيل والضفة الغربية وغزة في منظمة البحث عن أرضية مشتركة، وهي منظمة دولية تعمل في مجال تحويل النزاع، وقد شاركت في عملية الوساطة في النزاع منذ العام 1994، وأسست المنتدى الإسرائيلي الفلسطيني في القدس، والمقال يُنشر بالتعاون مع «كومن غراوند»
إقرأ أيضا لـ "Common Ground"العدد 3050 - الثلثاء 11 يناير 2011م الموافق 06 صفر 1432هـ