القارئ ليس بحاجة إلى أسبوع حتى يتعرف على نتيجة الاستفتاء الذي عقد أمس في جنوب السودان. فالاستطلاعات ترجح أن تكون النتيجة لمصلحة الانفصال. وبعد الانفصال هناك فترة انتقالية تنتهي في يوليو/ تموز يفترض أن يتم خلالها الاتفاق على حسم الكثير من النقاط العالقة المتصلة بترسيم الحدود وهوية منطقة ابيي وتوزيع الثروة وتقاسم الديون وترتيب خطوط المعابر والإقامات والجمارك وتداول العملة وغيرها من شئون سيادية لها تأثيرها على استقلال كل طرف.
الانفصال ليس مسألة سهلة وهو لا يقل صعوبة عن الوحدة. واستقلال الجنوب عن الشمال بعد اتحاد دام نحو 55 سنة يتطلب قراءة تفصيلية حتى لا يكون مجرد خطوة ناقصة يمكن لها أن تنعكس سلباً على طبيعة تكوين كل دولة نظراً لتداخل الإقليمين وترابطهما القبلي والمعيشي والبيئي.
مصير الجنوب لا يتوقف على الاستفتاء ولا ينتهي عند تلك الخطوة، بل يبدأ منها لأن تعقيدات القرار ستظهر مباشرة بعد الإعلان عن النتيجة التي تحظى منذ الآن برعاية دولية ومتابعة إفريقية. فالخطوة استثنائية في توقيتها الزمني وهي جاءت ليس رداً على حاجة سودانية فقط وإنما لتلبية رغبة دولية ساهمت في دفع العلاقات بين الشمال والجنوب وجرجرتها من التعايش الصعب والتساكن القلق إلى الطلاق المر.
الطلاق شرعاً أبغض الحلال وهو لا يأتي إلا بعد فشل كل المحاولات للإبقاء على الزواج. وتوصل القوى الدولية إلى مثل هذه النتيجة لا يعني بالضرورة أن المنظومة العالمية كانت ضد الانفصال واضطرت إليه بعد فشل الوحدة. كل المؤشرات تدل على أن العواصم الكبرى كانت ضد الوحدة أصلاً وهي عملت منذ البداية على نقضها وتقويضها مهما كانت كلفة الانفصال. ولو كانت الدول الكبرى غير متأكدة من خيار الانفصال لأقدمت على تجميد الاستفتاء أو تأجيله إلى فترة مناسبة، ولأنها على اطلاع على النتيجة سارعت إلى تأمين كل الوسائل وتسهيل الطرقات لإجراء التصويت من دون تأخير.
قرار انفصال الجنوب عن الشمال تأسس في فضاء دولي وجرى إسقاطه تباعاً على السودان حتى تحول مع الأيام إلى حاجة داخلية يصعب التهرب من استحقاقها. فأهل الجنوب الآن يتوقعون من الانفصال خيرات لا تقدر بثمن وذلك نتيجة قناعات مضمرة بأن الشمال كان يسيطر عليها ويحتكرها ويمنعها عنهم. وأهل الشمال ينتظرون تلك اللحظة ويتوقعون منها أن تشكل فرصة للاستقرار والرخاء بذريعة أن الجنوب استنزف السودان وحرم شعبه من التنعم بالخيرات.
هذه التوقعات ليست بالضرورة صحيحة ولكنها تحولت إلى نوع من القناعات الراسخة التي عمدت السلطة في الخرطوم على ترويجها بالتناغم مع تسويق سلطة جوبا وتعويمها فضائل الانفصال وفوائده.
الآن أهل الجنوب ينظرون إلى الشمال بوصفه قوة مهيمنة جرى التخلص منها ويتوقعون من الانفصال أن يعطي فرصة للنمو والتقدم والتطور. وأهل الشمال ينظرون إلى الجنوب بوصفه قوة فائضة تم التنازل عنها حتى تكسر أغلال التخلف ويطلق سراح النمو والتقدم والتطور والعدل من سجون المستنقعات ومساقط المياه والأدغال الاستوائية.
الفريقان يعيشان لحظة وهمية وهي في منتوجها العقلاني تراهن على توقعات ليست دقيقة في تقديراتها السياسية والاقتصادية والثقافية. فمن الجانب السياسي يتوقع ألا يخرج السودان من لائحة تصنيف الدول الفاشلة كذلك لا يتوقع أن يدرك أهل الجنوب خطورة قرار الانفصال إلا بعد مرور خمس سنوات عليه حين سيكشف الواقع عن مخاطر سلبية لم تكن محسوبة في لحظة الانخداع بالوعود الوردية. ومن الجانب الاقتصادي فإن السودان الشمالي لا يستطيع أن يطور استثماراته من دون تعاون مع الجنوب سواء في مجال المياه والرعي أو في مجال النفط والتجارة. كذلك الجنوب لن يتقدم إلى الأمام من دون التنسيق مع الشمال.
الجانب الثقافي هو الأهم. فالتنوع الذي يتمتع به السودان نعمة لا نقمة وهو شكل تقليدياً ذلك المجال الحيوي للتفاعل الذي كان يتطلب المزيد من الوقت والجهد ليتولد منه ذاك النموذج الخاص في وسط إفريقيا. والمشكلة الآن أن الانفصال لم يحقق التجانس المطلوب أو المرغوب به لكون الشمال لايزال يعيش حالات من الاضطراب الناجم عن التعدد. كذلك الجنوب الذي تخلص من ثقل غالبية الشمال لم ينتقل إلى التجانس لكونه يتشكل من أقليات قلقة تعيش في فضاء غالبية قبيلة الدينكا.
المسألة الأصعب تتمثل في الثقافة. فالتنوع عادة يوفر للجماعات الأهلية مساحة فائضة للتسامح بينما الانسجام أو تقلص التنوع يدفعان العلاقات الأهلية إلى زاوية التوتر وبالتالي المزيد من التأزم. وهذا الفارق بين التنوع والانسجام يفسر طبيعة الاختلاف بين دولة تقوم على التعدد ودولة تتأسس على التطابق في الشكل والهيئة. فالدولة المنسجمة قد تكون سياسياً تتمتع بالحد الأدنى المطلوب من الاستقرار ولكنها بالتأكيد تفتقد إلى الحيوية والانفتاح والتسامح وتتجه إلى نوع من الانغلاق على الهوية وتقليص هامش الحرية على الداخل. والدولة المتنوعة الألوان والعصبيات قد لا تتوافر لها كل مقومات الاستقرار السياسي المطلوب للتفرغ إلى التنمية والتطوير ولكنها لا تستطيع بحكم طبيعتها وتكوينها التعددي إلا أن تكون متسامحة ثقافياً ومنفتحة على الآخر ومختلف الاتجاهات.
التسامح الثقافي المتوارث تقليدياً يشكل سمة أساسية من سمات الشعب السوداني خلال العقود الستة الأخيرة. ومن يعرف الشعب السوداني يدرك هذه الثروة الإنسانية والقيمة الاعتبارية لمعنى التنوع والتعدد ومتطلبات التساكن والتعايش. فالسودان المضطرب سياسياً منذ استقلاله عن بريطانيا شهد الكثير من الانتفاضات والانقلابات والحروب الصغيرة ولكنه تمتع بتلك الخصوصية المتسامحة الناتجة أصلاً عن تكوينه التعددي وتنوعه الأهلي الثقافي. والخوف الحقيقي من الانفصال لا يقتصر على الاقتصاد والسياسة فقط وإنما على المخاطر التي قد تتمظهر في ردة فعل على الانسلاخ الثقافي وانكسار التعدد والتنوع وبالتالي احتمال غياب التسامح عن الجنوب والشمال معاً والاتجاه طوعاً نحو الانغلاق والتقوقع بذريعة حماية الهوية من الاختراق.
التسامح الموروث طبيعياً وتقليدياً عن تساكن الجماعات الأهلية وتعايشها عنوة أو صلحاً يتمتع بمردود إنساني يتجاوز حدود الكثير من الأشكال والقوالب «الديمقراطية» المصنعة والمصطنعة. والخسائر الناجمة عن التفكك الثقافي بانفصال الجنوب عن شمال السودان قد لا تعوض وهي ستترك سلبياتها على الجماعات الأهلية ما ينذر باحتمال انجرار الناس إلى مزيد من الانغلاق على الذات والانطواء داخل هويات ضيقة وعصبيات مستعصية وغير قابلة للانفتاح والحوار.
المخاطر الناجمة أو المحتملة عن تناثر التنوع وتبعثر التعدد أكثر أهمية من الخسائر المتوقعة على المستويين السياسي والاقتصادي. فالسودان المضطرب سياسياً والضعيف اقتصادياً خسر قوة ثقافية متسامحة لا تعوض ويرجح ألا يكسب مقابلها الاستقرار السياسي والنمو الاقتصادي، لأن التفكك حين يبدأ في مكان لا يمكن وقفه بسهولة في مكان آخر. وحين ينجح الانفصال في ضرب نقطة قوة السودان (التنوع الثقافي والتسامح التقليدي المتوارث) تصبح المراهنة على المستقبل مجرد ضربة حظ قد تكون موفقة وقد تكون خاسرة على مختلف المستويات والتوقعات.
الاستفتاء الذي جرى أمس في جنوب السودان لا يحتاج إلى أسبوع للتعرف على نتائجه. فالترجيحات واضحة في تغليب خيار الانفصال... إلا أن المبالغة في المراهنة على فترة ما بعد التقسيم تحتاج من الآن إلى مراجعة لكون التوقعات تأسست على قراءات سياسية وحسابات اقتصادية وأهملت الجانب الثقافي وتأثيراته السلبية على طبيعة السلطة الحزبية سواء في الخرطوم أو جوبا. فالشمال سيكون أقل تسامحاً كذلك الجنوب.
إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"العدد 3048 - الأحد 09 يناير 2011م الموافق 04 صفر 1432هـ
إالاستفتاء خيار الحنوبين
هدا قدرهم
تركيبة العقل العربي
عقدة الخلل تكمن في تركيبة العقل العربي ال ......., فعلى سبيل المثال: لو استطعنا زراعة عقول عربية مكان عقول الأوروبيين, لإنهار الإتحاد الوروربي في اليوم الثاني!!
هذا و لا يجب أن نغفل الدور الأميركي الفعّال بتفتيت الأمم و بثّ الفتن.
الانفصال
ان السبب وراء هذا الانفصال فى السودان وما هو آت فى العراق والمغرب ومصر والسعودية هو وجود حكومات ماهى عربية قومية وماهى عربية اسلامية ... فهى قومية فاشستية وهى اسلامية امريكية ... وكلها عاشت على الظلم واستبداد الشعب العربى ... فلا اتصاف ولا عدالة ولا ذرة من الانسانية ... لذا تأتى روح الخلاص من هؤلاء وبأى ثمن ... والا كيف يـأتى النفور من هذه الجحافل والخلاص منهم وأنت فى يدك القرآن ... فالتمسخر على العالم ومصير البشر نتيجتها ماهى الا الانفصال ثم الانفصال الى أن تشمل كل هذه الدول الظالمة للبشرية