أمس الأول أعلنت الشرطة العراقي ة اعتقال شقيق وزير التجارة المتهم مع مسئولين آخرين بقضايا فساد مالي، تقول هيئة النزاهة إنها تقدر بمئات ملايين الدولارات.
منذ ست سنوات والحكومات المتعاقبة على السلطة في بغداد لم تقدم ما كان يأمل أن يراه العراقيون من توفير الخدمات وتطوير البنى التحتية التي تضررت بشكل كبير على مدى ثلاثة عشر عاما من الحصار الاقتصادي الذي عاشه العراقيون. فهذه الحكومات لم تستثمر الفرصة التاريخية التي وفرها لها ارتفاع سعر النفط لنحو 150 دولارا للبرميل الواحد، كما لم تستفد من الدعم الغربي والدولي الذي وفره لها الغطاء الأميركي منذ العام 2003 وحتى الآن.
الفساد الحقيقي الحالي بدأ فعليا مع دخول القوات الأميركية إلى العراق، حيث تعرضت الوزارات والمؤسسات الحكومية وشبه الحكومية إلى عمليات نهب كبيرة قام ببعضها سراق في وضح النهار والتقطت صورهم العشرات من كاميرات الصحافيين، لكن هذه الكاميرات لم تستطع التقاط سرقات أخرى تعد الكبرى في تاريخ العراق والتي كانت تجري في ظل ميليشيا أحزاب بعضها غادر وبعضها مازال في السلطة، حيث نجحت هذه الأحزاب في نهب وسرقة كل ما لم يستطع السراق الصغار على حمله أو نقله من مكائن ثقيلة ومصانع وخطوط إنتاج متكاملة لمعامل ضخمة تقدر بمليارات الدولارات.
هنا كانت بداية عمليات الفساد المالي المرتبط في معظمه بالفساد السياسي، ومعه بدأت حماية من سرق العراق عبر إقرار دستور يحمي بشكل واضح أي مسئول متهم بالفساد، مانحا المفسدين حصانة حزبية وسياسية بعد أن ربط قرار الاعتقال بموافقة مسئول المفسد الحكومي والسياسي، وهو ما حصل مع قضية وزارة التجارة الذي يرفض الوزير اعتقال شقيقيه ومعهما ستة مسئولين آخرين.
عمليا، الدستور العراقي لم يحمِ فقط الفساد المالي، بل حمى ما هو أخطر، ونقصد هنا الفساد الإداري، حيث أثبتت الأحداث أن الوزراء المتهمين بفساد مالي أو إداري طالما تحميهم كتلهم النيابية التي ترفض محاسبتهم، ولا يجرؤ أحد على إقصائهم، أو المسّ بمواقعهم في السلطة بسبب المحاصصة السياسية المبنية على الطائفية والقومية، والتي يطلق عليها الساسة العراقيون مصطلح الشراكة أو المشاركة أو التوافق. لقد أثبتت الوقائع أن القضاء على الفساد في العراق بوجود المحاصصة أصعب بكثير من الإرهاب، وإن ما دعا إليه رئيس الوزراء العراقي قبل يومين لمحاربة الفساد، عندما قال علينا أن نحاربه مثلما حاربنا الإرهاب، يعرف المالكي قبل غيره أنها أمنية غير قابلة للتحقق مادام هناك سياسيون يدافعون عن محاصصة ودستور يحمي المفسدين.
إقرأ أيضا لـ "علي الشريفي"العدد 2440 - الإثنين 11 مايو 2009م الموافق 16 جمادى الأولى 1430هـ