قبل استجواب وزير الصحة كتب بعض الزملاء أنه استجوابٌ في الوقت الضائع، وبغضّ النظر عن وجاهة نظرته إلا أن ما جرى خصوصا أثناء الاستجواب وبعده من استنفار طائفي، يدفع للكتابة عنه مرة أخرى... فيبدو أن متلازمة «وزيرنا ووزيركم» ستبقى تحكمنا رغما عنا، ربما لسنواتٍ قادمة!
أحد الأمور المحزنة في هذا الاستجواب، أن ينجرّ بعض من يعوّل عليهم للدفاع عن الحقيقة والمصلحة العامة، إلى التفسير الطائفي الجاهز، فمادامت الوفاق «كتلة شيعية»، والوزير من أسرةٍ سنيةٍ، فلابد أن تكون هناك مكيدةٌ واستهدافٌ، وبالتالي لابد من الاستنفار للدفاع عنه بوجه هذه الحملة الصليبية الشرسة، وينسون أن الكتلة نفسها هي التي أطاحت بالوزيرة السابقة ندى حفاظ.
أنا لا أكتب دفاعا عن الوفاق، وإنّما دفاعا عن المواطن الذي يتم الاستهانة به بهذه الصورة، وإذا انتقدتَ بعض الكتل على موقفها الخاطئ المعيب، خصوصا الكتل الميكروسكوبية التي لا تُرى بالعين المجردة، يزعلون، ويعتبرون ذلك عيبا، وينسون أن العيب هو تسترهم على «عيوب» وزارة الصحة الفاضلة.
إلى جانب نواب الموالاة، كانت هناك جبهةٌ أخرى أكثر دفاعا عن الوزير، وهي صحافة الموالاة، التي انبرت لتوجيه الحدث بلغةٍ طائفيةٍ أو شخصيةٍ، وتجاهلت موضوع تدهور الخدمات الصحية من الأساس. ولم يكن غريبا ما تسرّب من تعليمات من داخل غرف التحرير ببعض الصحف، ونقلتها نشرة الوفاق الأخيرة على ذمتها، من قبيل «لازم ما نكتب عن الفساد بوزارة الصحة حتى لو شفنا بعيننا»، أو «احنه حصلنا تهديد بخصوص الديون اللي علينا... خل النواب في موقف المغلوبين مع اني مقتنع انهم غالبين» (هذه الديون تقدّر بالملايين من المال العام)!
أما التوجيه الأخير فتدخل فيه اعتبارات فنّ الإخراج المسرحي، لأنه موجّهٌ للمصوّرين: «أبيك تدوّر لنا صور الوزير يضحك فيها، والنواب اللي من صوبنا (حلوة من صوبنا) بيحاولون يضحكونه ولما يبتسم صوّره على انه مب خايف. وحاول تصيد لي صور لنواب الوفاق وهم معصبين وانهم حاسين بشيء من الرهبة (وهذه أحلى)»!
المسألة ليست شخصية ولا طائفية، وليس عندنا غير الاحترام والتقدير لشخص الوزير، ولكن القضية أولا وأخيرا محاسبة الوزارة الأكثر التصاقا بحياة المواطن، منذ إصدار شهادة ميلاده إلى شهادة وفاته، فهي أكثر وزارة يراجعها وبالتالي يعاني من تدهور خدماتها، بغضّ النظر عن الوزير أو طائفته أو عائلته أو قبيلته، وهي الحقيقة التي تغيب عن الكثيرين عمدا أو تجاهلا أو عمى طائفيا.
قبل أن أبدأ كتابة هذا المقال بساعة، وصل خبر تبرئة لجنة الخدمات لساحة الوزير... والسؤال: ما هي كلفة هذه الشهادة؟ بل ما هي كلفة هذا الأداء المسرحي الهزيل أمام الكاميرات؟ كيف سيتلقى الشارع تلك الصور والضحكات التي تأتي رقصا على جراحه ومعاناته ومشكلاته الصحية؟ هل تريدون أن يحترمكم الناس حين تدافعون عن بؤر الأخطاء وتتسترون على الصفقات المشبوهة بدل الدفاع عن مصالحهم وصحتهم ومستقبل الوضع الصحي بالبلاد؟ ألم تفكّروا أنكم تقوّضون الثقة بأهليتكم لإدارة الحوار الوطني داخل البرلمان تنفيذا لرغبة وتوجيهات جلالة ملك البلاد؟
سؤال يتولد منه ألف سؤال... ليتكم تجيبون عليه: ما كلفة هذه الشهادة سياسيا واقتصاديا وصحيا وأمنيا؟ وبماذا تجيبون ربّكم غدا عن التفريط في مصالح الناس التي أئتمنتم عليها يوم أعطاكم الناس الثقة عبر صناديق الاقتراع؟
إقرأ أيضا لـ "قاسم حسين"العدد 2440 - الإثنين 11 مايو 2009م الموافق 16 جمادى الأولى 1430هـ